2013/05/29
سامر اسماعيل – تشرين
هنا يتحدث صاحب «إخوة التراب» عن فيلمه الجديد «ملك الرمال» وأسباب تعرضه للتهديدات بعد تحقيقه هذا الفيلم الذي يروي بسرد تاريخي مشوق نشوء المملكة السعودية،
كما يتحدث عن مسلسله« تحت سماء الوطن» الذي بدأ تصويره لمصلحة المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني، ولا يخفي صاحب «نهاية رجل شجاع» غضبه من مواقف بعض الفنانين السوريين الذين تعاملوا مع وطنهم كفندق تركوه عندما ساءت الخدمة؟
تشرين دراما التقت الفنان نجدت إسماعيل أنزور وكان الحوار الآتي:
بقيت في دمشق رغم كل الظروف، تعمل وتصور أعمالك، كيف ترى إلى مواقف بعض الفنانين الذين رحلوا عن الوطن في ظل الأزمة؟
للأسف معظم الفنانين السوريين لم يلتفتوا في السنوات الأخيرة لصياغة مفاهيم ثقافية تساهم في دعم الحياة المشتركة، بل تطرفوا نحو المال والشهرة وعبادة الذات، وذلك نتيجة المغريات الكبيرة التي قُدمت لهم من دول النفط، خذ مثلاً المسلسلات التركية المدبلجة التي تخطت حد المعقول على شاشات الفضائيات العربية، لتصبح هي المتن البصري للفرجة، فيما تراجعت الدراما السورية نحو الهامش، الآن أنت كفنان ليست مهمتك أن تقاتل لتصنع مسلسلاً، فالمعركة اليوم هي معركة بقاء كون الآخر يريد أن يلغيك تماماً، ومن هنا تأتي أهمية وعي الفنان لما يحدث حوله، فعندما تترك البلد وتغادر، هذا يعني أنك كفنان تخليت عن مشروعك الفني التنويري لتترك للآخر حرية العبث ببلدك، والفنان عليه مسؤولية تجاه الجمهور وتجاه ذاته، وعليه أن يصمد مثله مثل الجندي الذي يقاتل اليوم ضد هذا الإرهاب الدموي، فما يحدث من محاولات للنيل من سورية يثبت أن هذا الآخر مجهولة غاياته البعيدة حتى الآن، فما خفي أعظم، والذين غادروا خارج سورية نحو هذا الآخر؛ إما أن يكونوا في محل التقاعس أو الجبن أو أنهم جزء من المؤامرة، ولا يخرج علي أحد اليوم ويقول لي أنني لا أستطيع مغادرة البلد، هذا غير صحيح، الكل يستطيع المغادرة، الكل يستطيع التخلي، لكنني اخترت بكامل إرادتي البقاء في وطني والصمود فيه، وسورية اليوم قريبة جداً من نصر كبير، وكما يقولون: النصر صبر ساعة، ودمشق لن تسقط لأنها إذا سقطت لا سمح الله، لن يقوم للعروبة والعرب قائمة، فمن غير المقبول التخلي عن بلدنا بهذه السهولة التي غادر فيها من غادر، أما القادم من الخارج فليس لديه سوى لغة القتل والتدمير وإلغاء الهوية الوطنية، وأنا برأيي سورية الوطن مقبلة على تغييرات جذرية، فليس من الطبيعي أن نقول: إننا سنعود كما كنا سابقاً، لأننا كنا على خطأ، شئنا أم أبينا يجب أن نعترف بهذا الأمر، فلم نستطع أن ننمي الريف بشكل جيد، لم نستطع أن نبني إنساناً ونحقق له جزءاً يسيراً من طموحاته، ففي هذه الأزمة خسرنا الكثير من شبابنا ، كما خسرنا بنية تحتية دفع السوريون دمهم لإنجازها على مدى خمسين عاماً من العمل بعد الاستقلال، ولذلك نحن اليوم بحاجة إلى جميع السواعد السورية، بحاجة إلى دماء جديدة، وفكر جديد، وحتى إلى طريقة تفكير مختلفة حتى نستطيع الحفاظ على ما تبقى من هذا الإرث الوطني الذي أخاف عليه، وكل فنان غادر سورية مجبراً أو مكرهاً أو خائفاً أنا أدعوه اليوم للعودة إليها، فالمعركة التي تخوضها بلادنا هي معركة وجود وبقاء، وليجلس الجميع مع الجميع على طاولة واحدة، فمصلحة البلد ومصلحة الناس هي الأعلى، وخروج الفنانين من ممثلين ومخرجين وكتاب إلى الخارج كان خياراً خاطئاً، الفنان يجب ألا يدخل في اصطفافات سياسية يمكن لها أن تتغير بين ليلة وضحاها، الفنان يجب أن يحافظ على مسافة من السلطة وأن ينال احترامها كي يكون قادراً على أن يمرر رؤيته لأصحاب القرار فيها، فهؤلاء يحتاجون إلى من يقول لهم دائماً أين أخطتم وأين أصبتم، هكذا يكون تأثيره أقوى على هذه السلطة أو تلك، لكن الغريب هو هجرة الفنانين خارج وطنهم، وتسجيلهم مواقف سلبية تجاه الدولة، مع أنهم هم أكثر من كُرموا في سورية، هم أكثر ناس كانوا يتقاضون أعلى الأجور، فلماذا يأخذون موقفاً سلبياً من حكومة بلدهم؟ كيف يضعون أيديهم في أيدي قتلة يريدون أن يدمروا كل هذا الإرث الحضاري والفني لبلادهم؟! الفنان يجب أن يكون لونه من لون الوطن، فكروا قليلاً..فكروا بالذين يريدون تدمير البلد إلى أين سيأخذونكم؟ من أجل المال؟! المال وسيلة وليس غاية، الفنان في سورية مكرّم رغم أخطائه، الدولة ترعاه وتشتري أعماله السيئ منها قبل الجيد، وتعفيه من الضرائب فلماذا فعلتم ما فعلتم؟ أين مشكلتكم؟ هل هذا نوع من ركوب الموجة؟ أبشرهم أول أشخاص سيسقطون هم هؤلاء، فالآخر لديه مشروع رغم قبحه، لكن أنتم ما هو مشروعكم؟
الإشكالية هي سمة أعمال نجدت إسماعيل أنزور، أم هي رغبة دائمة في تحريك المياه الراكدة في العقل عبر الصورة والطرح الفني؟
الإشكالية تأتي لدي من وقوفي الدائم في وجه التطرف، هناك مخرجون سوريون لم يستطيعوا أن يحافظوا على إرثهم الفني، فليس كافياً أن أقدم عملاً أو عملين مهمين، المهم أن أصل لعقل الجمهور وقلبه في آنٍ معاً حتى أستحوذ على جزء من تفكير الناس، هذا ما نجحت به، الناس يمكن أن ينسوا الكثيرين، لكنهم لن يستطيعوا نسياني، أنا أسكن في ذاكرة الجمهور.
«تحت سماء الوطن» عبارة عن ثلاثيات تطل على اللحظة السورية الراهنة؟
هي المرة الأولى التي أتعامل فيها مع التلفزيون العربي السوري، ومؤسسة الإنتاج التلفزيوني قدمت لي نصوصاً تملكتها، لكنني فضلتُ أن نقدم عملاً من عشر ثلاثيات يتعرض للأزمة السورية، يكون حقيقياً وملامساً للوجدان السوري الجمعي، لكي نقدم مرآة للناس في هذه الأزمة، أين هم ذاهبون؟ والعمل سيكون نوعاً من الترميم الاجتماعي، وليس هجوماً على طرف من طرف، إطلاقاً، وليس مداعبة لطرف على حساب طرف آخر، فنحن مع الإنسان السوري في هذه الثلاثيات؛ ثم إن هناك خمسة كتاب يشاركون في تأليف هذا العمل، وهذا يعطي مناخاً آخر من المشاهدة، تتغير فيه الشخصيات وطبيعة الموضوع وأماكن التصوير، وهذا برأيي مهم بعيداً عن نمط الثلاثين حلقة التي عادةً ما تكون معرّضة للحشو الزائد وغير الدرامي لتمرير وقت على حساب المشاهد، لكن في هذا العمل تستطيع مشاهدة عشر مسلسلات بدلاً من أن تشاهد مسلسلاً واحداً، وجميعها يطل على ما يحدث في سورية اليوم، إضافةً إلى الرغبة المشتركة لدي كمخرج للعمل وعند إدارة المؤسسة لتشغيل جميع الفنانين الذين ظلوا في سورية ورفضوا مغادرتها رغم كل الظروف القاسية.
إلى أي حد تستطيع الدراما اليوم أن تصوغ رأياً عاماً في مواجهة سطوة نشرات الأخبار والبرامج السياسية؟
الدراما قادرة على صياغة الرأي العام، تذكر معي مسلسل مثل «ما ملكت أيمانكم» هذا العمل الذي استشرف وجود التطرف في المجتمعات العربية، مشيراً إليه بكل جرأة وتجرد، أيضاً الثلاثيات التي أحققها لمصلحة مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني سيكون لها دور كبير في صياغة وتكوين آراء أعتقد بأنها ستكون مدوية في الشارع السوري، خصوصاً عند المرأة السورية، فثلاثيات «تحت سماء الوطن» تتعرض في جانب منها لما تعرضت له النساء السوريات في مخيمات التهجير القسري عن الوطن، والفتاوى التي صدرت بحقهن، وكيف تم بيعهن خارج أوطانهن، وهن كن المحصنات مرفوعات الرأس في كنف الوطن.. ثم إن الثلاثيات ستكشف الدور السعودي في المتاجرة بنساء سوريات يتم تعريضهن لأقسى وأبشع أنواع الرق المبرر بفتاوى دينية، وهذا يأخذنا إلى فيلم «ملك الرمال» الذي حققته مؤخراً، والذي أفضح فيه مفهوم السبي والسبايا في الفكر الوهابي المتطرف.
«تحت سماء الوطن» يفضح الممارسات ضد النساء السوريات في مخيمات التهجير
ما قصة «ملك الرمال» وما الذي حرضك على تحقيق هذا الفيلم بالذات؟
أولاً السعودية هي من صدّرت عن إصرار وتصميم المسلسلات التركية المدبلجة للإساءة والتضييق على الدراما السورية عبر شبكة الـ mbc، فهذه الشبكة بالذات مسيسة والكل يعرف من يملكها، وكيف تدار ولمصلحة من، أريد أن أقول: إن النظام السعودي مثلما صدّر الإرهاب للعالم هاهو يصدّره لبلدي الغالي سورية، يكفي اليوم أن تذكر كلمة السعودية في أي مدينة من مدن الغرب الأمريكي حتى يتذكر الجميع أن آل سعود كانوا وراء أحداث 11 أيلول، ولهذا تضافر لدي الشخصي مع السياسي، فعكفت على صياغة فيلم «ملك الرمال» الفيلم كحالة دفاع عن النفس قبل كل شيء، فالعمل حرصت على أن يكون عملاً كبيراً إنتاجياً وفنياً، كونه يميط اللثام عن صفحات غير مقبولة، بل من المحرم على أحد في العالم العربي أن يكشف عنها، فتاريخ مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز بن عبد الرحمن بن آل سعود لها تفاصيل تلك الرحلة المشوّقة التي قام بها بعد خروجه من منفاه في الكويت، ومن ثم غزوه للرياض وإنهاء فترة حكم آل الرشيد هناك، وانتقاله بعدها إلى نجد وحائل والحسا عام 1921، وقضائه على الأسرة الهاشمية هناك بالتعاون مع الإنكليز عبر جاسوسهم الشهير جون فيلبي الملقب بـ«عبد الله المهتدي»، وكيف قام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن آل سعود بقتل كل خصومه بوحشية مرعبة وكيف قام بقتل عجلان الشمري بالتواطؤ مع المستعمر البريطاني للقضاء على الهاشميين والتخلص من العثمانيين في شبه الجزيرة العربية.
أمر آخر جعلني أقوم بإخراج «ملك الرمال» هو تشابه ما يحدث اليوم في المنطقة العربية من محاولة تقسيم المقسم، فلقد أنجزته فيلماً ناطقاً باللغة الإنكليزية، وأنتجته بمالي الخاص ومن دون أي علاقة لأحد في هذه المسألة، فلقد عانيت من حكاية التمويل في فيلم (سنوات العذاب) الذي تعرضت فيه لفترة الاستعمار الإيطالي لليبيا، لكن الرئيس الراحل معمر القذافي حين تصالح مع الطليان تراجع عن إتمام تمويل الفيلم فتوقف المشروع بالكامل،
ولذلك أحببت أن يكون (ملك الرمال) بعيداً عن أي تمويل أو بروباغاندا سياسية مضادة، حتى أتمكن من إطلاع الغرب والعالم على حقيقة النظام السعودي الذي يريد أن يعلمنا الديمقراطية وهو يفتقد لأدنى حد من أشكال حريات وحقوق الإنسان؛ اقرأ تاريخهم لن تجد أنهم رفعوا سيفاً إلا على العرب، إضافةً إلى أن الجميع يعرف أن المؤسسات الإعلامية الكبرى في العالم العربي تعود بملكيتها للنظام السعودي، وكان من السهل عليهم لو قدمته باللغة العربية وأده وشطبه من التاريخ، طبعاً أنا عربي قبل أن أكون سورياً وليست لدي مشكلة مع الشعب العربي الطيب في بلاد الحجاز، مشكلتي مع الإرهاب التتري المغولي البربري الذي تتعرض له سورية الحبيبة من قبل نظام آل سعود وسواه من مشيخات النفط، انظر إلى ما يجري الآن بعد مضي عامين في سورية على ما سموه ربيعاً،تجد أن هناك مخططاً واضحاً لإعادة تقسيم المنطقة، تماماً مثلما جرى بعد الثورة العربية الكبرى مطلع القرن العشرين والتي دعمها الإنكليز والفرنسيون للقضاء على العثمانيين فوقّعوا اتفاقيتهم الشهيرة (سايكس بيكو) وقسّمونا.. يا أخي.. هل ممنوع علينا حتى الدفاع عن النفس؟؟.
من ناحية أخرى حرصت على أن يكون هذا الفيلم مصنوعاً بسوية فنية عالية ورؤية تاريخية شاملة تجعله قادراً على منافسة أكبر وأضخم إنتاجات السينما في العالم، من دون أن أنسى القالب العربي الذي تمكنك ملاحظته في الفيلم بالحفاظ على الأغاني التراثية في بلاد الحجاز التي أعطت للفيلم نكهة فنية وبصرية خاصة، طبعاً مع التركيز على إسقاطات معاصرة عبر تقديم أمثلة من الحاضر السوري اليومي والذي يزداد تأججاً بفعل دعم المال السعودي الخليجي للإرهاب الدموي في بلدي الحبيب سورية.
لكن «ملك الرمال» عرضك لتهديدات مباشرة بالقتل، هل يستحق الموضوع كل هذه المجازفة؟
التهديدات دائماً كانت تطاردني لكنها اليوم أصبحت أمراً واقعاً، الحذر مطلوب لكنني لا أشعر بالخوف، فالخوف يشل التفكير ويمنعك من متابعة عملك، وهذا ما لن أسمح لهم بتحقيقه، فأنا لم أصل إلى مرحلة الخوف، ولا التوقف عن إكمال مشاريعي الفنية، مع أنهم حاولوا إيصال رسائل حازمة عبر وسطاء لشركة محاماة بريطانية ممثلة للعائلة السعودية الحاكمة، وقاموا بإجراء مفاوضات لشراء حقوق الفيلم، وهددوا بطل الفيلم النجم الإيطالي فابيو تيستي الذي قام بأداء دور الملك عبد العزيز في كهولته، وطلبوا منه إطلاعهم على مصادر تمويل الفيلم، وأماكن تصويره وأسماء الفنيين والفنانين الذين اشتغلوا فيه حتى يمنعوا عرضه، لكنني نجحت مع الشركة المختصة بتسويق الفيلم بتوزيعه في كل أنحاء العالم، فأنا كفنان يجب أن يكون لدي موقف مما يحدث على الأرض العربية، ولكن بأدوات تعبير مختلفة وراقية وقادرة على فضح المسكوت عنه ونبشه من محمياته ومقدساته المزيفة.