2012/07/04
جوان جان – تشرين دراما
لقيت لفتة وزارة الثقافة في تكريم الفنان الراحل ناجي جبر في حفل افتتاح مهرجان دمشق المسرحي الأخير كل تقدير نظراً لما قدّمه الراحل من عطاء مسرحي اعتُبِر -على قلّته- علامة بارزة من علامات المسرح الشعبي في سورية الذي كان الأب الشرعي للمسرح الجاد والملتزم المتمثل بالمسرح القومي.
والواقع أن ناجي جبر حاول في خطواته المسرحية الأولى الاستفادة من النجاح الكبير الذي حققه من خلال شخصيته الشهيرة «أبو عنتر» التي جسّدها في أكثر من عمل تلفزيوني مع الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي فكان أن شارك في عدد من الأعمال المسرحية مستفيداً من الصفات العامة لهذه الشخصية حتى دون أن يحمل اسمها، منها مسرحيات شقيقه الفنان الراحل محمود جبر، إذ يمكن القول أن ناجي جبر مسرحياً قد خرج من معطف مسرح محمود جبر القائم بشكل أساسي من حيث المضمون والأهداف على طرح القضايا الاجتماعية والهموم اليومية الحساسة للطبقة الشعبية، إلا أن ناجي جبر لم يلتزم تماماً بهذا الخط عندما أخذ يعمل على إيجاد بصمة مسرحية خاصة به من خلال استقلاله عن فرقة أخيه وتقديمه لعدد من الأعمال المسرحية ربما كان أشهرها مسرحية «ليلة أنس» التي كان يفخر الفنان الراحل أنها استمرت عدة سنوات على خشبة المسرح، بشكل غير متواصل بطبيعة الحال، والواقع أن البصمة التي عمل ناجي جبر على إيجادها كانت تتعلق بمفهوم البطل الشعبي الذي كرّسه محمود جبر في أعماله بطلاً ضعيفاً، مهيض الجناح، مهضوم الحق، في الوقت الذي حاول فيه ناجي جبر أن يقدم هذا البطل كنموذج للمتمرد على سلبيات المجتمع والقادر على تغييرها وتحويلها إلى عناصر إيجابية من خلال القوة الجسدية بالدرجة الأولى، ومما لا شك فيه أن أعمال ناجي جبر المسرحية القليلة كانت تلقى الرواج اللائق به وبسموّ الشخصية التي كان يتمسّك بها مسرحياً (أو تتمسك به) في الوقت الذي استطاع أن يوجد لنفسه قنوات متعددة في السينما التي خرج في العديد من الشخصيات التي جسّدها فيها من أسر شخصية أبو عنتر ليجسّد شخصية الشاب المقهور اجتماعياً والمغلوب على أمره كما في فيلم «أموت مرتين وأحبك» على سبيل المثال.
هذا الخروج من إطار الشخصية النمطية في السينما لم يأخذه المخرجون المسرحيون على محمل الجد حين لم يتلفتوا إلى ناجي جبر الممثل المسرحي الذي (قد) يكون قادراً على أداء مختلف الشخصيات التراجيدية منها والكوميدية المسرحية بعيداً عن الشخصية التي اشتُهِر بها، لكن هذا لم يحدث وبقي ناجي جبر مسرحياً بانتظار النص الذي يضطلع ببطولته «أبو عنتر» وإن اختلفت الحكايات والمواقف التي يتعرض لها والتي تحدّها جميعاً حدود لا يمكن الفكاك منها.
في فترة من الفترات وعندما كنتُ عضواً في لجنة المشاهَدة في مديرية المسارح والموسيقا قيّض لي أن أتابع أكثر من بروفة كاملة ونهائية لعرض مسرحي لناجي جبر وقد لمستُ مدى استعداده لسماع الرأي الآخر وتوقه لتقديم مسرح جماهيري بعيد عن الابتذال وقريب من روح وعقل الجمهور بمختلف فئاته، كما كنتُ ألمس حزنه على ما آل إليه حال المسرح الشعبي من تدهور وشبه انقراض.
ناجي جبر اليوم ليس بعيداً عن خشبة المسرح –كما قد يظن البعض- بل يبدو اليوم أكثر قرباً منها وهو يرى –من على بُعد- مدى تأثّر جمهور حفل افتتاح مهرجان دمشق المسرحي فور سماعه لنبأ تكريمه وهو التكريم الذي وإن تأخر إلا أنه كان ضرورياً لفنان حاول أن يبقى ذكره حياً على شفاه الناس.. ونجحت