2012/07/04
حكيم مرزوقي – البعث السورية
(إلى الذين يعاتبونني على عدم الكتابة في السياسة والمجاهرة بالمواقف والقناعات، مع أنّنا لم نولد جبناء ولا منافقين...ولا انتحاريين....لكنّنا مسيّسون غصباً عنّا)
نحن-معشر العرب قاطبة ومن في حكمنا وغير حكمنا ممّن جاورنا وعايشنا-،لماذا ندّعي كرهنا للسياسة والسياسيين في المجالس العامّة مع أنّنا أكثر الشعوب اهتماما بنشرات الأخبار وتعليقاتها وخلفياتها في البيوت والخلوات وأمام من يشاطرنا الرأي عن صدق أو نفاق .
ترانا في العلن نشيح بوجوهنا شطر أخبار السياسة ،نتأفّف من أهلها ، نطالب جليسنا بالبحث عن قناة للأفلام أو الأغاني ..أو حتّى الأبراج...وما إن يعود الواحد منّا إلى (جحره)حتى يرخي الستائر، يفتح على قناته الإخباريّة المفضّلة ويجاهر بمواقفه إن كان مازال لديه بقايا مواقف أو ثقة في أسرته أو شيئا من الشجاعة في القلب واللسان .
لماذا ارتبطت السياسة في عالمنا العربي بالمحظورات والمحرّمات مع أنّ كل الدساتير والتشريعات تكفل للفرد حريته في مناقشة أحواله المعيشيّة والمصيريّة كحقّ وواجب؟!
كانت ولا تزال كلمة(بوليتيك)تعني الكذب لدى العامّة في بلادنا العربيّة مع أنّها-ومن المفترض أن تكون- المجال الوحيد الذي لا يعترف إلاّ بالصدق وفق الأصول والمبادئ التي جاء بها المنظّرون الأوائل ،من أثينا اليونانية ،مروراً بمجالس الشورى وصولاً إلى تنظيرات جان جاك روسو و(منتسكيو) في الثورة الفرنسية .
لماذا سحبت السياسة وجرّت إلى مواقعها التاريخ والجغرافيا والعقيدة ،علم الاجتماع وعلم النفس ..وربّما حتى الطب والرياضيات فأمست ذلك الكائن المقيت الذي إذا أخرجته من الباب عاد إليك من الشباك
...وتلصّص عليك حتى في أكثر أوقاتك حميميّة.
كيف نتجاهل السياسة وهي الوسادة التي ننام ونصحو عليها كل يوم؟
إلى متى يقضي كتّابنا العمر في الحديث عن مواضيع هائمة وعائمة ،هلاميّة وخلّبيّة... خشية وتجنّباً للسياسة التي تشبه لديهم عملية تفكيك لغم:أوّل الأخطاء هي آخرها..!؟
لعلّ الاهتمام بالسياسة تعني (المعارضة غير الشرعيّة)في عالمنا العربي ،لذلك خافها وتوجّس منها الحاكم والمحكوم على حدّ سواء....الأوّل لنقص في رحابة صدره والثاني لعدم شجاعته وكثرة في أنانيته وجبنه وتفضيله لمصالحه الشخصيّة على حساب المجموعة.
تلقى اللائمة على النخبة قبل العامة، بل قبل الحاكم أحيانا ،فكم من بطانة ظلّلت سلطانها عبر التاريخ وألقت بشعوبها نحو التهلكة في سبيل الوصول إلى مآربها الخاصّة.
ما أجمل أن يأخذ المثقّف والفنّان بيد السياسي فيعبران به حقولاً مليئة بألغام الضغائن والأحقاد والمصالح الضيقة ،يخلعان عنه ربطة العنق ،يمسحان ابتسامته المرسومة أمام العدسات والميكروفونات ،يعفيانه من أجوبته الدبلوماسيّة ...ويحيلانه إلى مروج الحرية والمحبّة والمرح والتسامح....أو ليست السياسة(بمفهومها الحضاري) مسؤوليّة الفرد المقتدر تجاه المجموعة المستضعفة ،والتي سلّمته حاضرها و مستقبل أبنائها كي تستقوي على الزمن بفضل فعله ومبادراته ..!؟.
كذلك-وبالمقابل- ما أبشع أن يأخذ الأرعن من السياسيين بيد المثقّف ليعبر به رغام المصالح الآنيّة ويجعل منه واجهة ثقافيّة و جسرا للعبور نحو نجاح فرديّ.. وفي أفضل الحالات ،بحصة تسند ساق كرسيّ قد يهدّد بالسقوط.
كان وما يزال الجدل قائماً بين المثقّف والسياسي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،وهو جدل مشروع شريطة أن يكون مبنيّاً على الثقة وعدم التشكيك والاتعاظ من محن ومصائب الذين سبقونا .
أيها الإخوة من الذين يلومونني على عدم الكتابة في السياسة بجريدة محليّة تعنى بالشأن العام وهموم المواطن قبل الشعارات البرّاقة والجمل المنتفخة ،ها أنا ذا أكتب في هموم السياسة ودون رقيب إلاّ من ذاك الذي يسكن قفص صدري وبعيدا عن البلد الذي جئت منه.. دون محاباة أو نفاق أو مزايدة...فأنا أهتمّ بالسياسة –مثل كل العرب من الكاظمين غيظهم والنائمين على جرحهم ...وأمام شاشات التلفزيون .
لكنّي لن أمارس السياسة أبداً خوفاً على نفسي وعلى شعبي منّي ومن مزاجي المتقلّب.
اللهمّ أبعد السلطة والنفوذ عن المبدعين والفنّانين بُعْد سمائك عن أرضك.
اللهمّ اشهد أنّي لا أخاف إلاّ من الكتابة.