2013/05/29
روزالين الجندي – البعث
عملت دراما السيرة الذاتية منذ بداياتها على اختيار أسماء مشرقة من تاريخنا القريب والبعيد في مجالات الفن والأدب والفكر وغيرها من المجالات، لتكون مادة دسمة لها في نتاجاتها كل عام، وهكذا حظيت قائمة هذا النوع الدرامي بأعمال لا تزال حاضرة في ذاكرة المشاهدين، كـ "الأيام" عن طه حسين، الملك فاروق، أم كلثوم ، أسمهان ، نزار قباني ، وغيرها من الأعمال التي تفاوتت في مستوى نجاحها، وسويتها الفنية كالشحرورة عن الفنانة صباح، وفي حضرة الغياب عن الشاعر محمود درويش، وهذا العام تحية كاريوكا، وغيرها الكثير، لكن المدقق في كل هذه الأعمال يجدها تتناول مسيرة أشخاص لطالما عرفهم المشاهد، أو سمع عنهم، لكن ما لفتني من أعمال السيرة الذاتية هو عمل يعرض حالياً على نايل دراما بعنوان "رجل من هذا الزمان"، وهو من إنتاج الموسم الماضي للمخرجة إنعام محمد علي، والكاتب محمد السيد عيد، ومن بطولة أحمد شاكر عبد اللطيف، هنا شيحا، منال سلامة، أحمد خليل، شريف خير الله، وإبراهيم يسري، وآخرين.
يتناول العمل قصة عالم الرياضيات المصري علي مصطفى مشرفة، وهو أول عمل يقدم عن عالم مصري وعربي كان له دور مميز في الأبحاث العلمية التي ساهمت بتطوير علمي الرياضيات والعلوم، حيث قدم أبحاثاً هامة في المجال الكهربائي والمغناطيسي، وأبحاثاً لها علاقة بتفتيت الذرة، كما كان له دور كبير بنهضة العلوم في مصر عن طريق تأسيسه لجمعية العلوم وجمعية الرياضة (الرياضيات )في مصر .
لقد استطاعت المخرجة إنعام محمد علي، والكاتب محمد السيد عيد من خلال رصد قصة كفاح هذا العالم الكبير الذي لم نسمع باسمه من قبل -لاعتبارات كثيرة تتعلق بجهلنا الكبير بتاريخنا العربي، وبأكثر الأسماء الفاعلة فيه التي ساهمت بنهضتنا الفكرية في القرن العشرين-أن ينقلا لنا بكل رشاقة حياة هذا العالم بمختلف جوانبها الإنسانية، حيث تعرفنا على عائلته المؤلفة من ثلاثة إخوة أشقاء وشقيقة واحدة، استطاع أن يتحمل مسؤوليتهم جميعاً ويوصلهم إلى أعلى المراتب العلمية رغم وفاة والديه المبكرة جداً، كما استطاعت أن تعرفنا على ميوله السياسية، ومساهماته العلمية الكبيرة، وكذلك علاقاته بكبار الشخصيات في تلك الفترة من زمن النحاس باشا، وطه حسين، وعبد الوهاب وغيرهم .
كما تعرفنا على الحراك السياسي الدائر في تلك الفترة في المجتمع المصري أيام حكم الملك فؤاد، ومن ثم ابنه الملك فاروق، وكيف أرخى الانتداب الانكليزي بثقله على تطور المجتمع المصري في ذلك العصر من عام 1923 وحتى عام 1950، أي على مدى 27 عاماً .. حياة زاخرة بالصراعات والنضال عاشها العالم المصري، ما بين إصراره على الاستمرار في أبحاثه العلمية الهامة، وما بين الواقع السياسي والعلمي غير الناضج في مصر آنذاك.
في "رجل من هذا الزمان"، لم نقع على تفصيلة غير موظفة بشكل صحيح من الناحية الإخراجية بما فيها الديكور والأزياء، والاشتغال على جميع الممثلين بما فيهم أصحاب الأدوار الثانوية، كذلك الإضاءة والماكياج وحركة الكاميرا وغيرها من مقومات نجاح العمل الفني .
لقد تابعنا وعلى غير ما بتنا نشاهده مؤخراً من أعمال السيرة الذاتية من استسهال في رصد التفاصيل، عملاً مطرزاً بكاميرا هادئة حاكت روح العصر الذي تتناوله بكل دقة وأمانة، وهذا غير غريب عن المخرجة إنعام محمد علي التي قدمت للدراما المصرية الكثير من دراما السيرة الذاتية المميزة كأم كلثوم وقاسم أمين، بالإضافة إلى عدد كبير من الأعمال الدرامية المتنوعة، وإلى أن نلتفت في درامانا السورية إلى علماء سوريين كان لهم دور مواز في مسيرة العلم العالمية، سنظل نتابع الدراما المصرية، وعيوننا مفتوحة على الدراما السورية وخياراتها في دراما السيرة الذاتية.