2013/05/29
ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد عن لوموند ديبلوماتيك
كان بعض الممثلين والمخرجين الأمريكيين من الذين كانوا يتمتعون بشعبية كبيرة في فترة مابين الحربين العالميتين يضيفون إلى تعلقهم بقيمهم التقليدية ميولاً تقدمية واضحة، والشاهد على ذلك الاتجاه السينمائي«جون فورد».
لقد كان الانتماء إلى اليسار أو إظهار بعض الميول إلى الحزب الشيوعي في ثلاثينيات القرن الماضي يولد أثراً مستحباً في بعض دوائر لوس أنجلوس، وفي النهاية كان من نتائج الانتقال إلى السينما الناطقة قدوم كثيف لبعض الكتاب القادمين من الساحل الشرقي والمتحدرين بشكل عام من المهاجرين الأوروبيين ثم أيضاً مجيء أوروبيين هاربين من النازية.
هذه الميول شكلت مصدر قلق بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي وصل به الأمر إلى حد وضع ملف للمخرج جون فورد، قد يبدو هذا غريباً في نظر أولئك الذين يرون فيه سينمائياً رجعياً إذا ماتذكروا الأفلام التي أخرجها هذا الأمريكي الايرلندي بعد الحرب العالمية الثانية ولهجتها الاحترابية، وماأثار الاهتمام وقتها هو نشوء جمعية للمخرجين السينمائيين عام 1935، كان فورد السينمائي المشهور من مؤسسيها علماً أن أياً من النجاحات التي حققها في العقدين الأوليين من القرن العشرين لم تنم عن أدنى ميول اجتماعية، لابل نجد فيها بالأحرى ايديولوجية «وسط أمريكا» التي كانت تحتفي بالفضائل الرجولية الريفية في وجه ماسمي في القرن التاسع عشر«الرعونة الأنثوية في العاصمة» في أزمة العام 1929 خسر فورد بعض المال لكنه استمر في العمل وفي كسب معيشته ثم جاءت الظروف القاهرة التي راحت تضغط على هوليوود بثقل أكبر، فراح فورد ينتقد انتاجاً لم يعد موجهاً إلا إلى الربحية وهاهو يتحول راديكالياً لكن لم يصل به الأمر حد الظهور وفي كانون الأول 1935 استقبل المخرج كينغ فيدور أحد أكبر الأسماء في السينما في عشريينيات وثلاثينيات القرن الماضي بعض الأصدقاء ومن ضمنهم فورد وتم خلال تلك الفترة إنشاء جمعية المخرجين السينمائيين وقد اختير فورد رئيساً لها، لكن هذه المبادرة لم تلق ترحيباً من أصحاب الاستديوهات.
لقد كانت تلك الفترة مطبوعة بالانهيار الاقتصادي الكبير، ففي شتى أنحاء البلاد بدا أرباب العمل عدائيين تجاه النقابات وسعوا إلى إعادة النظر في المكتسبات الاجتماعية، ولم تكن هوليوود بمنأى عن ذلك، ففي آذار من عام 1934 قررت جمعية منتجي الأفلام وبالتوازي مع أكاديمية «موشن بيكتشور» تخفيض الأجور بنسبة وصلت إلى 50٪ فاحتجت النقابات وتوقف التقنيون عن العمل لم تطل فترة الصراع وجاءت لصالح المضربين، وقد اعتبرت جمعيتهم التي تشكلت بعد رابطة الممثلين ورابطة كتاب السيناريو أقل يسارية من سابقاتها ومع ذلك أزعجت أرباب الشركات الكبرى الذين اتهموها بأنها تستوحي مواقفها من الشيوعيين.
شارك فورد في البداية بحماسة كبيرة في جمعية المخرجين السينمائيين وأعلن تضامنه مع كل موظفي الاستديوهات وندد بالبطالة التي اكتسحت عالم السينما، هاجم المصارف التي هي في نظره تمسك خيوط اللعبة وراء«المغول» الهوليوديين وتدير الأزمة حتى تخفض الأجور إلى المستوى الذي كانت عليه في العام 1910.
وفي العام 1935 بدأ مرحلة الالتزام السياسي، القصيرة لكن الفعلية في كل الأوقات كان فورد مدفوعاً بكراهية واضحة«للنخبة الحاكمة» وزاد عليها تأثير كاتبي السيناريو اللذين يعمل معهما، دادلي نيكولز وفيليب ديون التقدميين صراحة، إضافة إلى حواراته مع الممثل ويل روجزر، القادم من العمق الأمريكي والمدافع عن مواقف سياسية غريبة، روجزر هذا التهكمي والناقد لتحولات الحياة الأمريكية في السينما كما في الحياة العامة، ومن ضمن هذا الخط، كان لدى روجزر حس شعبي جيد، ويبشرباحترام التقاليد والقيم الأخلاقية البسيطة، ويستنكر للسياسة عندما تبتعد عن المواطنين ويرفض التزمت ويبدي تعطشاً كبيراً للعدالة الاجتماعية وقد أعطاه فورد الدور الرئيسي في ثلاثة من أفلامه.
judge priest 1934, Doctor Bull1933, Steam boat Round The bend1935وهي خليط من الدراما والكوميديا كان من الظلم ما لحقهما من نسيان في السنة التالية اقتبس للسينما رواية الواشي.
وفيما بعد أخرج فيلم«ثورة في دبلن» وما بين العامين 1935 و1941 عرف انتصارات فنية مع مجموعة من الأفلام :Le chevachee Fantastique
Ners Sa les raisins de la colere
وفي الفيلم الأول واسمه:Stage coach وفي نسخته الأصلية استرسل فورد في عملية نقد اجتماعية لاذعة خصوصاً مع تصوير كاريكاتوري جميل للمصرفي المحتال، وهو يقضي في الوقت نفسه بكل خفة على الهنود وفي الفيلم الثاني young mr lincolin احتفى بمثل التسامح وبشخص لنكولن وفي الثالث المقتبس عن الرواية الشهيرة لـجون شتاينبك، ندد بالظلم الاجتماعي وفي الأخير مجد الطبقة العمالية عبر عمال المناجم.
لم يظهر التزام فورد تجاه العمال والديمقراطية فقط في أفلامه، ففي العام 1936 وإذ عارض دعم الكنيسة للانتفاضة العسكرية لليمين المتطرف ضد الحكومة الاسبانية الشرعية شارك في تأسيس رابطة فناني السينما من أجل مساعدة إسبانيا الجمهورية.
عندما قدم إلى هوليوود آرنست همنغواي واضع النصوص حول «أرض إسبانيا» وهبه فورد سيارة اسعاف، ظل همنغواي على علاقة بالمراسلة مع ابنه بوب فورد الذي سافر عبر الأطلسي لينضم إلى الفرق الدولية اليسارية وفي العام 1938 انتخب فورد نائب رئيس اللجنة الديمقراطية للسينما والتي أسست للنضال ضد الفاشية والعنصرية، ولدعم حركة الحقوق المدنية.
كان العصر في طريقه للتغيير- حيث سرت الحياة مجدداً في أعصاب اليمين المحافظ، وكانت قد تشكلت مؤخراً لجنة النشاطات المناهضة لأمريكا وكانت الحرب على الأبواب، وقد التزم بها فورد كلياً، لأنه ضد الفاشية ثم من باب الشعور الوطني. وفي عام 1944 عبر عن عدائية شديدة للشيوعية وهكذا أدار ظهره لأصدقاء الثلاثينيات.