2013/05/29

هل تحوّلت الدراما التلفزيونية إلى صورة مقلوبة للمجتمع؟
هل تحوّلت الدراما التلفزيونية إلى صورة مقلوبة للمجتمع؟


لؤي ماجد سلمان – تشرين

لم تستطع الدراما السورية منذ بدايتها إلى اليوم الخروج عن النمط والتكرار، ففي بعض الشخصيات التي تختارها في أعمالها الدرامية، من الأبيض والأسود،

حتى هذه الساعة بقي  الموظف يوحي إلينا بقدراته البسيطة وسذاجته، أو تسلطه وانتهازيته، وفي أحسن الأحوال كان يجمع بين الانتهازية والسذاجة.. في المقابل حرصت الدراما التلفزيونية على تلميع صورة المجرم، أو صاحب المشكلات وتزيينه بصفات أقلها خفيف الدم، الحاذق الذي بإمكانه تدويخ أجهزة الدولة، الرجل الذي لا يقبل الخطأ ويحاول تطبيق العدالة حسب وجهة نظره، فشخصية «أبو كلبشة» التي قدمها الفنان عبد اللطيف فتحي في دور رئيس مخفر «حارة كل من أيدو ألو» رغم ادعائه أنه شارك في حروب عالمية و«دوّخ موسوليني» كان «غوار الطوشة»-الفنان دريد لحام يسقيه المقالب بكل بساطة وعلى مدار ساعات العرض التلفزيونية.. كذلك شخصية- «أبوفهمي»- فهد كعيكاتي التي اشتهرت بالفطنة والحذاقه، وكيل المقالب للغير، إلا أنه عندما لبس بدلة «أبو كلبشة» وقع في براثن السذاجة.

أيضاً من شاهد مسلسل «ضيعة ضايعة» يذكر الشخصيتين المحببتين على قلوب من تابعوا هذا العمل الدرامي بجزئيه «المساعد أبو نادر رئيس المخفر» – الفنان جرجس جبارة و مساعده «الشرطي حسان» - الفنان حسين عباس اللذين كانا يعدّان العين الساهرة على قرية «أم الطنافس» لكنهما تحوّلا بفعل السيناريو إلى شخصيات كرتونية همها الحصول على البيض المقلي، كشخصية «كركور» في برنامج الأطفال الشهير «افتح يا سمسم» والذي كان همه أكل البسكويت، فمن خلال متابعة الحلقات الكل بات يعرف حلم «أبو نادر» في حدوث ولو جريمة واحدة ليتسنى له إظهار براعته في القبض على الجانحين واستعراض حسه البوليسي، لكن الدراما أسرته لأكثر من عشرة أعمال في شخصية رئيس المخفر، منها سلسلة «عائلة النجوم» للمخرج هشام شربتجي، أو الحارس «أبو الفوارس» في «باب الحارة»، إلا أنه وفي كل مرة كان يسير وفق السيناريو، ولا يستطيع الخروج عن النص المكتوب لشخصيته الساذجة التي لم تستطع اكتشاف من كان يسرق دكان «صالح» في «ضيعة ضايعة» حتى أنه لم يكن يحسن الوصول إلى مكان الجريمة إلا بمساعدة «الفسّاد» كاتب التقارير الشفهية «عويدل» بينما كان «أبو شملة»- الفنان محمد حداقي المهرّب والمجرم فطناً ذكياً، شهماً وصاحب نفوذ، يخافه أهل قريته، وأهالي القرى المجاورة، يحل ويربط، فيزوج «سلنكو»- الفنان فادي صبيح من «عفوفة»- الفنانة رواد عليو، فيما يمنع «جودة» – باسم ياخور من ضرب زوجته، ليقف «أبو شملة» ك «روبن هود» سوري، بجانب الضعيف «أسعد» الفنان نضال سيجري فينصفه من جشع سارق دجاجاته.

شخصيات كثيرة حاولت الدراما من خلالها إدانة الموظف، لتجسد من خلال شخصيته الجهل والفساد وفي أحسن الأحوال الانتهازية والتعسف، بينما حاولت تلميع صورة المارق والمهرّب واللص عبر إظهاره بصورة محببة للمشاهد، كما حرصت هذه الدراما من خلال ما يسمى «مسلسلات البيئة» على تلميع صورة «العكيد» بخنجرٍ على خصره وشوارب مفتولة ونبرة صوت غوغائية، على حساب سلطة كانت في مراحل تاريخية معينة متواطئة مع المستعمر كشخصية «أبو جودت» -الفنان زهير رمضان في «باب الحارة» وكأن السلطات المتعاقبة والمتمثلة بالداخلية أو الخارجية، حتى المخافر ، كلها في كفة واحدة حتى بقية الوزارات غير الأمنية، كما قدم مسلسل «يوميات مدير عام» بجزأيه الأول والثاني ما يقارب ستين حلقة عن الفساد الوظيفي والرشوة التي تنخر كل المديريات التابعة للدكتور «أحمد عبد الحق» لتظهر الموظف البيروقراطي غبياً، والمسؤول متنفذاً فاسداً، فيما أبعدت صورة رجل الأعمال العصامي عن عيون المشاهدين، ليحل محلها التاجر الثري الذي يعتمد في نجاح تجارته على الرشوة والفساد.

في كل الأعمال باستثناء أعمال «البيئة الشامية» التي جعلت من تجار الحارة متكافلين متضامنين في الخير دون الشر، كان عالم التجارة لا يقوم إلا على الفساد والصراعات والرشوة، فكل من شخصيات الموظف، التاجر، رجل الأعمال، المدرس» كانت شخصيات لم تستطع الهروب من عداوة الدراما وكأنه اتفاق ضمني بين صناع هذه الدراما وجهات الإنتاج لمصلحة الزعامات الفردية والمناطقية، فلماذا لم تحاول الدراما تقديم الصورة الموضوعية عن الموظف وإبرازه بشخصية قوية وأمينة، ذكية همها السهر على راحة المواطن بتجرد من أجل المصلحة العامة، فتدأب على تشويه الحقيقة بتفاصيل موجودة لكنها ليست كل الحقيقة، أو تطرح جزءاً من الواقع مقابل تغييب جزء أهم وأكبر، ولا ينطبق على كل المجتمع، بدءاً بالرشوة والفساد والتعذيب والقتل والتعالي، وانتهاء بالانتهاكات! لماذا كل هذا الحرص من الأعمال الدرامية على تلميع صورة «العكيد» البلطجي «على نحو» معتز، عجاج، أبو عصام والزعيم، أبو النار، في حين تصر على تشويه كل طرح مديني وحضاري؟ لماذا فعلاً هذا التمسك بحملة الخناجر وزعرانها في حين يتم تزييف تاريخ المدن على أنها حارات مغلقة؟