2012/07/04
دار الخليج
لافتة ومثيرة بنشاطها وحيويتها الدائمة، إنها امرأة وفنانة من الزمن الجميل، لا نعرف إذا كانت استمدت القوة من اسمها أم أن اسمها استمد منها قوتها، إنها المسرحية والتلفزيونية والسينمائية اللبنانية نضال الأشقر، نضالها في ثباتها، في ظل زمن اختلفت فيه مفاهيم الفن، كان لها شراكات فنية مع عدد من الفنانيين العرب والبنانيين، وأسست مسرح “المدينة” الذي تقول عنه: “إنه صرح لابد أن يظل حاضرا”، خلال حضورها مؤخراً مهرجان أبوظبي السينمائي وكان معها هذا الحوار .
* كيف وجدت مهرجان أبوظبي السينمائي؟
- مجيئي إلى أبوظبي نابع من رغبتي الشديدة لأن هذا المعلم الثقافي العربي، كما يعد المهرجان فرصة لمشاهدة الأفلام والفنانين وصناع الأفلام والناس، كما أننا في “مسرح المدينة” في بيروت، نسعى دائما إلى دعوة الموهوبين في العالم العربي سواء مخرجين أم ممثلين أم مسرحيين وهذا يجعل وجودي ذا مغزى في هذا المكان، خاصة أنني منذ ما يقارب سبع سنوات لم ازر أبوظبي، ما جعلني اتشوق إلى تلبية الدعوة، إلا أنني أتردد على دولة الامارات بشكل مستمر، فقد أحييت أمسيات شعرية في دبي وكان لي حضور مسرحي في الشارقة .
* ما سر الاهتمامات المتنوعة لديك بين المسرح والتلفزيون والسينما؟
- اعتقد أن الأمر هو اهتمام ثقافي، أحب الكتاب وأستمتع بالقراءة ومشاهدة الأفلام وبمسرحي أسست المسرح في بيروت وأمثل وأخرج مسرحيات، وهذا عمل أقوم به على عاتقي، خاصة أننا لا نملك الدعم المادي من الدولة اللبنانية، واعتقد أن هذا عبء في ظل عدم وجود الدعم، فعلى عاتقي حمل مسؤولية هذا الصرح المسرحي الذي أود له الاستمرارية .
* حفاظك على هذا الصرح المسرحي الذي قمت بتأسيسه إلى أين يأخذك؟
- اعتقد أن المسرح هو لا يزال الفن الوحيد الذي يقدر أن يجعل المتلقي يرى الفنان لحماً ودماً، فيطرح عليه موضوعات شيقة وطبعا أتحدث هنا عن المسرح الجيد، فرغم كل الأجهزة التقنية والوسائل الجماهيرية التي جعلت الناس تتلقى المضامين في بيوتها، يظل للمسرح سحره ورونقه وما يعطيه لا يمكن أن تضاهيه فيه أي وسيلة، وهذا ما يجعل المتلقي يذهب إلى المسرح ليرى الفنان، وأشبه المسرح الحديث بالرغيف الساخن الذي يلتهمه الفرد وقت نضوجه، فالنص والإخراج والتمثيل والموسيقا والمكان والموضوعات المتنوعة كلها في المسرح، فالمسرح هو محطة انطلاق الفنان الحقيقي، كما أنه يمنح الفنان لمس وقع كل ما يقدمه من تفاعل الجمهور لحظة بلحظة، وهذا ما يميزه عن وسائل الاتصال الأخرى .
* هل هذا هو سر انطلاق الفنانين من المسرح؟
- المسرح بالنسبة إلى الفنان هو المدرسة وجعبة المعرفة التي يحملها أينما ذهب .
* لماذا نشهد ضعفا في الحركة المسرحية في الوطن العربي عموما؟
- لأن المسرح على الشكل الأوروبي الذي عمره مئات السنوات في العالم، بدأ متأخرا لدينا في ما يقارب أواخر القرن التاسع عشر، وفي لبنان بدأ بدخول مارون النقاش اليه، بينما كان لدينا وجه آخر للمسرح، كالحكواتي والقراقوز وسرد القصة وتلاوة الشعر، فكل ما يقدم على المنصة هو مسرح، وليس بالضرورة أن يكون على طريقة المسرح الأوروبي، ولكن لا يمكننا أن ننكر أن المسرح الأوروبي أصبح مدرسة شعبية، تستعمل تعبويا وبالطريقة المبتذلة والتجارية، لكن المسرح هو كل ما ذكرنا سويا، فهو تجارة وصناعة وثقافة، وهذه الخلطة اذا نجحت فهي تثمر نجاحاً مبهراً .
* ما رأيك في مسرح الثورات العربية؟
- كل ما عبرت عنه الشعوب من غناء وتمثيل واستعراض خلال الثورات هو مسرح، فالحاجة أم الاختراع، والشعوب اخترعت فن الردات والأغنيات الحية والشعر الشعبي، وأجملها ما شاهدته في مصر، حيث كانت روح النكتة طاغية على الثورة، وهذا أمر رائع لا أعتقد أنه حصل في التاريخ، ولم يتصور احد أن ينهض المصريون وقفة واحدة فلم تشبه وقفتهم أي شيء في العالم ولا في تاريخهم، كما لا يمكن نكران فنون اخرى نبعت من الثورات كفنون الرسم والابتهالات والفكاهة، حيث منحت تلك الثورات الشعب القدرة للتعبير عما بداخله من خلال تلك الفنون، فيصنعون من الضعف قوة، أما في لبنان فالوضع مختلف أيام الحرب الأهلية لأن الشعب لم يكن في ظل الحرب قادراً على أن يقوم بما قامت به الثورات العربية اليوم لأنها حرب أهلية، لكن الجميل أنه اليوم وبعد اكثر من عشرين عاما بدأت ردود الفعل تظهر لدى الشباب اللبناني الذي كان حين الحرب في سن الطفولة، فبدأوا يعبرون عن ذواتهم شعرا وكتابة وأدباً ومسرحاً وموسيقا .
* المتعارف بين الناس أن هناك حرية اعلام في لبنان، فكيف تنظرين للأمر؟
- هذه نظرة خاطئة بشدة، فالدولة اللبنانية ارتكبت أكبر خطا بسماحها لهذا العدد من القنوات الموجودة في لبنان، ففي اكثر الدول تحضرا وانفتاحا وحريةً لا نجد اعلاما كإعلام لبنان، فهذا الكم من القنوات عمل على تشتيت الناس، فلا يوجد قناة برغم كل هذا الكم من القنوات تقدم معلومات واخباراً مسؤولة، ورغم ذلك لا توجد لدينا حرية تعبير، والدليل على ذلك أنه لا يوجد لدينا مسرحية نود تقديمها على المسرح لا تخضع للرقابة، بينما عشرات القنوات لا أحد يراقبها في لبنان، ويقدمون على شاشاتها مادة من التعصب وبعض المواد لا تخلو من الابتذال، بينما ينتقدون المسرح لأنه يقدم صورة اخرى عن واقع آخر، فمن الواقع نبتكر واقعاً فنياً ثقافياً يعبر عن الواقع بطريقة اخرى، فالمسرح يحمل التغريب، وأعود وأقول إنه من المضر جدا أن يكون للبنان كل هذا العدد من القنوات، فلا يوجد قناة واحدة للشعب، تأخذ الخبر من مصدره، فكل قناة تشوه الخبر وتنقله بحسب رؤيتها .
* تحدثت عن الرقابة في المسرح، فهل تشكل هذه الرقابة تحديا لديكم؟
- بالتأكيد، لأنهم يضطرونا لأن نتحايل عليها، ولكن المثير أن هذه الرقابة تابعة للأمن العام في الدولة، بينما الامن يقول إنه ليس المسؤول عن أي منع إنما رئيس هذه الطائفة أو تلك، فهؤلاء هم الذين يديرون ذائقة الناس .
* لماذا في رأيك هناك رقابة مسرح ولا رقابة اعلامية تلفزيونية؟
- لأننا في المسرح برغم أن مشاهديه لايصلون إلى عدد مشاهدي التلفزيون، هم يخشون المسرح لأنه يقدم صورة واقع بطريقة فنية مبتكرة وجميلة، فلا يجوز أن يكون الأمن العام هو المراقب، ولا يجوز من الأساس أن تكون هناك رقابة، لأننا لو وددنا في يوم أن ننهض فعلا بعالمنا العربي فيجب أن تكون لدينا حرية حقيقية وليس فوضى .
* دوما ما تتحدثين عن أن ما ينقص العالم العربي هو الثقافة، لماذا؟
- لأنني أرى أنه لدينا كم محدد من مناهل الثقافة مفروض علينا أن ننهل منه، فلا يوجد حرية في العالم العربي، ونريد في الوقت ذاته أن نحرر ذواتنا وعلى الدول أن تحرر ذواتها، ليستطيع الشعب أن يعبر عن نفسه، ولا أجد أن هناك من يقدر أن يعطينا شيئاً فنحن من يجب أن يفعل، ونحن بدورنا نواظب على مسؤولياتنا كأفراد، ولا أزال اتمنى أن أرى دولة عربية واحدة تأخذ الثقافة أولوية لبناء الإنسان، فأغلب ما يقدم اليوم من تلفزيون ومسرح وسينما هو في الحقيقة لإخفاء واقعنا الحقيقي .
* وكيف تنظرين إلى السينما اللبنانية حاليا؟
- هناك نهضة مهمة جدا في السينما اللبنانية، وهذه السينما نهضت بجهود شباب موهوبين جدا، قادرين على خلق فنون الأفلام القصيرة والطويلة الروائية والوثائقية .
* لماذا لا نشهد هذه النهضة في الاعمال التلفزيونية اللبنانية؟
- قد يكون السبب لأن المسلسلات السورية سبقت اللبنانية والمصرية، فأثبتت براعتها سواء كانت تاريخية أم درامية، ولا شك في أن هناك مسلسلات سورية فشلت، لكن الأغلبية هي مسلسلات ناجحة، فقد اكتشفوا أنه كلما أتقنوا العمل كلما اشترته دول اكثر، لكن في لبنان أعتقد أن فكرة التاجر هي المستحوذة، اما المسلسلات المصرية فقد شعرت بالتحدي وبدأت تستعيد قوتها، ولذلك نشهد في لبنان نهضة مسرحية لأن القائمين على المسرح أشخاص كونوا مسرحا خاص، والسينما ايضا أقامت بسواعد فردية لشباب موهوب، أما التلفزيون فيحكمه تاجر .
* وعلى ماذا تعكفين حاليا؟
- أقوم على فكرة عمل عبارة عن مشهدية احتفالية مسرحية كبيرة، فكرتي واخراجي ونسقها وجمعها الشاعر والاديب والاعلامي عيسى مخلوف، مرتكزة على نصوص قديمة بمرتبة رسالة حضارية موجهة للعالم، أحاول من خلالها أن أقدم التاريخ والحداثة وهي عبارة عن مسرح احتفالي لا أود الخوض في تفاصيله الان، وسأبدأ العمل عليها العمل عليها العام 2012 وتعرض في 2013 كما اسعى في الفترة الحالية لأعقد شراكات مع شركاء من العالم العربي، الهدف منهم اكمال مسيرتنا المسرحية مع بعضنا بعضاً .