2012/07/04
دمشق
تشرين الثقافي دراما
صلاح دهني
«ربوا واتعبوا» تتردد الكلمة الشعبية على أفواه الآباء والأمهات، مع نغمة أسى أغلب الأحيان فمن صار يربي ليس الأهل، بمقدار ما باتت وسائل الاتصال هي التي تربي شباب وصبايا الأجيال الصاعدة.. العاملون في وسائل الاتصال الجماهيرية في سورية وحدها بات عددهم يفوق عدد العاملين في «مؤسسة الطيران العربية السورية» الأعرق بعشرات السنين، وأيام عزها الغابر. الأكثر تأثيراً بالطبع هي الشاشات، ومن خلفها المحطات الأرضية والفضائية التي صارت عصية على العد. رفعت الشاشات راياتها في مختلف البلدان العربية وأعلنت ثورتها. تحديات التلفزيون باتت ملموسة، مهددة اجتماعياً، سياسياً، اقتصادياً، التلفزيون الهرتزي، التلفزيون الأرضي الرقمي، الفيديو والهاتف الجوال، الانترنت.,. أفواه فاغرة كلها، متعطشة للصور، للبرامج، للأفلام، للمسلسلات، وعليك صباح مساء أن تغذيها، تمونها.. طاقة تكون هائلة، لكننا لسنا مؤهلين بحق للاستجابة لمتطلباتها بالنحو الذي نرغب. لدينا تاريخياً، نموذج السينما (والتلفزيون فصيل منها عدته الصوت والصورة) إلا اننا فيما ننتج من أعمال درامية، وخاصة للتلفزيون، لم نتمكن بعد من السيطرة على كل أدوات هذه الوسيلة الكونية وانتشارها الأخطر. حتى الآن ليس ما ننتجه نحن لإشباع الأفواه التلفزيونية الفاغرة، بل هي برامج بمختلف صفوفها التي تعرضها الشاشات العربية، أكاد أقول تفرضها، في ظني ان الكلمة الأخيرة هي الأصح والأسلم، فحين تضيء الشاشة ونبدأ تكبيس الأزرار سوف تطالعنا بالأغلب الأعم، وبنسبة عاتية، الأعمال الدرامية الأميركية- نادراً من بين خيرتها- لكن بنحو شبه دائم، في أسفل وأدنى انتاجاتها المدمرة تربوياً. عددوا معي أسماء وأرقام الفضائيات العربية التي تعرض تلك الأفلام والمسلسلات على مدى الليل والنهار.. لكأنما باعت نفسها للشيطان بما تعرض من أعمال تحمل أسوأ توجيه للأجيال الشابة، أهي خمس عشرة قناة؟ عشرون، ثلاثون؟ لا أدري لكن الكم الهائل من أفلام الرعب والبوليس والوحوش ومصاصي الدماء، ومستنزفي الدماء، وو... ذاك كله جدير بإفساد شعوب برمتها، لا مجرد أفراد في المجتمع، أو حتى فئات.. نحن الذين تقدمنا في العمر (تمسحنا)، لكننا نتأسى على أجيالنا. أهو ناجم عن نزوة غضب ما تقدم؟ هل يمكن أن يكون للعملة وجه آخر؟ لنر ولنحكم. لنتفق على أن مشاهد التلفزيون بما يعرض من برامج ومن أفلام، قد تطور بنحو بين على مدى السنين العشر الأخيرة. هو ذا نراه خاصة بين الأجيال الشابة- يتبنى الأداءات التكنولوجية الجديدة. في أحيان كثيرة لم يعد المشاهد مجرد مستهلك للصور على مختلف صفوف الشاشات، بل هو من الآن فصاعداً، يريد أن يكون فاعلاً، لئن كان مجرد نقال أقنية، نبّاش انترنت، أو منتج أفلام فيديو يتبادلها مع الأصحاب والزملاء، أو يبلغ به الأمر أن يقدمها للملأ، للأوساط الفنية والثقافية كأعمال ناجزة جديرة بالتقدير. أمثال هؤلاء يأبون على أنفسهم أن يكونوا مجرد مستقبلين، متقبلين، وحاضنين سلبيين ومنفعلين أمام سلطان شبكات تلفزيونية متعددة الأغراض لئن كانت ربحية فقط، أو مشبوهة. بتنا نلاحظ ذلك في بلدنا عبر أعمال درامية- وأخرى وثائقية- أنجزها شبان وشابات لا يستخدمون أدوات السينما في إنتاجهم، بل يلجؤون إلى وسائط أبسط، قليلة الكلفة، بالتقنيات الجديدة الخفيفة، للتعبير عن دواخلهم، عن مواهبهم، نظراتهم الذاتية إلى المجتمع من حولهم وحياة البشر في تقلباتها وفي علاقاتها وتشابكاتها.. ليس غرض هؤلاء- في الأساس- التوجه إلى مجموعات من الجماهير..غرضهم تحقيق ذواتهم، كأنما واحدهم يقول: «أريد أن أرى نفسي على الشاشة» في هذه الحالة إذاً لا يكون الغرض التوجه إلى مجموعة ما من المشاهدين، بل إلى كل مشاهد بمفرده وهذا ممكن عن طريق الانترنت، حيث يمكن لكل لشخص أن يلتفظ ما يريد، حينما يريد بل يمكن للمرء المخرج الهاوي أن يخرج نفسه. وهذا ما تتيحه كذلك إمكانات لا عد لها تتمثل في الشبكة الهاتفية المعروفة ADSL المتوفرة في سورية، إلا أن الأقنية التلفزيونية ما انفكت غير مهيأة لذلك. أعمال الهواة تلك، سواء كانت درامية أو وثائقية، لم تعد بمنزلة ابن العم الفقير الذي لا يلقى القبول ولا التقدير الكافيين، بل صارت لها مواقع تؤثر فيها وتقوم ببثها على أوسع نطاق. أول مواقع الإيواء والاستضافة ثم التوزيع على محطات التلفزيون هو موقع «يوتيوب» في الولايات المتحدة الأميركية، هذا الموقع الذي بدأ صغيراً، بحدود الإمكانات، ثم ما لبث ان تعملق وانتشر في المستوى الأميركي كله. وفي أوروبا أيضاً وجدت هيئة فرنسية موقعاً أو موئلاً آخر للأعمال الدرامية والوثائقية التي يحققها الهواة، هذا الموقع دعي- بتسمية انكليزية- «دايلي موشن» وهو لا ينتج بنفسه، ولا يتطلع لإنتاج أي عمل درامي أو سواه، بل يكتفي باستقبال أعمال الهواة المصورة بمختلف أشكال وأنوع التصوير غير السينمائي، فيغربلها، ويفرز الصالح منها، ويقوم- بالمجان- بتأمين عرضها على الاقنية التلفزيونية. ليتم من بعد تقاسم العائدات الإعلانية. يتمثل الحذق في مثل اختصاص «يوتيوب» و «دايلي موشن» في حسن اختيار الأعمال التي تستحق الانتشار وترغب الأرضيات والفضائيات في استقبالها وعرضها، اذ لو أن هذه الشبكات التلفزيونية ارتاحت إلى فكرة أن يتمكن الناس جميعاً من أن يشاهدوا البرامج ذاتها، وفي وقت واحد، فلن تبلغ سوى الفشل الذريع، المؤكد. هذا ما يؤكد أن الهاوي في المستقل والموهوب، ملك فيما تذهب إليه موهبته ويحققه كعمل درامي تلفزيوني، وما من سلطة يمكن أن تفرض نفسها عليه، لذا يجب على الأقنية وعلى شركات الإنتاج أن تتقبل أن جهات أخرى لا تنتسب إليها يمكنها أن تنتج ولو ضمن حدود إمكاناتها المادية والتقنية- صوراً مهمة، وأن تتيح لمتصفحي الانترنت، وأصحاب المواقع ان يتواصلوا فيما بينهم، وأن يتشاوروا وخصوصاً أن ينتجوا. هذا الأمر لم تتقبله الاقنية العربية، بما فيها المحلية طبعاً، في حين يبلغ الأمر أمداء قارية حين نعلم أن الشبكات الأميركية مثلاً تتزاحم على شراء مواقع انترنت ناشطة ومنتجة، يمكنها عبرها ان تدعم برامجها، وذلك كله ضمن إطار استراتيجية عالمية تتبعها. ما من جديد في ذلك فالانكلو سكسون يذهبون مباشرة إلى حيث هو الجمهور. ثمة إذاً، بناء على ما تقدم،فرص كبيرة للإبداع وللإنتاج أمام شبيبة اليوم، فالأقنية والشبكات التلفزيونية كبيرها وصغيرها، بحاجة دوماً إلى أعمال درامية وغير درامية تدعم برامجها، إن كانت مصورة بالوسائل الضخمة التقليدية، أو بوسائل الهواة التي وفرتها التقنيات الحديثة بكلف بسيطة ميسرة... يبقى أن تكون هناك هيئة محلية أو عربية، تستقبل تلك الأعمال التي يبدعها الهواة، ثم تعرضها على محطات التلفزيون، وهذا الأمر يمكن أن تنهض به جهات حكومية أو أهلية. فلو أنه تم فسنباركه جميعاً، لا من قبيل تشجيع المبدعين المحليين على العمل والعطاء، فحسب، بل أيضاً لعل أعمال هؤلاء –إضافة إلى الانتاجات الدرامية المحلية الجماهيرية- تعوض بنحو ما وتحتل مكانة ما، ضمن المعروض اليومي على الشاشات العربية، يخفف من ذلك الهدير المرعب المنصب، ليل نهار، من الأعمال الدرامية الأميركية البخسة والمسيئة لا الجيد منها والمتميز.