2013/06/21
ابراهيم حاج عبدي – الحياة
«ولا عزاء للسيدات»، هو عنوان فيلم للمخرج هنري بركات ظهر نهاية سبعينات القرن الماضي، ولعبت دور البطولة فيه فاتن حمامة، غير أن هذا العنوان يصلح توظيفه، حالياً، للحديث عن أنباء تقول إن إحدى القنوات الفضائية الدينية تعتزم انتاج مسلسل تقتصر الأدوار فيه على الرجال دون النساء اللواتي لا عزاء لهن ولا مكان في الـ «كافيه شوب»، عنوان المسلسل المقبل.
من الآن فصاعداً، سنسمع مصطلحاً درامياً جديداً وهو «الدراما الرجالية» أو «دراما بلا سيدات»، وهو مصطلح لم تفرضه الضرورات الدرامية والفنية والجمالية، وإنما نحتته عقول ترى في المرأة عورة، ولا ينبغي لها أن تمارس الفن والتمثيل، ولا أن تظهر على الشاشات، فهذه الأخيرة مخصصة للرجال، بل موجهة، كذلك، الى الذكور دون النساء اللواتي ينبغي أن يبقين في «الحرملك» ولا يحق لهن المشاركة في العمل ولا مشاهدته حتى، كما يلمّح عرابو العمل الرجالي المنتظر.
من السذاجة بمكان مناقشة مثل هذه الدعوة التي تشبه دعابة سمجة، فالدراما في تعريفها هي تعبير عن الواقع ونبض الحياة، وهذه الحياة تتشكل من عنصرين هما الرجال والنساء، وعند إبعاد أي عنصر فذلك يعني أن ثمة خللاً، بل مرضاً خفياً يعاني منه أصحاب مثل هذه الدعوات التي لا تستقيم مع القوانين والشرائع، بل هي تعارض النصوص الدينية، فضلاً عن ان القصص الواردة في القرآن الكريم، ويستند اليه أصحاب المسلسل، تحفل بشخصيات نسائية تحضر بهذا المقدار أو ذاك.
ليس غريباً أن نجد عملاً درامياً أو سينمائياً أو رواية تغيب عنها النساء، وقد نجد أعمالاً مماثلة يغيب عنها الرجال، بيد أن هذا الخيار يأتي على نحو فني وجمالي تفرضه بنية السرد وجوهر الحكاية المطروحة، أما في الحالة التي نتحدث عنها، فإن اقصاء النساء نابع من ظلام العقول، بالتالي قد يكون المسلسل المنتظر بلا موسيقى تصويرية أيضاً!
بعيداً من التنظير والجدل المجاني، لعل الخيار الأفضل لهؤلاء ألا ينتجوا مسلسلاً من هذا النوع، بل عليهم أن يغلقوا محطتهم الفضائية لأنها، بحد ذاتها، «بدعة غربية»، وبذلك يرتاحون من الشعور بالذنب، ويرتاح، المشاهد بدوره. فالعالم أرحب مما يتخيلون، والحياة أوسع من فتاويهم الغريبة، وإذا استطاعوا ان يحتكروا بعض المواقع، فإنهم لن يتمكنوا من احتكار الفن الذي يضيق، أصلاً، بأمثالهم، فهو أرض للمغامرة والكشف والتمرد والأسئلة والشكوك... وثمة سؤال يطرح نفسه وهو في أي أرشيف سيصنف أصحاب «المسلسل الذكوري» أدواراً نسائية حية في الذاكرة جسدتها، مثلاً، فردوس عبدالحميد، وسميحة أيوب، ومنى واصف... وغيرهن.