2013/06/25
آنا عزيز الخضر – الثورة
حقق المسرح السوري مشروعه الثقافي منذ بدايته الأولى وحتى وقتنا الحالي، فقدم أميز الأعمال المسرحية، وكان له كلمته في كافة المعارك الوطنية منها والثقافية والاجتماعية والإنسانية، وكل المجالات، وقد أكد القائمون عليه دوما على مدى تاريخه الطويل على انجاز الأفضل، والعمل على تطويره تأليفا وإخراجا و أداء، ومضامين تتواءم مع متطلبات الواقع، حتى إن أسماء كثيرة من المبدعين المسرحيين السوريين، باتوا من أهم الأسماء في عالم المسرح. نجوم وأعمال ومحاولات إبداعية مستمرة على مدى تاريخ المسرح السوري العريق، وعروض دعمتها دوما الثقافة والموهبة والجهود المعرفية الخاصة والعمل المستمر والد ؤوب. فأتى إحداث المعهد العالي للفنون المسرحية في الثمانينات كرافد قوي للحركة المسرحية، حيث يتم دراسة المسرح وفق مناهج أكاديمية، لخلق مسرح سوري متطور، يعتمد الأصول والمناهج و المدارس والأساليب بالشكل العلمي، فيتخرج مئات المسرحيين المبدعين، والذين عملوا في كل فنون المسرح وعناصره، مما دعم مسيرة المسرح السوري ككل مكانة وإبداعا ومشروعا ثقافيا. وهذا النجاح لابد سيترك أثره على تطوير المشهد المسرحي ككل،لأنه وعلى الجانب الآخر حضرت آليات إبداعية، إضافة إلى الجانب الأكاديمي، هي ورش العمل المسرحية،والتي أفرزت دوما الأعمال المتميزة،مهما اختلفت عنوانيها، بسبب خصيوصتها الإبداعية،التي تستحضر المقترحات الكثيرة،وتستقطب المواهب ،ثم آليات العمل التشاركية والحوارية،التي تعتمد النقاش وتبادل الخبرات المختلفة في السياق المسرحي،وكل ذلك من شأنه أن يفيد بخلق البصمة الإبداعية الخاصة، إضافة إلى انعتاق العمل من أي منهج محدد،وقد أكد الكثير من النقاد المسرحيين على أن المنهج هو سند أساسي للمسرحي وقيد في الوقت نفسه، من هنا فإن ورش العمل قد تفسح المجال،وتفتح الآفاق لخلق إبداع متميز، فهذه الحالات المسرحية بشكل أو بآخر، تخلق في استمراريتها تراكما و خبرات تحقق الخصوصية الثقافية، والتي اعتمدت أصلا على التبادل المعرفي وانتقاء أفضل الخيارات، وفي كل العناصر المسرحية،في التأليف كما إعداد الممثل،كما الخيار الفني المتغير الذي يتبع الإبداع على تلونه وسعته، خصوصا أن هذا الشكل الإبداعي، قد اعتمد أساسا على تبادل الخبرة الفنية والمعارف الاختصاصية. ولأهمية هذه الآلية الفنية، يتم الاعتماد عليها من قبل الكثير من الفنانين السوريين المبدعين والمؤسسات الثقلفية والفرق وغيره، كما أن هناك مهرجانات مسرحية سورية اعتمدت منذ نشأتها الأولى على إقامة هذه الآلية الإبداعية، منها مهرجان المونودراما المسرحي في اللاذقية، وقد تزامنت ورشات العمل المتواصلة عبر أشكال إبداعية مختلفة مع ذلك المهرجان، وكان آخرها ورشة عمل إعداد الممثل، كما كانت نفس الورشة في مجال كتابة النص المسرحي، وخرج العمل الذي توجها (حكايات سورية)، بشكل لفت الأنظار إليه، ليؤكد روح الخلق التي تحضر من جراء هذه الآليات تحديدا، حيث يحضر الإبداع الفني الحقيقي من جهة، كما تكون تلك الأعمال أكثر قربا من صميم الواقع، وبالفعل كان العرض منسوجا من مفردات الوقائع والحقائق، ومشغولا بأحاسيس ومشاعر وتفاعل قل نظيره، خصوصا انه اهتم بأحداث الوطن،وما فرضته من معاناة وعذابات إنسانية، عدا عن الخراب والدمار الذي سبب الأذى للجميع، وكون المشاركين في الورشة، ساهموا بالتأليف، كان هناك طروحات عديدة، وبأكثر من منظور ورؤية ووجهات نظر، مرت على كل المساحات الاجتماعية والوطنية والإنسانية والقيم وغيرها. فأدهش العرض الجمهور كون العمل صورة حية عن الناس وهمومهم،وقد ساهمت الألية الفنية تلك برسم تلك المشاهد بدقة، هذا عدا عن مقدرتها في استفزاز طاقات المشاركين الإبداعية وتوجهيها إلى المكان المطلوب . أكثر ما اتصفت به العروض التي كانت تتويجا لورش العمل المسرحية، أنها تصوغ نفسها لتكون لسان الناس ،وبالشكل العفوي والتلقائي الذي ينطق بالصدق والحقائق، هذا عدا عن مسألة، أن تكون معطى موازيا للجانب الأكاديمي فنيا، معتمدا على الموهبة والرغبة بإحقاق فعل ثقافي مؤثر على الأرض ،مثل عرض (خسران مع فائز) إخراج (فرحان أبو حسون) الذي أكد أن العرض اعتمد على آلية ورشة العمل وعلى آليات تشاركيه ونقاشات في كل الخطوات، وقد توفر للعمل من خلالها خبرا ت متنوعة وآراء متعددة، كما هو تطلعات إبداعية وتثقيفية، مما أفرز حالة مسرحية نوعية، فتجلى في تتويج ورشة العمل، أي في العرض الأفضل من الخيارات كمحصلة وخلاصة، وصلت تلقائيا إلى المشهد الاصطفائي الاميز، أن كانت في العناصر الفنية، أوفي المضمون والمقولة، وكانت الظروف التي يعيشها وطننا متواجدة في كل التفاصيل في اللغة والحوار والمشاعر كما الموقف، وكل القضايا المطروحة، ليؤكد انشغال المواطن السوري بهموم وطنه بكافة شرائحه،خصوصا أن العرض قامت بها فرقة (دمعة وابتسامة) للمسرح الجامعي. أما عرض (تشيس) إخراج (مؤيد الخراط) استفاد في أطروحاته المختلفة،من تلك الآلية الفنية،التي تركت معالمها على تفاصيل العرض، حيث تعمقت وأغرقت في تفاعل الشخصيات مع المصائر المفروضة عليها، وقد أكد مخرجها أن العرض (تشيس) اعتمد على خلاصة ورشة عمل وأفكار ومقترحات كثيرة، فاستطاع أن يخرج بأسلوب فني له بصمته ولونه. فلكل شخصية مونولوج على حدة، أبدع في تصوير عوالم كل شخصية بمعزل عن الأخرى، لكن كل انفعالاتها تمحورت حول هدف واحد،وهو تصوير التعدد والاختلاف لطرائق تفاعل الناس وشكل تقبلها لظروفها، ثم تصاعد أحاسيسها في إطار هذا التفاعل مع مشاكلها، وهي مسلوبة الإرادة،إذ تتحرك كل شخصية على مربع الشطرنج والمحدد لها، وقد ركز العرض على كل نموذج، وكيفية تعاطيه، ووفق عالمه الداخلي، ليعكس بدقة الظروف التي عاشها، مظهرا المعضلات الحياتية وصعوبتها والمشاكل،كما التأثيرات المختلفة. فكان البوح المتعدد خلاصة لتجارب حياتية ومصارحات ماقبل النهاية، لتكون في قمة الصدق والمكاشفة، كي تعرض التجارب من خلال الرؤيا المتعددة والمختلفة، وقد أغنت آليات المعالجة (ورشة العمل)الفكرة، وذلك لتنوع المقترحات وطبيعة هذه الآلية الفنية بحد ذاتها،إذ تحقق تلقائيا شروطا مسرحية،تحمل بين سطورها الحيوية و الرهنية والواقعية، وذلك بحكم شروطها وأدواتها الخاصة.