2012/07/04
فاتن قبيسي - السفير
من يشاهد عبر الشاشة، يشعر أنه نجح الى حد كبير، في نقل البرنامج الأميركي الى المواطن العربي، بنسخته العربية. ولكن من يحضر في الاستديو خلال التصوير، يتأكد أن هذا النجاح لا يتم تحصيله إلا من خلال قناة «أم بي سي».
كل شيء خلال تصوير الحلقة الأخيرة في استديو القناة في زوق مكايل، بدا مدروساً جداً. الديكور والإضاءة يساهمان في إبهار الصورة. فريق عمل كبير وراء الكواليس يلتقط الشاردة والواردة، عمال يباغتوننا على المسرح بين مرور مشترك وآخر، ليغيروا وجهه وديكوره في ثوان، كمن يعمل عبر آلة الكترونية. مدير المسرح، الذي يحكى عن ميول للاستغناء عن مهمته في محطات عدة ـ يستعيد هنا دوره المركزي كضابط إيقاع لجمهور، يواكب وتيرة الحلقة صعوداً وهبوطاً.
كل شيء ينبض في الحلقة. كل تفصيل، مهما صغر، يساهم في تظهير أفضل صورة الى المشاهد. لا غفران هنا لمتسبب بأي هفوة على الهواء. قد يبدو ذلك عادياً في زمن التنافس الفضائي والتطور التقني، وربما بديهياً ايضاً، ولكن ثمة نفَس احترافي عالي وخضرمة مهنية أكثر ما يبلورهما، هو قناة «أم بي سي» في عمل مماثل.
الجميع هنا معنيون في تحقيق النجاح. المتحدث الرسمي باسم القناة الزميل مازن حايك، يقضي معظم وقته وقوفاً يستطلع مراحل الحلقة، وأحوال الجمهور والإعلاميين المستضافين. يجس نبضهم خلال فترات الاستراحة: «شو زهقتوا أو ماشي الحال؟» وشابات قسم العلاقات العامة (ربى، نادين، جويس، وباتريسيا) قلقات بين الفينة والأخرى. يحملن عبوات المياه لبعض الحاضرين تارة، ويستطلعن أحوال الكواليس طوراً.
يتوالى المتسابقون على المسرح، في الحلقة الختامية من البرنامج. تتنوّع مواهبهم ما بين الشعر، والرسم، ورقص «الهيب هوب» والغناء الأوبرالي... وكل منهم تحوّلت «نمرته» الى ما يشبه لوحة فنية خاصة.
ولعل أفضل ما في البرنامج هو أنه «حيّد» نفسه عن المواهب العربية المحصورة بالغناء فقط. فمنذ صغرنا، ونحن نشاهد «استديو الفن» وأشباهه، الذي يُعتبر هواة الغناء «أبطاله» الأساسيين، الى جانب قلة من هواة التقليد والشعر. فيما انحصر برنامجا «ستار أكاديمي» و«سوبر ستار» بالمغنين فقط. كان العالم العربي يحتاج الى أن يكتشف مواهب من نوع آخر. تندرج في إطار الرياضة وألعاب الخفة، وتحريك الدمى، والرقص على أنواعه، وأبرزه «الهيب هوب»، والرسم بالرمل، والغناء الأوبرالي...
ولعلّ ما يثلج القلب هو شعورنا بأن ثمة شباب في مقتبل العمر يمارسون هوايات صعبة، وشاقة، بعيداً عن أدوات اللهو أو الانحراف. والملاحظ ليس فقط أنها هوايات غير منتشرة كثيراً ربما في الوطن العربي، بل أن أصحابها، ورغم صغر سنهم، يمارسونها بشيء من الاحتراف. ولم يقدم لهم البرنامج فرصة الظهور فحسب، بل جعلهم يتحدون أنفسهم، ويكرسون أوقاتهم في التدريب والتمرين، ويحلمون بأن يصبحوا «أبطالاً» مستقبلاً في مجالاتهم.
ولم يكن من السهل على بعض المشاهدين، أن يحصل المصري عمرو قطامش على لقب «نجم العرب» في الحلقة الختامية، عن فئة «الشعر الحلمنتيشي»، الذي تطرق فيه الى مصر في ظل «ثورة 25 يناير». (فيما نالت النتيجة رضى البعض الآخر). لم يكن سهلاً على معجبي شيماء، أو جوزف دحدح، أو زياد عليان، أو فريق Casa Acrobate، الا يرى كل منهم «نجمه» متوجاً في المرتبة الأولى. لم يكن سهلاً أن تنحصر الجائزة بواحد فقط، فيما يتبارى 12 متسابقاً متقاربين في مستوى الأداء. كثيرون كانوا يتمنّون أن يكون هناك خمسة فائزين بالمرتبة الأولى من بين المجموعة. كان مجرد تمنٍ، على أي حال، على أساس أن البرنامج هو ناقل فقط للصيغة المعتمدة في البرنامج ـ الأم. وإن دلّت هذه الرغبة على شيء، فإنها تدلّ على المستوى المتقدم للمتبارين عموماً والرغبة بإنصافهم.
حفل برنامج «Arabs Got Talent» بالكثير في الموسم الأول، عبر «أم بي سي 4». وبعض النظر عن آراء أعضاء لجنة الحكم، الذين كنا نتفق معهم حيناً، ونخالفهم حيناً آخر، الا أن المؤكد هو أن اختيار الأعضاء الثلاثة كان موفقاً في ما يشبه «توليفة» منوعة في التوجه والتقييم، وحتى الطباع. فالإعلامي الأكاديمي علي جابر، الذي يطلّ للمرة الأولى في برنامج تلفزيوني، تميّز بحضور خاص، يتفاوت بين وداعة الملامح والحزم في الآراء. والمطربة نجوى كرم خاضت تجربة جديدة، كانت بحاجة اليها، بدافع التنويع والاختلاف عما قدمته في عالم الغناء. أما عمرو أديب، فأضفت مشاركته روحاً مرحة، كان يحتاجها، المتسابق والمشاهد في آن، لإرخاء وتر الأعصاب المشدودة، على وقع اللعبة التنافسية.
إذن، توّج عمرو قطامش وفاز بجائزة قدرها 500 ألف ريـال سعودي، وسيارة «شيفروليه» (اقتحمت المسرح). كما نال الرسام التشكيلي نور الدين بنوقاص ثاني أعلى نسبة تصويت، وأحمد البايض في مجال ألعاب الخفة ثالث أعلى نسبة تصويت. أُسدلت الستارة على الموسم الأول من البرنامج، فيما سيبدأ في أيار المقبل استقبال المشتركين الجدد في الموسم الثاني. ويبقى السؤال حول مدى صحة نسب التصويت. وهو سؤال وجهته «السفير» الى المتحدث الرسمي باسم القناة ومدير عام العلاقات العامة والشؤون التجارية مازن حايك، الذي أجاب بقوله: «الأمر يتعلق بمصداقية «أم بي سي».. المصداقية التي نحافظ عليها دائماً، ولا يمكن التفريط بها، مهما كانت الأسباب