2013/05/29
ماهر منصور – السفير
مرّ شهران على إصدار مجلس «الجامعة العربية» توصية لإدارتي «نايل سات» و«عربسات»، بحجب القنوات السورية الرسمية والخاصة، عن مدار بثهما. وعلى مدار الشهرين الماضيين، بحثت تلك القنوات عن أقمار بثّ بديلة، مثل الأقمار الروسية والإيرانية، والتي تتقاطع حزمها مع حزم بث «نايل سات». وذلك في محاولة تحبط عملياً، ولو على نحو جزئي، تبعات الحجب.
وكان تأخر تنفيذ توصية الجامعة، أشاع جوّاً من الاعتقاد بأنّ توصية الحجب العربية وئدت في أرضها، ولم تتعدًّ حدود الإعلان عنها إعلامياً. إلى أن جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب منذ أيام، ليترافق مع قرار القمر الصناعي المصري «نايل سات» أمس الأوّل، وقف بث القنوات الرسمية السورية تنفيذاً لتوصية من اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا، حسب ما أفاد مسؤول في إدارة «نايل سات». وكان مصدر مسؤول في «نايل سات» أشار إلى أن القنوات الممنوعة هي «الدنيا» و«الإخبارية السورية» و«الفضائية السورية»، وقد تم وقف بثها اعتباراً من الساعة الواحدة ظهر الأربعاء، وذلك لأسباب تعاقدية». وهذا ما قطع الشكّ باليقين، وأكَّد أنّ ما من أحد عدل عن الأمر، وأنّ العرب ماضون في توصياتهم، من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار الانتقادات التي طالت قرارهم هذا، والذي وصفه كثيرون «بالقاصر والغبي». فهو يتنافى مع جوهر الحراك الشعبي في ما يُعرَف بـ«الربيع العربي»، حيث يُعدّ حق «الرأي والرأي الآخر»، ألف باء اللعبة الديموقراطية التي يُراد للمنطقة أن تعيشها.
وفي معركة «الرأي والرأي الآخر» تلك، خاض الإعلام السوري حرب مواجهة إعلاميّة مع عدد كبير من القنوات، أبرزها «الجزيرة» و«العربية». وما بين طرفي المواجهة الإعلامية، انقسم المشاهدون، كلّ بحسب اصطفافه السياسي في الأزمة السورية. فيما كانت فيديوهات «يوتيوب» تشكل مادة غنية لـ «كشف كذب الآخر»، إضافةً إلى التعليق على الأخطاء المهنية لكلا الطرفين، كبث قناتي «الجزيرة» و«العربية» لأشرطة فيديو لأحداث لم تقع في سوريا. فيما كان آخر ما تمّ ضبطه من أخطاء للإعلام السوري المرئي، تقرير قناة «الدنيا» من بلدة داريا، حين حاورت مراسلة القناة طفلتين، وهما تجثوان عند جثة أمهما.
على هذا النحو، بدت المعركة الإعلامية متعادلة ومشروعة. وكان من الطبيعي أن تصطف كلّ قناة خلف متراس من تمثله وتنطق باسمه. وإن كنا ندرك أنّه لا حيادية في الإعلام، وأنّ المطلوب موضوعيته، إلا أنّ المعركة السوريّة أطاحت الموضوعية أيضاً، وبشكل لم يعد بوسع المراقب رؤية ما يحدث على الأرض فعلاً.
يبدو اليوم أنَّ معركة «الرأي والرأي الآخر» تلك، قد حُسمت، مع تفعيل قرار حجب القنوات السورية. خرجت «الجامعة العربيّة»، كالخاسر الأكبر، بعد هذه القرار. فبحسب أيّ معيار تقيّم الجامعة ما تقدّمه المحطّات السوريّة على أنّه «رسائل مسمومة وتضليل وتحريض وتواطؤ ضدَّ الدم السوري»، في وقت يمكن توجيه التهم نفسها إلى فضائيات أخرى، وفي مقدّمتها «العربية» «والجزيرة».
منحت «الجامعة العربيّة» بقرارها الإعلام السوري نقطةً لمصلحته. خصوصاً أن الجامعة تعرف أن للطرف السوري أصدقاء يمتلكون أقمار بث، قد يكون بمقدور القنوات المحجوبة استخدامها، ومن هذه الأقمار ما يتداخل بثّه مع مجال بثّ «النايل سات». كما أنّ قنوات عربية غير سورية، تبثّ على القمر نفسه، يمكن أن تمنح بثّها للقنوات السورية إن اقتضى الأمر. وكانت قناة «المنار»، قالت في بيان تعليقاً على «إيقاف بث القنوات السورية على قمري عربسات ونايل سات»، إن هذا القرار «يأتي تنفيذاً لإرادة سياسية في حجب ومنع قنوات إعلامية رسمية وخاصة، لها خطها ونهجها الإعلامي الواضح في معاداة الصهيونية ومناصرتها للقضية الفلسطينية». من جهته، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف اليوم، أن قرار وقف البث الفضائي للقنوات السورية يقلص من إمكانيات التغطية الإعلامية للأحداث الجارية في سوريا. وكتب الديبلوماسي على «تويتر»: «إن وقف نقل بث التلفزيون العربي السوري من قبل القمرين «نايل سات» و«عربسات» يحدّ من الفضاء الإعلامي وإمكانية التغطية الإعلامية لما يجري في البلاد».
وهنا، لا بدّ أن نسأل، ما التأثير الفعلي لحجب القنوات السورية على الأرض في حل الأزمة السورية؟ وهل يمكن لذلك القرار أن يوقف نزيف الدم السوري؟ ألا تبدو الجامعة بقرارها هذا، كما لو أنها تغطي عجزها عن إيجاد حل للأزمة السورية. وكأنّ حالها مع القرار، حال من يجعجع بلا طحن.
أوضح التلفزيون السوري الرسمي، في شريط عاجل أنه يمكن متابعة «الفضائية السورية» على الترددات البديلة «نايل سات» 11680 أفقي، «عربسات» 12054 عمودي، «هوت بيرد» 12015 أفقي، و«الإخبارية السورية» على الترددات البديلة «نايل سات» 11390 عمودي، «عربسات» 12092 عمودي، وقناة الدنيا على التردد البديل نايل سات 10921 عمودي.
يُذكر أن من حق مجلس «جامعة الدول العربية» طلب وقف بث «التلفزيون السوري» على القمر الصناعي «عرب سات» من الناحية القانونية، لكون الشركة مملوكة من قبل «جامعة الدول العربية» منذ إنشائها في العام 1976. أما «نايل سات» فهي خاضعة للقوانين المصرية وغير ملزمة بتنفيذ القرار، لكونها خاضعة للقوانين المصرية التي تنظم شركات الاتصالات والمناطق الحرة.