2012/07/04
عمر محمد جمعة - البعث
تبدو مقاربة مشكلات المرأة وهمومها كمكوّن أساسي من مكوّنات المجتمع، ولاسيما في الدراما ونظيرتها المكتوبة الأقرب أي القصة أو الرواية، ضرباً من ضروب الاعتياد والمتوقع، طالما هناك اتهام أزلي بهيمنة الذكورية الشرقية، وهي الإدانة التي حامت حولها مسلسلاتنا في مقولتها العريضة وتفصيلاتها الأدق، خصوصاً تلك التي كان محورها العائلة أو الدائرة الضيّقة التي تحيط بعوالم الفتيات المراهقات ونظرتهن وقناعاتهن الأصيلة أو المستجدة المكتسبة كتحوّل حتميّ في سيرورة الانفتاح على الآخر وتبني ثقافته ورؤاه.
فقد ارتكزت الدراما السورية في كلاسيكياتها مثلاً على الظلم والاضطهاد الذي عانت منه المرأة طويلاً، إضافة إلى التهميش والتجهيل والحرمان من الاختلاط والتعليم كرافعة لنجاح تلك الأعمال والتحريض على تلقيها. وللتذكير فقط يمكن أن نتوقف عند مسلسل "أوراق امرأة" الذي كتبته هدى الزين وأخرجته أنيسة عساف ويروي حكاية طالبة الثانوية ندى الذي يخطفها من فيض أحلامها العريس الطبيب العائد من أوروبا ليصادر كل أحلامها وتكتشف ازدواجية الرجل الشرقي الذي ينادي في تنظيراته بأن تأخذ المرأة دورها، فيما لا يرى من دور لزوجته إلا في المطبخ أو تربية الأولاد أو حتى كقطعة من أثاث البيت. ومسلسل "نساء بلا أجنحة" الذي كتبه رفيق الصبان ومأمون البني وأخرجه البني، وفيه أيضاً كشفٌ للجانب السلبي في العلاقة اللامتوازنة بين المرأة والرجل والأثر النفسي الذي تتركه تلك العلاقة الملتبسة على المرأة، وفي المستوى ذاته يأتي مسلسلا المخرج الراحل شكيب غنام "الأجنحة" و"فوزية"، حيث نلمس في الأول التحدي والقهر والإلغاء الذي يمارس ضد المرأة، وفي الثاني تمرّد شخصيّة فوزية التي تزوجت صغيرة بسبب طلاق أبيها وأمها وصولاً إلى التهديد بهروبها إن تزوج زوجها امرأة أخرى غيرها!!.
ولئن تحرّرت الأعمال الدرامية المنتجة خلال السنوات الأخيرة من تلك المقولات، التي أضاءت على العقليات المنغلقة المستبدة إلى حدّ ما، إلا أن حضور المرأة ظل طاغياً حتى في المسلسلات التي نزعم أنها قاربت ما تعانيه فتيات اليوم على نحو مختلف ومغاير. ولعلّ المثال الأوضح ظهر في مسلسل "صبايا" بأجزائه كافة ويماثله كما نعتقد "بنات العيلة" المتوقع عرضه خلال رمضان القادم، فكما عايشنا يوميات: ميديا ولبنى ونور وسميحة في صبايا، تعيدنا الكاتبة رانيا بيطار والمخرجة رشا شربتجي إلى العوالم ذاتها عبر شخصيات: ميرفت، وسارة، وعليا، وميرا، ورنا، وعلا.. محور "بنات العيلة" الذي يحكي قصة بنات جمعتهن عائلة واحدة وفرقتهن الدنيا بدروبها الكثيرة، حيث حاكت كل بنت قصتها الممزوجة بالبساطة والعمق من البسمة والضحكة والرومانسية والحب، إلى جانب تفاصيل من حالات متداخلة مثل الشقاوة والغموض مروراً بالمعاناة والانكسار.
على أن مكمن الخطورة كما سنلاحظ هو أن رشا شربتجي قد اعتمدت تقريباً الأسماء ذاتها التي رأيناها في "صبايا" مثل: نسرين طافش، وديمة قندلفت، وقمر خلف، وديمة الجندي، وكندة حنا، إذ تؤدي الفنانة نسرين طافش دور "سارة" وهي مقدمة برنامج إذاعي مرتقب وجماهيري، فيما تجسّد الفنانة كندة علوش شخصيّة "عالية" وهي امرأة جدية تعمل كرئيسة تحرير لإحدى المجلات وتدافع عن قضايا المرأة. بينما ستظهر الفنانة كندة حنا بدور طبيبة تعمل في إحدى المستشفيات، ونتعرف على الفنانة هويدا في شخصية "ميرا" وهي مطربة صاعدة تسعى للنجومية. فيما سنرى الفنانة صفاء سلطان بدور فتاة مسترجلة مع أنها صاحبة صالون تجميل. لكنّ لقاءها برجل أعمال مصري يغيّر حياتها، حيث تقع في غرامه ويشعرها بأنوثتها كامرأة جميلة، وبعد أن تتزوجه وتعد نفسها بالسعادة معه، تصدم بمعرفة أنه أب لأبناء شباب من امرأة أخرى.
أما جيني إسبر فتؤدي دور "صبا" الطبيبة التي تعمل في مشفى للأطفال، وهي امرأة مطلّقة وتعيش مع ابنتها في منزل عائلة زوجها الذي يعيش في الغربة، وتشارك قمر خلف بالعمل بدور "علا" التي تعمل مضيفة طيران وهي إحدى أفراد العيلة، تعاني من انفصال والديها في صغرها. وتدافع عن أفكارها بشراسة بغض النظر عما إن كانت الفكرة صحيحة أو خاطئة. بينما سنرى الفنانة القديرة مها المصري بدور "صباح" الأم التي لديها ثلاث بنات وزوجها متوفى تشقى لتعليم بناتها وتجعل منهن طبيبة ومذيعة وأخرى كاتبة، امرأة مقربة من العائلة وتراقب المشكلات أولاً بأول، إلى أن تصبح هي عرضة لتلك المشكلات، ويقع على عاتقها حلها والبحث عما يمكن أن يبعد آثار تلك الإشكالات عن الجميع.
إذاً.. وبالعنوان العريض نستنتج أن "بنات العيلة" يتطرّق كما سبقه من مسلسلات وخاصة "صبايا" لمشكلات النساء في المجتمع، ونظرة الناس إلى المطلقة مهما كان موقعها الاجتماعي، وكيف تتعرض لمضايقات وإزعاجات الآخرين. كما يعرض للعلاقة بين الأديان وتعايشها مع بعضها عبر شخصية ديمة قندلفت "ريتا" الفتاة المسيحية التي تتزوج شاباً مسلماً.
وبالعودة إلى التحدي الذي ستواجهه المخرجة رشا شربتجي، فإنه يرتكز كما نعتقد على اختراق وعي وذاكرة المشاهد وتحريره من القناعات الجاهزة، كي لا يقع في مأزق المقارنة بين "صبايا" و"بنات العيلة".. وهو ما يستوجب أن تزن عملها بميزان من ذهب، كي لا يكون استنساخاً لأعمال ومقولات سابقة. غير أننا ندرك أن مخرجة "غزلان في غابة الذئاب" و"زمن العار" و"الولادة من الخاصرة" وسواها، تعي حقيقة أن المواجهة بين "صبايا" و"بنات العيلة" من حيث الموضوع، والأسماء المشاركة في العملين ستكون مواجهة صعبة؟!.