2012/07/04
أحمد الخليل – تشرين دراما
من يدقق النظر في الأعمال الكوميدية السورية- التي تنقسم إلى شكلين أساسيين هما
الحلقات المنفصلة المتصلة. والشكل الثاني هو المسلسل الكامل المتصل الحلقات المتمحور حول فكرة واحدة وشخصيات محددة- أقول لدى
التدقيق نرى اختلافا بينا وتأثيرا متفاوتا جدا بين النوعين، وخاصة في العقد الأخير حيث برزت تجارب كوميدية مختلفة وراءها فنانون شباب
لديهم حساسية مرهفة ومخيلة طازجة نقلت الكوميديا نقلة نوعية فنيا وفكريا
وهؤلاء ركزوا على الشكل الكوميدي ذي الحلقات المنفصلة واللوحات المكثفة القصيرة والتي هي في بعض منها أقرب إلى فلاشات (بقعة
ضوء)، بينما أغلب الأعمال في الشكل الآخر أي (المسلسل ذي الحلقات المتصلة) لم يصب النجاح الذي أصابه الشكل الأول..
فقد اعتمدت بعض الأعمال على التكرار في الأفكار والتطويل غير المسوغ واللعب اللفظي والحركي والارتجال والصيغة الكاريكاتورية المضخمة
والحوارات الممجوجة والإسفاف والصراخ ...كما في سلسلة (عائلة النجوم).
فبعد نجاح الجزء الأول (عيلة خمس نجوم) تأليف حكم البابا وسلمى كركوتلي وإخراج هشام شربتجي وتألق نجومه (أمل عرفة- فارس الحلو
– أندريه سكاف- سامية جزائري...) في أدوار طريفة تعتمد كوميديا الموقف النابع من الواقع والحياة دخلت السلسلة التي أنتجت بعد النجاح
الكبير لعيلة خمس نجوم في التكرار وضمت شخصيات هامشية ملفقة لا دراما فيها، فهي تمتلئ بحوارات أقرب إلى الثرثرة واختلاق
المشكلات من دون أي مسوغات درامية برغم سعي الكاتب (ممدوح حمادة) إلى التركيز على حياة المهمشين الذين يسكنون أطراف
المدينة والعشوائيات لكن كانت نصوص هذه السلسلة مكتوبة بناء على طلب المنتج ومفصلة حسب حاجة السوق ليس إلا
في أعمال الفنان دريد لحام الأخيرة (أحلام أبو الهنا) و(عائلتي وأنا) و(عودة غوار) للمخرجين هشام شربتجي وحاتم علي ومروان بركات
والمؤلفين حكم البابا (المسلسل الأول والثاني) وطلال نصر الدين وأحمد السيد للثالث ثمة أمر مهم وهو أن هذه الأعمال كان القصد منها
إعادة الفنان دريد إلى سابق تألقه مع تغيير طربوشه (أحلام أبو الهنا) بعد أن خفت نجمه وتآكلت موهبته نتيجة الزمن وفقدان النص الكوميدي
العميق بعد انفصال محمد الماغوط عنه في المسرح وفي التلفزيون، لكن هذه العودة كانت بنص مهلهل لم يرفع لحام درجة إلى الأعلى وإنما
كان بالنسبة له سقوطا فنيا مريعا، فـ(أبو الهنا) شخص مسكين ضعيف متهدج الصوت جبان يقع دائما في مآزق... وهذا ما أدى لتكسر الصورة
القديمة لغوار (الفهلوي) صاحب المقالب الذكي الذي يخرج من أي مشكلة كالشعرة من العجين، الجذاب الخفيف الظل وكل ذلك كان بفضل
نصوص الفنان الراحل نهاد قلعي الذي كتب نصوصا متماسكة طريفة وعميقة ورسم شخصيات حياتية شكلت كاركترات ترسخت في الذاكرة
(غوار الطوشة وحسني البورظان وفطوم..) في أعمال لا تزال ممتعة حتى الآن (صح النوم- حمام الهنا- مقالب غوار..) لما تتمتع به من صدق
وعفوية ورشاقة في الحوار وبساطة في الأفكار المستمدة من الحارة الشعبية..
وبرغم زج بعض الممثلين الأوائل زملاء دريد في مسلسل عودة غوار (ناجي جبر- حسام تحسين بيك..) فإن هذه العودة كانت انتكاسة على
صعيد النص والأداء والفكرة ولم تنفع محاولة إعادة الشخصيات القديمة إلى الحياة في عصر جديد ومناخ مختلف برغم نبل الأفكار وحسن
النيات ..
ولم تنقذ مسلسل (أيام الولدنة) لحكم البابا ومأمون البني من الضعف جرأة الفكرة، فالنص كان مفككا والكاتب يريد إقحام أفكاره السياسية
المسبقة إقحاما عبر شخصيات سطحية ساذجة لم تدخل إلى لب العلاقة وتعقيداتها بين سلطة الأمن والمواطن في البلدان العربية..
الفنان أيمن زيدان أكثر من الأعمال الكوميدية (أنا وبناتي الأربع- الوزير وسعادة حرمه- جميل وهناء بجزءيه – زوجتي مدير عام- يوميات مدير
عام...) ولو سألنا بعض متابعي التلفزيون عن أعمال الفنان زيدان الكوميدية سيجيبون فورا (يوميات مدير عام) المسلسل الأعمق في تجربة
زيدان الكوميدية، هذا العمل المتكامل تأليفا (زياد الريس) وإخراجا هشام شربتجي...كان نقطة علام في الكوميديا السورية فالعمل بني على
نص دسم في الأفكار ممتع فنيا فاللعبة التي يلعبها المدير العام (الطبيب السابق) بمساعدة صديقه المخرج (اختراع التنكر في شخصيات
متعددة للدخول في آليات عمل المؤسسات الحكومية وكشف الفساد الهائل الممارس من قبل الموظفين) أعطت شكلا كوميديا جديدا عفويا
صادقا يلعب على هواجس الناس باحترام شديد مع أداء تمثيلي راق شد المتفرج وأشركه في اللعبة، وكان المسلسل فرصة لزيدان لإبراز
قدراته الإبداعية كنجم جسد العديد من الشخصيات في المسلسل في لعبة التنكر هذه بإتقان كبير، وهذا عائد أساسا للنص الجيد الذي
كتبه الريس..
لكن لم يستطع الريس ككاتب البقاء في مستواه (العمق والترابط) حين كتب مسلسل جميل وهناء فقد انخفض مستوى النص ولم يواز جودة
يوميات مدير عام فكما يبدو كتب الريس المسلسل لإرضاء المنتج، ولم يستطع تحقيق النجاح المدوي الذي حصده في يوميات مدير عام، كما
أن الفنان أيمن زيدان الذي أصبح «يوميات مدير عام» مقياسا له لم يصل لما يريده من تأثير ونجاح في تعاونه مع الكاتب محمود الجعفوري في
أكثر من مسلسل من دون إغفال التفاوت بين عمل وآخر..
ومن المسلسلات الكوميدية التي تتصف بأنها بنيت على نصوص قوية وعميقة مسلسل دنيا (كتبته أمل عرفة وعمار مصارع وعبد الغني بلاط
وأخرجه الأخير) هذا المسلسل لاقى نجاحاً كبيراً أيضا شبيهاً بنجاح يوميات مدير عام ففكرته جديدة وشخصياته متنوعة، العمل يكشف أسرار
المدينة وبيوتها من خلال جولة الخادمة دنيا في البيوت المختلفة (ماديا واجتماعيا).. دنيا تميط اللثام عن زيف المجتمع ومظهره المخادع
وتكشف الأقنعة التي يرتديها الناس في الحياة ويخفون وراءها كل نفاقهم وشخصياتهم المهزوزة.. وكان لأمل عرفة ولشكران مرتجى الدور
الكبير في نجاح العمل، فقد رأيناهما في كاركترات جديدة ولهجات مختلفة أدتاها بعفوية وبحب أظهرت قدراتهما كممثلتين مميزتين في
الدراما السورية، وهذا العمل كان التجربة الأولى لأمل عرفة في الكتابة الدرامية لكنها استفادت من عملها كممثلة تدرك تماما أسرار صنعتها
لذلك كانت كتابتها لنص دنيا كتابة احترافية حقا..
ما أوردته آنفا يعطي لمحة مكثفة عن أهمية النص الكوميدي الذي هو أساس النجاح في المسلسل.. وفي اعتقادي أنه المجال الأصعب
لكتاب السيناريو إن كان في المسرح أو السينما أو التلفزيون لذلك هناك ندرة في كتاب الكوميديا على عكس الأعمال التاريخية والاجتماعية،
فبعض الكتاب المتألقين في النمطين الاجتماعي والتاريخي يفشلون فشلا ذريعا حين يتنطحون لكتابة الكوميديا لذلك برزت في السنوات
الأخيرة ظاهرة الورشة الكتابية لتجاوز النقص في نصوص الكوميديا وضحالتها كما هو الحال في تجربة بقعة ضوء وعلى المكشوف... وتبقى
تجربة الدكتور ممدوح حمادة هي الأنضج والأبرز على صعيد الكتابة الكوميدية وبخاصة (ضيعة ضايعة بجزءيه) ومشاركاته في بقعة ضوء
وسلسلة النجوم.