2012/07/04
علمتُ أنّ ابنتي تزوجت عندما بارك لها قصي خولي على شاشة التلفزيون. رشا شربتجي شخص ميت بالنسبة لي. ما أتقاضاه على العمل الواحد في السعودية لا يتجاوز أجر مخرج منفذ محترم في سورية. كل المخرجين السوريين يعملون الآن بأموال ورغبات خليجية. "ذاكرة الجسد" سبّب لي ألماً لشهور طويلة بعد إيقافه. نص "جرن الشاويش" لا يصلح وقيمة الورق المكتوب عليه أعلى من العمل نفسه. شركات الإنتاج تبحث عن مخرج مطيع ولا يهمّها اسم هشام شربتجي أو غيره. لا يردّ بعض الكتّاب الآن على اتصالاتي. أنا أكثر مخرج تعرّض للشتم في أعماله. الكوميديا هي لعنتي. خاص بوسطة - علي وجيه لا شكّ أن هشام شربتجي واحد من أهم المجددين في الدراما السورية عبر تاريخها. هو «شيخ المخرجين» و«ملك الكوميديا» التي قدّمها بقالب سلس وبسيط في أعمال لا تُنسَى مثل "مرايا"، "عيلة 5 نجوم"، "يوميات مدير عام"، "جميل وهناء"، "أحلام أبو الهنا" وغيرها. حافظ شربتجي على أسلوبه السهل الممتنع في أعماله الدرامية الاجتماعية، فخرجت بنكهة مختلفة، منها: "أسرار المدينة"، "رجال تحت الطربوش" و"رياح الخماسين". هو أول مَن أدخل الكاميرا لمناطق العشوائيات وأحزمة الفقر، ومن أوائل المحذِّرين من مشاكل الدراما السورية واحتمال تراجعها. بعد خلافه الشهير مع ابنته رشا، تراجع فعل شربتجي في الحيّز السوري تدريجياً، واختفى ليظهر في السعودية بأعمال مع شركة «الصدف» التابعة لمجموعة mbc كمسلسل "أقارب وثعالب" ومؤخراً "الماشي". كما أنه أخرج الموسم السادس عشر من السلسلة الشهيرة "طاش ما طاش". هشام شربتجي استقبل «بوسطة» في منزله بصحبة كلبه المخلص «جاكي»، ليتحدّث بصراحته المعهودة وآرائه الواضحة وهوسه بالإلكترونيات وعشقه للطبخ. نبدأ من آخر أعمالك المنجزة، المسلسل السعودي "الماشي" من إنتاج شركة «الصدف» التابعة لمجموعة mbc. ما هي طبيعة العلاقة مع الشركة؟ وما صحّة عقد الاحتكار الذي يربطك بها حتى سنة 2013 لإخراج 10 أعمال؟ تربطني علاقة صداقة متينة بالممثل حسن عسيري منذ أيام عملنا في cbm. هذا ما شجعني في الأساس على التعاون مع الشركة. بدايةً عرضوا عليّ إخراج عمل طويل جداً (سوب أوبرا) مؤلف من حوالي 300 ساعة تلفزيونية، فرفضته لأنه يتطلب إقامة لمدة سنتين في الهند حيث سيتم التصوير. تحوّل العرض إلى إنجاز 10 أعمال قصيرة لصالح mbc بعقد يمتد حتى عام 2011 على ما أعتقد. والمهم أنّ العقد لا يمنعني من العمل لأية جهة أخرى. بمعنى، إذا كنتُ مرتبطاً بعمل لرمضان في الدراما السورية، وهذا ما يهمّني، فالعقد لا يلزمني بالعكس، والدليل أنّي أنجز العمل بين الشهر الثامن والشهر الأول أو الثاني إذا سارت الأمور كما يجب، حتى أكون متفرغاً للعمل في سورية. كما يمكن أن أرفض النص الذي لا يعجبني بكل بساطة. هذه التجربة سمحت لي بالاطّلاع عن قرب على الدراما الخليجية التي يعد تطوّرها ظاهرة، والعامل المادي ليس سبب موافقتي كما اعتقد البعض، لأنّ ما أتقاضاه على العمل الواحد لا يتجاوز أجر مخرج منفذ محترم في سورية. في "الماشي"، عملتُ مع كاتب موهوب جداً هو السوداني المقيم في السعودية علاء حمزة، وكنتُ قد قرأت له من قبل نصاً رائعاً بعنوان: "أبو شلّاخ البرمائي"، ووجدت في نص "الماشي" شكلاُ فنياُ يغري بتجربة ما على الرغم من كونه مرهِقاً. كما تعرّفت على مجموعة من الممثلين الذين أفتخر بالعمل معهم: راشد الشمّراني، محمد الطويان، محمد العيسى وغيرهم، فقد ذكّروني بأيام ألق الدراما السورية عندما لم يكن هناك ما يسمّى بـ «النجوم»، أو مَن يدّعون أنّهم كذلك. هناك صورة متناقلة عن السعوديين، والخليجيين عموماً، أنهم يتكاسلون في العمل ويفتقرون إلى تقاليد المهنة. هل لمستَ مثل هذا الوصف على أرض الواقع؟ لا أخفيك أنّ البعض خوّفني كثيراً من العمل في السعودية على اعتبار أنّهم بطيئون وغير ذلك، ولكن الذي وجدته، باستثناء تجربة "طاش ما طاش 16"، أنّهم أشخاص على خلق، ملتزمون بأوقات العمل وقواعده. الممثل يحترم العمل والمخرج ولا ينظر إلى ساعته بين حين وآخر لأنّه مرتبط بمسلسل آخر كما «نجومنا» الآن. البعض تحدّث أيضاُ عن تدخّل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العمل، في حين لم نرَ الهيئة رغم أننا صوّرنا في مناطق عديدة بالرياض بما في ذلك الشوارع والمطاعم والأماكن العامة. الصور المنقولة كثيرة، ولكن لم ألمس سوى الاحترام والتعامل الراقي. فضّلتَ الحديث عن التجربة مع شركة «الصدف» عموماً على الدخول في تفاصيل الأعمال. هل يعني هذا أنّك غير مقتنع تماماً بمضمونها وقضاياها؟ هناك فرق بين أن تُكلّف بعمل وتترك بصمتك عليه، وبين أن تتبنّى أنت عملاً ما. ولا أعتقد أنّ هناك مخرج قادر حالياً على تبنّي مشروع ما بنسبة 100%. كل المخرجين السوريين يعملون الآن بأموال ورغبات خليجية، حتى القدماء أو أصحاب التاريخ منهم. مَن هو المخرج القادر الآن على تبنّي مشروعه الشخصي وتنفيذه على أرض الواقع؟ مّن له علاقة بمَن أطلق عليهم «نجوم». بمعنى أنّ ناقوس الخطر الذي قرعته منذ سنوات، وقالوا وقتها إنّي متطيّر ومتشائم، تحقق الآن. خضعنا لفوضى إنتاجية، وشربنا المقلب الذي سبّب تراجع الدراما المصرية، أي ما يسمّى بـ «النجم البيّاع»، ولكن بشكل مزيف أيضاً. أنا أقبل بمحمود مرسي وأحمد زكي ويسرا كنجوم، ولكن لا أفهم كيف أنّ أناساً، بين ليلة وضحاها، أصبحوا يتحكّمون بلعبة الدراما. أتفهّم أيضاً سيطرة رأس المال، لأن الدراما صناعة في النهاية، ويجب أن تعود بالربح على المنتج، أو على الأقل عدم الخسارة، حتى لا يوظّف أمواله في مجال آخر. ولكنّك انخرطتَ في هذه القواعد الجديدة رغم انتقادك لها.. لا بدّ أن أعمل في النهاية، حتى لا أصبح كما وصفني أحد الصحفيين بأنّي «أكشّ الذباب» في بيتي. عموماً، الذبابة مخلوق له دلالات كثيرة، ولو كنتُ أملك ذبابة بحجم هذه الغرفة لملكت العالم. نعم، تأمّل الذباب أمر لطيف أستمتع به كثيراً. إذاً، هل يمكن وصف الدراما السورية حالياً بأنّها «دراما بالتكليف»؟ معظمها كذلك. ولكن ثمّة جهات بقيت محافظة على إنتاج ما تقتنع به مثل «سورية الدولية» و«عاج»، وأتمنى أن تبقى كذلك. نحن نمتلك أدوات الإنتاج ولكن ليس لدينا أدوات تصريف هذا الإنتاج، أي القنوات التي يمكن أن تعرض الأعمال المنتجة، وبالتالي تجدنا مضطرين للقنوات العربية. الدراما الخليجية أخذت حصة كبيرة من السوق، وعودة الدراما المصرية واضحة للعيان، لأن أساس صناعتها مبنيّ بشكل صحيح منذ سنوات عديدة، من توفّر تقنيين وفنيين مؤهلين وغير ذلك. وباتوا يعتمدون على مخرجين شباب قدّموا أعمالاً في غاية الجمال مثل مسلسل يسرا الأخير "خاص جداً". ناهيك عن حمّى الدوبلاج التي بدأت بالأعمال التركية وامتدّت إلى الكورية والإيرانية والأفلام الأمريكية الجميلة التي شوّهوها. أنا أستبعد نظرية المؤامرة التي حاول البعض تسويقها، فالمتآمرون الحقيقيون هم مَن أوصل الدراما السورية إلى هذا الوضع المتراجع. وصفتَ هذا التراجع بالقول: إنّ الدراما السورية تتجه نحو حافة الهاوية. ألا تعتقد أنّ هذا الكلام قاسٍ نوعاً ما؟ أقصد بذلك أنّ البنية التحتية للدراما السورية غير مبنية بشكل صحيح. كنت دائماً أسأل: من هو بديل هشام المالح في الإضاءة؟ من هو بديل فلان في الصوت؟ مَن هم الناس المؤهلون للعمل على جزر المونتاج بواسطة الكومبيوتر؟ أين الجهة القادرة على حماية الدراما من تسلل بعض الأشخاص الذين ليس لهم أدنى علاقة بالمهنة؟ كنتَ من المساهمين في مرحلة البناء التي تتحدّث عنها، خصوصاً أنّك كنت مديراً عاماً لشركة إنتاج كبيرة آنذاك هي «الشام الدولية». لماذا لم تنفّذ الرؤية التي تتحدّث عنها؟ الدراما بحاجة إلى راع حقيقي، ولا تكفي شركة إنتاج أو مخرج للتأثير في بنيتها. في كل الاجتماعات التي تمّت مع أعلى الجهات في البلاد، كان صوتي يعلو للمطالبة بمعاهد عالية تفرز أكاديميين في جميع مهن الدراما، أسوة بالمعهد العالي للفنون المسرحية الذي يخرّج الآن ممثلين موهوبين في غاية الروعة، لكنّهم للأسف يجلسون في المقاهي بانتظار الـ 200 ليرة أجر مشهد الدوبلاج الواحد. أستطيع أن أعدد لك عشرات الأسماء من هؤلاء. أشبّه المتسرّبين إلى هذه المهنة بالـ «علّيق»، فيمكن أن يصبح الجاهل مصوّراً ومصوّر الكليبات والفوازير مخرجاً أو D.O.P، كما هي الموضة الآن، بقدرة قادر وبين ليلة وضحاها. وهذا عائد للضغط الذي تعرّضت له الدراما السورية في وقت من الأوقات. وسط كل هذه الفوضى، ماذا يستطيع هشام شربتجي أو أيمن زيدان أو حاتم علي أو هيثم حقي أن يفعلوا؟ كان الله في عون المخرجين الشباب الموهوبين فعلاً، وهم قلّة، مثل المثنى صبح أو الليث حجّو أو رشا شربتجي. ما هو الحل برأيك؟ هل يجب أن تتدخل يد الدولة في لعبة السوق؟ نحن بحاجة إلى الأكاديميات التي ذكرناها، وليس لنقابة الفنانين أو غرفة صناعة السينما (جباة الضرائب) أو التلفزيون العربي السوري (أهل الرقابة كوظيفة وليس كعلم). الكل طبّل لافتتاح قناة الدراما. انظر الآن إلى النتيجة. لدينا قناة تعرض مسلسلات أرشيف وأعمال عربية. دائماً أقول: ما هكذا تُبنى الصناعة. آباؤنا زرعوا شجرة الزيتون، فقطعناها نحن لنبني المخالفات. مديرية الإنتاج في التلفزيون العربي السوري بصدد التحوّل لمؤسسة اقتصادية مستقلة بميزانية كبيرة. هل هي خطوة على طريق الحل برأيك؟ هذا جميل، ولكن هل تحويل المديرية إلى مؤسسة مستقلة سينتج كتّاب سيناريو مدرّبين؟ هل ستقوم هذه المؤسسة بالتدريس الأكاديمي للمهن الفنية؟ تأسيس البنية التحتية هو ما أصرّ عليه أولاً. لا أريد أن يُفهَم من كلامي أنّه لا يمكن لغير الأكاديمي أن يكون موهوباً. أنا لا أقصد ذلك بالتأكيد. نجدت أنزور معلّم حقيقي، وهو ليس أكاديمياً. لماذا لم تشارك في «ملتقى الدراما السورية الأول» الذي عُقد منذ بضعة أشهر لتقول هذا الكلام أمام المعنيين بالأمر؟ كنتُ خارج البلاد عند استدعائي للملتقى. ولكنّي قلتُ هذا الكلام لأعلى سلطة في البلاد، رئيس الجمهورية د. بشار الأسد، عندما اجتمعنا مع سيادته منذ فترة. قدّمتَ "بقعة ضوء 6"، بعده "جرن الشاويش" ثم "رياح الخماسين" فيما يشبه المتتالية التي لم تلقَ النجاح المعتاد لأعمالك. بعدها لم نرك في الدراما السورية. هل عدم نجاح هذه الأعمال، ولن أقول فشلها، هو السبب في ذلك؟ بمعنى أنّ شركات الإنتاج لم تعد تقصدك للعمل. أنا أتحمّل جزءاً من المسؤولية لأنّي يئستُ في فترة من الفترات، ووضعتُ كل بيضي في سلة واحدة، أي لدى جهة إنتاجية واحدة. ولا أعتقد أنّ "بقعة ضوء 6" لم يكن ناجحاً. وماذا عن "جرن الشاويش" الذي عبّرتَ عن عدم رضاك عنه في أكثر من مناسبة؟ ما حصل أنّ الخطأ أدّى إلى خطأ أكبر منه وهكذا. بدأت سلسلة الأخطاء بعملَين تمّ التآمر عليهما من تحت الطاولة هما: "ذاكرة الجسد" و"الجذور العائمة". "ذاكرة الجسد" سبّب لي ألماً لشهور طويلة بعد إيقافه قبل بدء التنفيذ بأيام أو أسابيع قليلة. كنت أراهن على هذا العمل لتقديم نموذج غير مسبوق في تحويل الروايات الأدبية إلى عمل تلفزيوني بتقنيات السينما في الكتابة والتفكير. كتبتُ السيناريو، وتمّ إيقاف العمل بمؤامرة من الممثلين وتدخّل أحلام مستغانمي وجبن الجهة الإنتاجية وتدخل جهات إنتاجية من الخليج. في "الجذور العائمة" الذي كتب نصّه الجميل خلدون قتلان في أول عمل له، وصلنا إلى مرحلة تأشيرات السفر، لأنّ التصوير كان بين دبي، إيطاليا، تونس، السويد وسورية. تراجعت الجهة الإنتاجية في اللحظة الأخيرة، ولا أعرف السبب الحقيقي حتى الآن. طُرحَ عليّ بعد ذلك نص للدكتور رياض نعسان آغا، وهو زميل وصديق. كان النص جميلاً من حيث الأفكار ولكن فيه مشاكل كبيرة. اشتغلتُ على النص، والدكتور رياض مرن لدرجة يمكن التعامل معه بسهولة كصديق وكمثقف. أيضاً أوقف العمل قبل يومين من بدء التصوير. كنت محبَطاً، وكنت مستعداً لشغل أول نص أجده أمامي. وهذا ما تمّ بالفعل. جاءني نص "جرن الشاويش"، وكان رأيي بعد أول قراءة أنّه لا يصلح، وأنّ قيمة الورق المكتوب عليه أعلى من العمل نفسه. بدأنا العمل بعد وعود إنتاجية هائلة من شركة لين، ووضعت مخططات لبناء مدينة دمشق كديكور. ومررتُ بصعوبات جمّة مع مهندس الديكور في البحث عن قطعة أرض كبيرة للبناء. كنّا نفكّر في إعادة بناء منطقة الشيخ محي الدين بالكامل مثلاً. اكتشفتُ لاحقاً أنّ هذه المخططات لم تكن أكثر من طعم لإنتاج مشترك، فعملتُ المستحيل لإيقاف العمل، ولكن الأمور كانت تسير رغم كل شيء. أقول بصراحة إنّي عملتً لأسباب مادية، فلم يكن في جيبي أكثر من 300 دولار، هي كل ما أملك بسبب ظرف ما. بدأت بعد ذلك سلسلة المساخر في توزيع الأدوار. الكل كان يعتذر. ربما لأسباب تتعلق بسمعة الشركة في التعامل. لا أدري حقيقةً. وفي النهاية، لم تكن النتيجة سيئة، ولكن لم تكن مثل "باب الحارة" أيضاً. "رياح الخماسين" من أجمل الأعمال التي قدّمتها، ناقش مرحلة غير متناولة سابقاً في تاريخنا من خلال أب/سجين سياسي يخرج من السجن ليجد أبناءه على طريق الخطأ، فيقول لهم: سجّاني ليس عدوّي، بل هو صاحب فكرة. الرقيب/الموظف فهم هذا الطرح على طريقته واعترض على العمل. أين المشكلة في الالتفات إلى الماضي ومناقشته؟ نفس المشاكل واجهت العمل في التعاقد مع أبطاله، فقد كان مع نفس الشركة أيضاً. هل يُعقَل أن يعجز مخرج بحجمك وتاريخك عن إيجاد شركة إنتاج أخرى بعد كل هذه المشاكل؟ في تلك الفترة وحتى الآن أقول: نعم. شركات الإنتاج تبحث عن مخرج مطيع، ولا يهمّها اسم هشام شربتجي أو غيره. ما صحّة المعلومات عن وجود عمل سوري من إخراجك قريباً؟ هناك فكرة عمل مع شركة "الهاني" لم تتضح تفاصيله بعد. لاحظتُ أمراً غريباً في مسيرتك يتعلّق بكمّ المشاريع التي انتقلت لمخرجين آخرين بعد ارتباطها باسمك. "أقاصيص مسافر"، "طريق النحل"، "مشاريع صغيرة"، "الحصرم الشامي" وغيرها. لماذا يحصل هذا معك أنت بالذات وفق هذا التكرار الغريب؟ لا أعرف حقيقةً. "أقاصيص مسافر" كلفتُ به من قبل التلفزيون، وهو للكاتب منيف حسون الذي كان سعيداً جداً عندما علم بأني سأخرجه. كتبت تقريراً هاماً بالعمل للتلفزيون، ثم شُطبَ اسمي ولا أعرف السبب. في "طريق النحل"، لم ينتظرني عبد الهادي الصباغ 15 يوماً لأنتهي من عمل آخر، وكنتُ من المؤيدين لاسم أحمد إبراهيم أحمد، لأنه ابن المهنة وشخص مهم ومثقف. لا أدري إذا كان حظي سيئاً، ولا أعرف ما يحدث خصوصاً مع «كتّاب المرة الأولى» الذين اعتدتُ العمل معهم. كل أعمالي كانت لكتّاب مرة أولى ما عدا "أيامنا الحلوة"، "أسرار المدينة" و"جرن الشاويش". للأسف، لا يردّ بعضهم الآن على اتصالاتي. ما زلتُ أدخل أي عمل جديد بقلق المرة الأولى. ولكن لكل زمان دولة ورجال، وربما لا تكون هذه الأيام زماني. لمَ لا؟ أنت ضد مبدأ رفع أجور الممثلين. لماذا؟ أنا ضد لأنّه يحمّل الصناعة تبعات سلبية للغاية، وأنا لست مع المنتج وضد الممثل كما قال البعض. عندما يأخذ ستة أشخاص 80% من ميزانية العمل، وتوزّع الـ 20% على البقية، فهذا يعني أنّ هناك خلل حقيقي، لأنّ ميزانية العمل لم ترتفع، وإنّما حصل نقل للمال من مجموعة كاملة إلى فرد واحد. من غير المنطقي أن يزيد أحد الممثلين أجره بنسبة 800% خلال عام واحد، في حين يضطر آخرون للقبول بالـ 200 ليرة من شركة الدوبلاج. كانوا يطالبون بمضاعفة الأجور ليلتزموا بعمل في السنة يؤمّن لهم وارداً مادياً كافياً. بعد أن صار لهم ما أرادوا، لم يلتزموا بالعمل الواحد، بل أصبحوا يظهرون في أربعة مسلسلات دفعة واحدة. يُلاحَظ في أعمالك التفاوت الكبير فيما بينها، فهي إمّا تصنّف كمدرسة أو توضع في خانة غير الجيدة أو السيئة أحياناً. لماذا؟ مسؤولية نجاح عمل أو فشله لا تقع على عاتق المخرج فقط، فهناك النص والظرف الإنتاجي والأداء وكل شيء. من الخطأ تحميل المخرج كامل المسؤولية. من ناحية أخرى، لا يمكن أن تعطي من روحك بنسبة 100% دائماً. فإذا طبخت نفس الطبق أكثر من مرة، ستجد اختلافاً في النتيجة رغم أنّك قمتَ بالخطوات نفسها بشكل صحيح. أنا أكثر مخرج تعرّض للشتم في أعماله، حتى الجيدة منها حسب رأيهم الآن. "عيلة 5 نجوم" قوبل بالرفض والشتم. كذلك "أحلام أبو الهنا" وسلسلة النجوم. في "جميل وهناء" اقترحتُ عمل مسلسل عن امرأة لا تغار على زوجها، وهو عكس كل ما قدّم عن المرأة سابقاً، فغضبت شركة الإنتاج وهاجمني أيمن زيدان قبل أن يتراجع الجميع بعد النجاح الكبير للعمل ببساطته وتلقائيته. وعندما طالبوني بعمل الجزء الثاني رفضت، لأنّ العمل كان قد استهلك نفسه برأيي، ولم أوافق رغم كل الإغراءات حينها. سؤالك هذا يسرّني لأنّه يدلّ على الأفكار الجديدة التي أنفذها بين فترة وأخرى. ابتعدتُ ثم عدتُ بـ "عيلة 5 نجوم»" تواريتُ ثم قدّمت "يوميات مدير عام" وهكذا مروراً بـ "جميل وهناء" و"أسرار المدينة" وغيرها. من مدرسة الكوميديا البسيطة، انتقلت إلى مناطق المخالفات والعشوائيات لأول مرة في الدراما السورية، وهو ما أصبح موضة لاحقاً. كنت أنوي تقديم رواية أدبية في "ذاكرة الجسد" ولكن الأمور لم تجرِ كما أريد. في "الجذور العائمة" كنت سأصوّر حوالي 700 مشهد في ستوكهولم، ليرى الجميع كيف يتم التصوير في أوروبا، ولكن أيضاً لم تنفّذ الفكرة. ومَن يدري، ربما أخرج بشيء جديد قريباً. أنت من خبراء الكوميديا في الدراما السورية. كيف تنظر لواقع الكوميديا الآن؟ الكوميديا هي لعنتي. العمل الجيد يحتاج إلى نص جيد، وهذا غير متوافر بكثرة نظراً لصعوبة كتابته. ويحتاج إلى رأس مال جريء، وهذا أيضاً لا يأتي بسهولة. أتمنى أن أعود للكوميديا، ولكن لم يأت النص الجيد حتى الآن، والكتّاب الذين اعتدتُ العمل معهم انتقلوا للعمل مع جهات أخرى، وهذا حقهم طبعاً. بعض الممثلين أصابتهم لعنتي أيضاً، فأصبحوا يتنكرون لتاريخهم وينسون فضل مدرسة هشام شربتجي عليهم. دار كلام كثير حول خلافك مع ابنتك رشا. بعيداً عن الخوض في التفاصيل، لماذا انتقل هذا الخلاف، أو الصدام، العائلي إلى الإعلام بهذه التفاصيل الدقيقة؟ لا أعرف، ربما لأننا عائلة تحت دائرة الضوء، ونظراً للعلاقة المميزة التي كانت بين مخرج ومساعدته وأب وابنته. أتمنى لو لم يخرج الموضوع إلى العلن، ولكن هذا ما حصل. أنا لم أتكلم إلا بعد أن سمعت كلاماً كاذباً عن لساني، فبينتُ حقيقة الأمور. لستُ وحشاً أو أبا متخلفاً حتى أقف ضد خيارات أولادي، ولكن عندما أظلم في الواقع، ثم أصوّر كوحش آدمي أمام الناس، فلا بدّ أن أتكلم لإيضاح الحقيقة. رشا اختارت شخصاً سيئاً للغاية، ناصر ركا، كزوج لها، وهو مصوّر كليبات أصبح الآن مدير إضاءة في كل أعمالها. لم أوافق على هذا الزواج لأنني أعرف سلوكياته المشينة منذ أيام عملي في شركة «الشام الدولية». علمتُ أنّ ابنتي تزوجت عندما بارك لها قصي خولي على شاشة التلفزيون. هكذا، زواج سري دون إشهار أو عرس. أي أب في العالم لن يرضَ لابنته مثل هذه الإهانة. لقد تزوجت الشخص الذي كانت تحتقره سابقاً بسبب أفعاله وأخلاقه، وهو زواج مهني كما فهمتُ لاحقاً، كونها لا تعرف شيئاً عن تقنيات التصوير والكاميرا. لاحقاً، طردتني ابنتي من البيت باستخدام وكالة عقود البيع والشراء التي كانت باسمها. وبقيتُ أنام في السيارة لثلاثة أيام دون مأوى أو مال. تفاصيل كثيرة وبعضها مفزع، لذلك تجدها تحاول تبييض أخلاقها وأفعالها على صفحات الجرائد والمجلات، فهي تكتب «رشا هشام شربتجي» في تترات أعمالها، ولا تستطيع قول شيء سوى بعض المثاليات والجمل الخلابة. بالمناسبة، رشا كانت تكره المهنة، وتجدها صعبة ومتعبة. وهي عادلت نقص الموهبة لديها بالجلد والمتابعة. وهذا اجتهاد يُحسَب لها. على الصعيد المهني، أجدها من أهم المخرجين الشباب في سورية، ولا أحد ينكر أنها قدمت أعمالاً جميلة. البعض ظنّ أن الأمور هدأت بينكما مؤخراً. هل يمكن أن نشهد نوعاً من التقارب قريباً؟ لم يتغير شيء ولن يتغير. خمس سنوات من الألم تكفي، لأن رشا شربتجي شخص ميت بالنسبة لي. تعيش لوحدك بعيداً عن صخب المدينة ولا تخرج إلا لماماً. لماذا هذه العزلة والوحدة؟ أنا شخص (بيتوتي)، لا أحب ارتياد المقاهي وأماكن السهر. عندما يكون هناك حدث مهم أذهب لحضوره. (يضحك ملاعباً جاكي بجانبه) لا أعيش وحدي فـ «جاكي» هنا. شكراً لك.