2016/06/22
أسئلة كثيرة تدور في أذهان متابعي «أحمر» بعد عرض قرابة نصف حلقاته، بينما أصبحت كثرة الفلاشات موضع تنّدر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين المشاهدين، الذين تعذّر عليهم فهم أحداثه.
لكن هل المشكلة حقاً بتقنية الكتابة التي انتهجها علي وجيه ويامن الحجلي، وتعتمد بصورة أساسية على الذهاب بعيداً في التنقل بين مستويات زمنية عدة؟! وجهة نظر قد تبدو قابلةً للنقاش، ما لم نشاهد المسلسل المصري «أفراح القبّة» الذي يحصد نجاحاً متزايداً، ونصّه مبنيٌّ تقريباً وفقاً للتقنية الزمنية ذاتها.
ما المشكلة إذاً في «أحمر» (إنتاج «سما الفن»، وإخراج جود سعيد)؟ ولماذا يبدو تائهاً في الزمن من دون أن نتلمّس توصيفاً واضحاً لشخصيّاته الكثيرة؟
14 حلقة عرضت من المسلسل، ولا نجد أنفسنا إلّا أمام حدثِ وحيد، هو مقتل القاضي خالد العبد الله (عبّاس النوري)، وتداخل تحقيقين صحافي وجنائي للكشف عن ملابساته. الأوّل تمضي فيه الصحافية «سماح» (سلاف فواخرجي) وحيدةً تقريباً، والثاني يقوده صديق القتيل «حليم» (رفيق علي أحمد)، والضابط الشاب شرس الطباع «عاصي» (يامن الحجلي). عدا ذلك، ليس أمام المشاهد الذي يغريه غموض «أحمر» سوى الاستسلام لفكرة الدوران في «خلّاط» خلال 45 دقيقة يومياً، لتعبر أمام عينيه شخصيات، وأزمنة، وألوان، وحوارات يبدو حل طلاسمها مستعصياً.
سنتخطّى الخوض في تفاصيل الفضاء المكاني للشخصيّات، وانتفاء صفة الواقعية عن ملامحه في معظم الأحيان، كالحارة التائهة بين حارات دمشق القديمة، أو مناطق السكن العشوائي، أو فرع الأمن الجنائي الذي بدا في العمل أقرب إلى «عصفورية»، والسوريّون يدركون تماماً معنى ما نقول. كذلك، سنحاول إقناع أنفسنا بّأن طبيعة العلاقة بين الصحافية «سماح» وحبيبها المخرج الإذاعي «أدهم/ جود» (عبد المنعم عمايري)؛ يحكمها التهريج حتى في أكثر الأوقات جديّة، وسنتجاهل التبرير الساذج كون شخصية واحدة تحمل اسمين!
لكن ما لا يمكن تجاهله، غياب الاستثمار الدرامي لصفات العديد من الشخصيّات الواضحة على الورق، ومدى تأثيرها في جوهر الحدث، منها «أبو ربحي» (جرجس جبارة) لاعب السيرك السابق، و«هيثم» (لجين إسماعيل) مغسّل الموتى، وزوجته «وعد» (روزينا لاذقاني) التي تتمتع بقدرات خارقة.
أمّا إذا كان الكشف عن سبب وجود تلك الشخوص مؤجلاً لاعتباراتٍ تتعلق بالحبكة، فتاريخها يصعب التقاطه، بين الحوارات الطويلة، التي تجعل المسلسل إذاعياً أكثر من كونه تلفزيونياً، وجزءٌ كبير منها يتم عبر الهاتف، بينما تفتقد المشاهد المصورة رغم جمالية الصورة، إلى الحياة، كما لو أن التصوير تمّ في استوديو.
الإجابة عن تلك التساؤلات، ربما كانت بين يدينا مسبقاً، منذ انطلاقة تحضيرات المسلسل. يومها صرّح جود سعيد لـ «الأخبار» (بتاريخ 1/9/2015) أنّ السبب وراء خوضه التجربة الإخراجية التلفزيونية الأولى «معيشي»، إذ لا يمكن الاتكال على السينما وحدها. وأشار إلى أنّ نص «أحمر»: «لافت، يقترح دراما ذات هوية متأصّلة زمانياً ومكانياً، وشخوصاً جديدة، وبنية تسمح بكثير من الاشتغال الفني». لاحقاً، اعترف عبر فايسبوك بأنّه تعامل مع النص «بشطط»، وأعاد التأكيد على أنّه أجرى تعديلاتٍ كثيرة على السيناريو في لقاءٍ مع قناة «الميادين».
الواضح إذاً أنّ استعلاء جود في التعامل مع صنعة التلفزيون وجمهوره، أضرّ بالمسلسل، وطوال فترة التصوير كنّا نلتقط همساً من الكواليس، شكا فيه العديد من الممثلين أنهّم لا يعلمون ماذا يصورون بالضبط! فالنص الذي بين أيديهم، يختلف عمّا يقومون بتصويره، وانعكس ذلك في أداءاتٍ سيئة لأبطالٍ أساسيين في العمل.
مشاهد كتبت في مواقع التصوير، وأخرى عدلّت بناءً على رؤية المخرج من دون الرجوع للكاتبين، أو ألغيت بسبب ضيق الوقت، الذي استنزفته كثرة أيام التعطيل، وساعات طويلة من الانتظار لتصوير مشهدين أو ثلاثة، وتحاشي تصوير المشاهد الخارجية، فضلاً عن تعديلات أجريت بناء على طلب الممثلة ديمة قندلفت، لم يوافق عليها الكاتبان، ذهبت بشخصيتها إلى اتجاه آخر، من مغنيّة شعبية وصولية إلى مطربة ملائكية تغني البوب والجاز، يقع الجميع في غرامها. كما أضرّت التعديلات بالفاعلية الدرامية للشخصيات المرتبطة بها، كمساعدها «ربحي» (كرم الشعراني)، ووالدتها النجمة السينمائية السابقة المصابة بالزهايمر (تؤدي دورها ضحى الدبس).
مقارنة النص الأصلي، بما شاهدناه من المسلسل حتى الآن، تكشف عن حجم استباحة المخرج وبعض الممثلين لنتاج الكاتبين، وإخفاق ارتجالاتهم في تقديم إضافاتٍ جوهرية تخدم العمل، مع جرعة كوميديا زائدة تفوق الاحتمال أحياناً، أفقدت الشخصيّات ثقلها الدرامي، وغيّبت سماتها النفسية المرسومة بوضوح على الورق، مع إلغاء العديد من المشاهد التي تعتبر مقدّماتٍ لأحداث هامّة، والاكتفاء بتصوير نتائجها، ممّا زاد في غموض المسلسل.
كلّ ذلك اضطر الكاتبين لإعادة تركيب مونتاج «أحمر» قبل عرضه بأيّام، والاستعانة بمشاهد إضافية لسلاف فواخرجي تؤدي فيها دور الراوي الذي لم يكن موجوداً، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وترميم الفجوة الحكائية في العمل. مع ذلك، لم تفلح محاولات الإنقاذ هذه بتدارك أخطاء فادحة تتعلق بضبط الراكورات التي لاحظها بعض المشاهدين بسهولة.
وما زالت عملية إعادة المونتاج مستمرة بالتوازي مع العرض، لتستغرق عملية إنجاز المسلسل قرابة نصف العام، علماً بأنّه تمت الاستعانة بوحدة تصوير ثانية للحاق بالموسم الرمضاني. وبدلاً من أن يكون أحد رهانات الدراما السوريّة هذه السنة، وسط الظروف الإنتاجية والتقنية الجيدّة التي وفرّت له، أصبح «أحمر» نكتة الوسط الفنّي... وإحدى علامات اعتلال هذه الصناعة، واستباحتها بدءاً من النص الذي هو أساس كل شيء، وصولاً إلى جهد كل مَنْ أقدم على هذا المشروع بروح الشراكة.