2013/05/29
صهيب عنجريني – السفير
دارت منذ أيام كاميرا المخرج السوري محمد فردوس الأتاسي، لتصوير رابع إنتاجات القطاع العام لهذا الموسم «وطن حاف». في هذه الأثناء، يستكمل شريكه في الإخراج مهند قطيش تحضيراته تمهيداً لإطلاق تصوير الجزء الخاص به من العمل، خلال أيام قليلة. يتقاسم أدوار البطولة عدد كبير من نجوم الدراما السورية، منهم محمد حداقي، أندريه اسكاف، وفايز قزق، ولينا حوارنة، ومحمد خير الجراح، وزيناتي قدسية، وعبد الرحمن أبو القاسم، وسوسن ميخائيل، ورنا شميس، وجمال قبش، ووسيم الرحبي، وفادي صبيح، وسمر سامي، وصباح الجزائري، وخالد القيش، وتيسير إدريس، وسمير حسين، ويزن السيد، وخالد القيش، وعاصم حواط، ومازن عباس، وآخرون.
المسلسل الذي يندرج ضمن إطار المنفصل/ المتصل قطع مخاضاً إنتاجيّاً عسيراً، كما توضح مديرة «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» ديانا جبور: «لأسباب تتعلّق بالتمويل كاد العمل يخرج من خطّة الموسم الحالي، حيث كان من المفترض أن يكون الإنتاج مشتركاً مع إحدى شركات القطاع الخاص قبل أن تنسحب الأخيرة، استطعنا تدارك الخلل، وبات العمل من إنتاج المؤسسة منفردةً لكنّ الوقت أصبح ضيقاً».
يبدو المخضرم محمد فردوس أتاسي متحمساً لفكرة وجود طاقمين مستقلين، ويقول: «هذا الحل يتيح لكلّ مخرجٍ أن يولي حلقاته الاهتمام الذي تستحقه. تقنياً، إن طبيعة النص الذي تشكل كلّ واحدة من حلقاته جسداً درامياً مستقلاً، تجعله يحتمل وجود رؤيتين إخراجيتين مستقلتين تماماً. تستطيع القول إنّنا أمام عملين دراميَيْن منفصلين يجمعهما خطّ فكريّ واحد». ويؤكد صاحب «المحكوم» أن السيناريو الذي كتبه كميل نصراوي شكّل إغراءً فنيا له، هو الحريص ـ كما يقول ـ على تقديم شيء جديد في كلّ عمل يتولى إخراجه. يقول الأتاسي: «لا أخوض تجربة إخراجية ما لم أكن واثقاً من تحقيق شرطَي المتعة والفائدة للمشاهد. على الدراما أن تطرح أمام المشاهد فرصاً للنقاش، سواء وافقنا أم خالفنا، أعجبه ما نقدمه أم لا، هذا ما أحرص عليه عبر مسيرتي». فما الجديد في وطن حاف؟ يجيب: «ثمة رشاقة في طريقة الطرح الدرامي، والحلقات الثلاثون تدور في فلك الواقع الاجتماعي السوري، وفي مسببات وانعكاسات الأزمة عبر حكايات تجمعها إنسانية الإنسان، متناولاً الطبقة التي تحمل المجتمع على كتفها، بقالب تختلط فيه الضحكة بالدمعة». ويؤكّد أتاسي أن الواقع الأمني الذي تعيشه دمشق يرخي بظلاله على عمليات التصوير، خصوصاً أنّ «الحلقات شديدة الانتماء لليومي والمُعاش، ومعظم مواقع التصوير خارجيّة».
بدوره، يؤكد المخرج مهند قطيش أن تقاسمه «وطن حاف» مع مخرج من طراز الأتاسي يشكل تحدياً حقيقيّاً، لأنّه سيفتحُ الباب للمقارنة حتماً. «أعمل متناسياً وجود شريك في الإخراج، كي أستطيع العمل بحرية أكبر. وفي سبيل ذلك لم أقرأ سوى الحلقات التي أتولى إخراجها. السيناريو يقدم لنا ثلاثين حكاية غنية بظروف مختلفة وبطرائق تناول درامية مختلفة، وأعتقد أنّ وجود رؤيتين إخراجيتين منفصلتين يشكل غنى إضافياً، وآمل ألا ينشغل المشاهد بالمقارنة بين عمل المخرجَين، لكن يبدو ألا مفرَّ من ذلك». يوضح قطيش أنّ الحلقات الثلاثين لا تندرج بأكملها في الإطار الزمني للأزمة السورية. ثمّة حلقات متحرِّرة من هذا الشرط، لكنّها تندرج في إطار هموم الطبقة الاجتماعية ذاتها، هذه الطبقة التي طالما دفعت الثمن وتدفع ثمنَ الأزمة اليوم. يقول: «هناك حلقات تدور أحداثُها في الساحل وبلهجة أبنائه. في السويداء أيضاً، نشاهد في وطن حاف انعكاسات الأزمة، بيوتاً طالتها النيران، نازحين، أشخاصاً أطاحت الأزمة أعمالهم وأحلامهم». لكن إلى أي درجة يمكن الخوض في موضوع الأزمة بتجرّد في عمل تنتجه جهةٌ حكوميّة؟ يجيب المخرج الذي يخوض تجربته الإخراجيّة الثانية بعد «رومانتيكا»: «لا يوجد خوض في وحول السياسة، القاسم المشترك الأعظم هو الهم الإنساني، وهذا يخدم العملية الفنية أكثر، ويتيح التركيز على الإنسان بتجرّد، بعيداً عن شرط الموالاة والمعارضة».
يقول المؤلف كميل نصراوي إنَّ مسلسله يقدّم معالجة كوميديّة جديدة تخالف السائد، وتنأى عن السخرية من مظاهر الأشياء، بل تغوص في تفاصيل الحياة اليومية البسيطة، لأشخاص حقيقيين، تعترض أحلامهم البسيطة جداً عقبات كثيرة غالباً ما تكون مرتبطة بأزمات أكبر بكثير مما يتصوّرون. «وطن حاف»، وفقاً لمؤلّفه، عمل يحرك انفعالات المشاهد ويضعه في حيرة بين الابتسام والتجهم والحزن والفرح. يبدو نصراوي شديد الثّقة بتجربته الدرامية الأولى. لا يتخوف من تضارب في الرؤية البصرية للمخرجين لأن روح العمل تبقى واحدة، وإن اختلفت الأدوات بين المخرجين. ويعدُ المشاهد بـ «عملٍ لا يشبهُ إلا نفسه، خصوصاً في مقارباته المختلفة، وطريقة كتابته التي تتكئ على المزاوجة بين الكوميديا والتراجيديا، وبسقف سياسي واجتماعي عالٍ. مزاوجة أبطالها جياع ومخذولون، سجانون وجلادون، مجرمون وبريئون، شحاذون ومخمورون، يائسون وحالمون، وطنيون وفاسدون». يرى نصراوي أنّ اعتماد نمط المنفصل/ المتصل لمسلسله «أتاح هامشاً أكبر وتنويعاً في تناول مسائل عدة، على عكس النصوص المتصلة التي تدور في معظمها حول خطين أو ثلاثة خطوط درامية رئيسية أما بقية الخطوط فتبقى هامشية. لدينا ثلاثون حكاية مستقلة، منها: «حب على ضفاف الحبة»، «سبات على الرصيف»، «صحافي للبيع»».
هو وطنٌ كاد الدم يصبغ كلّ بقعة فيه، وتسابق أبناؤه على تقاسمه بدلاً من تشاركه، لكن صنّاع «وطن حاف» يعدون بعمل دراميّ يقدّم وطناً يتشاركه الجميع.