2012/07/04
محمد أمين – الوطن السورية
في حوار معه نشر في عام 2007 تساءل الفنان فايز قزق بحرقة عن الأسباب الحقيقية لغياب المسرح السوري «لماذا قضي على المسرح السوري ونحن رائدون؟» ولم ينف قزق فرضية وجود قرار في وزارة الثقافة لتغييب المسرح عن المواجهة الثقافية لأنه يشكل وعي الفرد والجماعة ويرتقي بهما وطالب قزق في ذاك الحوار أن يسأل الشعب السوري «أين ذهب مسرحنا؟» وقد عبّر قزق وقتها وفي مناسبات إعلامية أخرى كما عبّر معه مسرحيون سوريون معروفون كالفنانين غسان مسعود وجهاد سعد عن وجع مقيم داخل الفنانين المسرحيين في سورية وخاصة الشباب منهم الذين تخرجوا في المعهد العالي للفنون المسرحية فما وجدوا سبيلاً حقيقياً إلى خشبات المسارح فاضطروا للتوجه إلى الدراما التلفزيونية ودراما الدوبلاج ومنهم من هجر الفن وأهله لاعناً ساعة آمن فيها بأنه قد يكون خياره الحقيقي والأصيل.
إذاً يجمع المسرحيون في سورية على اختلاف رؤاهم على أن المسرح يعاني أزمة عميقة طالت كل مفاصله وهي بالتأكيد ليست وليدة ما يجري الآن في سورية بل هي أزمة بدأت فصولها منذ عقدين من الزمان وقد تفاعلت حتى تجذرت في المشهد المسرحي السوري الذي يعتبر أعرق المشاهد المسرحية العربية فعمره يزيد على 140 عاماً حيث تؤكد المصادر التاريخية أن أول مسرحية سورية (الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح) ولدت في عام 1871 على يد أبي خليل القباني الذي أعقبها بعشرات المسرحيات الأخرى ومنذ ذاك التاريخ لم تتوقف حركة المسرح في سورية تتصاعد حيناً وتضعف أحايين أخرى تبعاً للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مرت بها البلاد على مدى القرن العشرين. وقد تابع اسكندر فرح (1851- 1916) وهو أحد تلاميذ القباني النجباء مسيرة أستاذه حيث أسس فرقة مسرحية في مطالع القرن الفائت قدمت عشرات المسرحيات (شهداء الغرام، صلاح الدين، مملكة أورشليم، مطامع النساء..) لتبدأ بعد ذلك الفرق المسرحية بالتوالد في دمشق ومدن سورية أخرى وبدأ المسرح يفرض نفسه في المشهد الثقافي السوري حيث كان في تلك العقود الخوالي يتسيّد الساحة ولم يكن لديه منافس وقد ظهر في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات العديد من المسرحيين السوريين الذين تركوا بصمة لا تُنسى وكانوا رواداً وسط ظروف اجتماعية صعبة ودفع مضاد من طبقات اجتماعية لم تكن ترى في ذاك الوقت ضرورة في مسرحة الحياة ولكن أسماء من قبيل عبد اللطيف فتحي وسعد الدين بقدونس، والأخوين قنوع وسواهم كان لهم رأي آخر وعندما بدأ الوعي تتفتح أزاهيره ازدهر المسرح السوري ولعل تجربة مسرح الشوك للفنانين عمر حجو ودريد لحام وأحمد قبلاوي كانت تتويجاً لذلك لتبدأ بعد ذلك المرحلة الأغنى والأخصب والأعمق في مسيرة المسرح السوري عندما تعاون الشاعر الراحل محمد الماغوط مع دريد لحام ونهاد قلعي وقدموا أشهر المسرحيات في تاريخ المسرح السوري (غربة)، كأسك يا وطن، ضيعة تشرين)، مسرحيات نقلت السياسة والهموم الاجتماعية الحقيقية للمواطن العربي إلى خشبات المسرح. مسرحيات لم يكن ينقصها التشويق والكوميديا السوداء، وفي عقد الثمانينيات بدأ المعهد العالي للفنون المسرحية يرفد الحركة المسرحية السورية بالعديد من المواهب الجادة التي كانت تتوقف للشقاء في نعيم المسرح يدفعهم إلى ذلك كتاب ومخرجون كان المسرح هاجسهم وكانوا يرون فيه وسيلة تنوير وتثوير وتغيير أمثال الراحلين سعد الله ونوس، وفواز الساجر وممدوح عدوان إضافة إلى فرحان بلبل وجواد الأسدي ورياض عصمت وأسعد فضة وجهاد وسواهم ولكن عقد التسعينيات حمل للمسرح أخباراً غير سارة حيث بدأت ما تسمى ثورة الاتصال الفضائي وبدأت المحطات التلفزيونية تظهر والتي لم تكن معنية بالمسرح على الإطلاق فبدأت تشجع الدراما التلفزيونية فأغرت العديد من المسرحيين الذين فضلوا نعيم الشقاوة على شقاوة النعيم. ولم تحاول وزارة الثقافة إيقاف نزيف المسرح وتركته يحتضر شيئاً فشيئاً وكانت تحقنه بين فترة وأخرى بإبر مسرحية لكي تبقيه على قيد الحياة وعلى قيد قوانين بُليت ولولا وجود بعض المسرحيين الذين رفضوا ترك أبي الفنون لمصيره لمات المسرح في سورية حيث ظهر في السنوات الأخيرة العديد من الفنانين والكتّاب الذين صمموا على السير قدماً متحدين ظروفاً صعبة أمثال الفنان عبد المنعم عمايري الذي قدم تجارب مسرحية كان لها صدى واسع ليس في سورية فحسب بل في العالم العربي ونوار بلبل ورامز الأسود اللذين جالا العالم بمسرحهما، ورغداء الشعراني ونضال سيجري وحكيم مرزوقي صاحب نظرية (كيفما تكونوا يمسرح عليكم) كما حافظ عدد من المسرحيين المخضرمين على علاقتهم بالمسرح ولم يفارقوه أمثال الفنان جهاد سعد والفنان غسان مسعود وزيناتي قدسية وفايز قزق وسواهم.
يُفترض أن تكون المرحلة القادمة مرحلة العودة إلى الجذور حيث يتوقع ويتمنى كثيرون أن يستعيد المسرح سطوته الفكرية وهيبته وخاصة أن مزاجاً جديداً بدأت تتبلور ملامحه مزاجاً لديه جنوح ورغبة في قطيعة شبه كاملة مع مرحلة اضمحل فيها دور المسرح ودور السينما وطغى عليها خطاب سطحي لم يسهم إطلاقاً بالارتقاء بالوعي الفردي والجمعي إلا بنطاق محدود وربما هذا النطاق كان أبطاله القادمين من المسرح حيث حاول هؤلاء مسرحة الدراما التلفزيونية – إذا جاز التعبير- لإعطائها عمقاً ما لم تكن الظروف مهيأة لتقديمه على منبره الأصيل (المسرح).
لقد قدم مسرحيون سوريون لهم تجارب حلولاً لإصلاح مسيرة المسرح السوري يأتي في مقدمتها سن قوانين جديدة تتيح له فضاء أرحب يتحرك خلاله وزيادة الميزانيات ولسان حال هؤلاء المسرحيين يقول: «أعطني مالاً أعطك مسرحاً حقيقياً» وأن يتم الاهتمام بالمسرح في كل المحافظات وألا يبقى الأمر محصوراً بالعاصمة فقط واختيار الإداريين الأكفياء الذين يمتلكون مشروعاً وطموحاً ورغبة حقيقية في عودة الروح للمسرح. المسرحيون الأوائل لم يشترطوا أن يقضي المسرح عمره وهو يشقى في النعيم.