2013/05/29
جوان جان – تشرين
في سالف الزمان وسابق العصر والأوان كانت صناعة النجم التلفزيوني تتطلب سنوات من الجهد والعمل يبذلها الساعي وراء نيل لقب النجومية كي يثبت للآخرين أنه جدير به وأنه الأَولى بشرف نَيله،
وكانت المنافسة شديدة بين المؤهلين علماً وموهبة وعطاءً كي يكونوا في قمة قائمة النجوم الذين يطلون على جمهورهم فيشدون الانتباه إليهم بما يقدمونه من أعمال إبداعية أو بما يفيدون به من تصريحات إعلامية تتناول مختلف مناحي الحياة.
وعلى الرغم من محدودية قنوات التواصل مع الجمهور والتي يأتي التلفزيون في مقدمتها فقد كانت لهؤلاء النجوم جماهيرهم العريضة التي تنتظر ظهورهم على الشاشات كي تتواصل معهم سواء فيما يقدمونه من فنون أو فيما يبدونه من مواقف اجتماعية تشكل نبراساً لدى الكثيرين الذين يؤمنون بنجومهم وبكل ما يصدر عنهم باعتبارهم قدوة تُحتذى بالنسبة للجماهير العريضة.
اليوم ومع اتساع دائرة البث التلفزيوني والتعدد المذهل في عدد القنوات الفضائية أصبح ظهور النجوم أكثر سهولة ويسراً، ويمكن القول إن مجموعة من النجوم يمكن أن تظهر وتحقق نجومية منقطعة النظير خلال فترات قياسية لا تتعدى الأشهر مقارنةً مع السنوات الطويلة التي كان يقضيها نجوم الأمس وهم يشقون دربهم بأظافرهم وأسنانهم كي يثبتوا وجودهم وأحقيتهم في التألق.
والواقع أن ثمة اختلافات جوهرية بين نجم اليوم ونجم الأمس، فنجم اليوم ليس بالضرورة أن يتمتع بالموهبة حتى يحقق التألق، إذ يكفي أن يزج به في وجوه المشاهدين على مدى 24 ساعة وفي مختلف المحطات (الإخبارية تحديداً كالجزيرة والعربية) حتى تتم عملية تلميعه وغسيله كما تُغسَل الأموال المشكوك بنزاهة مصدرها، وقد شهد العامان الأخيران نماذج عديدة تفتقد لأدنى درجات الموهبة في الحديث وأصوله وقواعده ولباقته، تم فرضها على المشاهد العربي الذي أصبح يتقيأ هذه الشخصيات كلما أحس بتلبّك معويّ.
كما أن نجم اليوم ليس بحاجة لأن يحمل شهادات أكاديمية في مجال إبداعي محدد، إذ إن معظم من لمع نجمه في العامين الأخيرين على شاشات الرأي والرأي الآخر لم يكن أكثر من أفّاق يقضي أوقاته على أرصفة المقاهي سعياً وراء عملية نصب هنا أو تجربة احتيال هناك، وعندما هبّت رياح هؤلاء اغتنموها خير اغتنام ونقلوا نشاطهم الاحتيالي النصبوي من أطراف المقاهي إلى قاعات بعض وزارات الخارجية العربية والأجنبية تحت مسميات ومصطلحات عديدة، معظمهم لا يفقه معناها.
وأما السمة الثالثة لنجم اليوم فهي ضرورة افتقاده لأي معيار أخلاقي أو اجتماعي أو حتى إنساني، إذ كلما كان مدججاً بنظريات الإجرام والإفقار ومحاصرة شعبه بلقمة عيشه كان قبوله ميسّراً في هذه الفضائيات التي تتغنى اليوم علناً بالمنظمات الإرهابية العالمية المنتشرة خاصة في أرضنا العربية التي يساهم أبناؤها –للأسف- اليوم في عملية تدمير ذاتية غير مسبوقة.
وأما السمة الرابعة والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسمة الثالثة فهي ضرورة أن يتمتع نجوم اليوم بسلاطة اللسان و(زفارته) حتى يتصدروا الشاشات ذات الاتجاهات المتعاكسة وما شابهها ليضمنوا الانحياز التام من قبل مقدمي هذه البرامج إلى جانبهم باعتبار أن الهدف الأول من هذه البرامج هو إثارة النعرات والأحقاد والخلافات بمختلف أشكالها وألوانها.
السمة الخامسة والأخيرة لنجم اليوم (وهي السمة الإيجابية الوحيدة) هي أن عمره الافتراضي قصير إذا ما قورن بأعمار نجوم الأمس التي قد تستمر عشرات السنوات، إذ إنه بمجرد انقضاء المهمة التي صُنِّع نجم اليوم للقيام بها يتم رميه والتخلص منه كما يتم التخلّص من الجيف النافقة، فبينما كان كل ما يصدر عن هؤلاء النجوم المؤقتين في الحوارات والبرامج التلفزيونية بمنزلة كلام مقدّس لا يجرؤ أحد من مقدمي البرامج على مجرد مناقشته عقلياً ومنطقياً فإنه اليوم وبعد أن انقلبت الطاولة على المدعوين إلى حفل العشاء أصبح كلام هؤلاء مشكوكاً بصحته وقابلاً للكثير من التشكيك والتكذيب من قبل مقدمي البرامج الذين انقلبوا بدورهم مع الطاولة في وجوه هؤلاء وأصبحوا يحرجونهم بأسئلتهم لأن التوجيهات العليا قد صدرت بمحاصرة هؤلاء النجوم وسحب الرخصة منهم بعد انتهاء فترة صلاحيتها.
وبانتظار أن تصدِّر إلينا هذه الفضائيات نجوماً جدداً يبقى المشاهد العربي على أحر من الجمر في الانتظار، وهو المشاهد الذي اعتاد أن يتماهى مع كل دفعة جديدة من النجوم إلى درجة الذوبان معها حتى لحظة وصول فتيل الشمعة إلى منتهاه.