2012/07/04
بوسطة – يارا صالح عندما بدأ في العام 1990 كمهندس ديكور في مسلسل "المغنون", لم يكن في اعتقاد موفق السيد أنه سيعمل بعد وقت قليل في أعمال شكلت نقطة فارقة في الدراما السورية.. رحلة مع الديكور والأزياء قدم موفق فيها الكثير من الإبداعات السينمائية والتلفزيونية.. بسعادة بالغة تحدث إلى بوسطة عن تجربته التي استفاد منها العديد من مهندسي الديكور ومصممي الأزياء الآخرين, وهو الأمر الذي يعتبره دليل مصداقية وأمان. أستاذ موفق.. لنعد إلى البداية.. ما هي دراستك الأساسية؟ دراستي الأساسية هي الفنون الجميلة, ثم (كونس ديزاين) وتخصص في السينما والتلفزيون في جامعة دوسيلدوف في ألمانيا, بالإضافة إلى دراسة إعداد وإخراج البرامج المنوعة. وماذا عملت في البداية؟ في البداية درَّست في معهد الفنون الجميلة التابع لوزارة التربية ومعهد إعداد المعلمين لمدة ثلاث سنوات, ثم ذهبت إلى الخدمة العسكرية, وبعد ذلك سافرت إلى ألمانيا لأدرس وأتخصص لمدة ثلاث سنوات أيضاً. أول عمل شاركت فيه كان اسمه "المغنون" إنتاج مشترك بين تلفزيون دبي والتلفزيون العربي السوري, ثم مسلسل "أبو كامل" من إنتاج مشترك أيضاً, وكنت إلى وقتها أعمل كمهندس ديكور فقط, وأول مسلسل قدمته كمدير ديكور وأزياء كان "شجرة النارنج" عام 1991, ثم توالت الأعمال فكانت "الشقيقات", "الفراري", "الثريا", "مقعد في الحديقة", "مقامات بديع الزمان الهمذاني", "جادك الغيث", "خالد بن الوليد" الجزء الأول, "قمر بني هاشم", "جرن الشاويش", "الشتات", وقد نال العديد منها جوائز وتكريمات محلية وعربية. في مجال السينما قدمت فيلم A1"" ونال جائزة أفضل مصمم أزياء في مهرجان القاهرة, و"المتبقي" ونال جائزة أفضل مصمم أزياء في مهرجان الفجر في طهران. دراستك الأساسية كانت الفنون الجميلة, وأنت فنان تشكيلي ولك العديد من اللوحات في المتاحف, وقد عملت أولاً في الديكور, ما الرابط بين الأزياء والديكور؟ الأزياء هي جزء من تشكيل الصورة, ويفضل أن يكون هناك تناسق بين مصمم الأزياء ومهندس الديكور, وإذا كانا شخصاً واحداً فإنه سيتمكن من خلق حالة التجانس. الأزياء في مهنة السينما والتلفزيون تختلف تماماً عن مفهوم عروض الأزياء, فهنا الأزياء تبدأ من نص أو فكرة أو معلومة تاريخية, وليست ابتكارية, وعمل الأزياء حصراً يكون في الأعمال التاريخية, وعلى المصمم استحضار الزمن والمكان بكل تفاصيله, فنحن مسؤولون عن كل الحالة البصرية, أي السينوغرافيا, ولنحقق هذا نحتاج إلى معلومة صحيحة, نحصل عليها من خلال المعلومة التاريخية أو وثيقة النص, سواء بالتفاصيل المعمارية كإدخال النقوش والزخارف أو الفرش المناسب, أو بالتنويعات التي تدخل عليه من إضاءة ليلية أو نهارية, بالإضافة للأشياء الحياتية المعاشة من إكسسوارات وأوانٍ وغيرها. هذا ينطبق أيضاً على الأزياء. إضافة إلى هذه العموميات هناك خصوصية لكل مكان فهل هو منزل شخص غني أو فقير أو أنه قصر, وما هي حالة ساكنه. هناك جانب آخر, فعلى كل من يعمل في تصميم الأزياء أن يراعي الحالة النفسية للشخصية حسب الحالة التاريخية وتغير الزمن, فمصمم الأزياء يساعد الممثل في تحقيق جزء من الأدوات المساعدة لأداء الدور. من أين تستقي مصادرك, وما هي أدواتك؟ أعتمد على المخزون الثقافي أولاً ثم على تضارب الوثائق والمعلومات, وبالتالي يكون هناك اجتهادات. كما لا يكفي أن نختار للمساعدين النماذج والأشكال بل يجب أن نتابع حتى تتم صناعة هذا التصميم ويصبح في متناول اليد, ثم يجب أن نتابع مع الإخراج حتى لا يحدث اختلاط بين المجموعات. هناك أيضاً مسألة الخصوصية لكل شخصية, فعمر بن الخطاب مثلاً مختلف عن خالد بن الوليد وبالتالي ملابسهم مختلفة, كذلك فإن اختلاف الحالة النفسية مهم, فحالة القائد العسكري في ميدان المعركة مختلفة عن حالته في المسجد مثلاً, وهذا ينعكس على ملابسه. هل تشعر أن الدراما هي حالة توثيقية بالنسبة للديكور والأزياء ويمكن الاعتماد عليها؟ بالنسبة لي شخصياً الأمر أمانة وعبءٌ كبير, ويجب أن أكون صادقاً, وقد قدمت أعمالاً تمت الاستفادة منها في أعمال أخرى, مثلاً في فيلم المتبقي كان هناك بعض الأزياء الموثقة, كما أنني بحثت في مصادري لأوثق بعض الأزياء الأخرى التي لم أجد وثيقة تخصها, لاحقاً في بعض الأعمال التي تتحدث عن نفس المرحلة, استفاد بعض المصممين من هذه الأزياء التي ابتكرتها, وقد أسعدني ذلك لأنني كنت على مرحلة من الأمانة والمصداقية, يكفيني أن الوثيقة التي قدمتها كانت في متناول اليد. هل تعاني من موضوع تطبيق أفكارك التي ترسمها في الأزياء والديكور على الأرض؟ هل يساعدك الفنيون والأدوات في ذلك؟ المسألة هي الإخلاص, عندما يكون طاقم المساعدين مخلصاً وخبيراً في عمله, ويعرف طريقتي في العمل. الآن لدي طاقم من المساعدين والمنفذين الذين يفهمون طريقتي, وبالتالي في أي عمل أرتاح في هذا الجانب, أما العقبات التي أواجهها فهي عندما يُطلب مني استحضار شيء تاريخي معين غير موجود سواء في العمارة أو في الإكسسوار. هنا لا أستطيع أن أحضر المعلومات أو النموذج من متحفٍ ما, وهنا تكمن الخبرة, فأستخدم تقنيات ومواد مختلفة لتصنيعه. وهل تتوفر هذه التقنيات لديك؟ هذه هي العقبة الثانية, فبعد الفكرة, التصميم, والمواد, تأتي التكاليف. الجهة المنتجة تلزمك بتكاليف معينة, وإذا لم تكن ضليعاً وصاحب خبرة عالية فلن تستطيع العمل ضمن هذه التكاليف المفروضة, وهذا يؤدي أحياناً إلى هبوط المستوى, الحل هنا أن نلجأ إلى مواد أقل تكلفة, لكن هذا الأمر يستهلك من جهودنا. ما هو الأمر الذي يمكن أن تتنازل فيه في التصميم؟ وإلى أية درجة؟ عندما أختلف مع الجهة المنتجة على شيء مطلوب ولا أجد له حلاً, فأنا أفضل أن لا يظهر الشيء, بدل أن يظهر بطريقة خاطئة, أما بالنسبة للأمور التي أستطيع حلها بطريقة ما فلا مانع لدي من تعديلها لتتلاءم مع إمكانيات الجهة المنتجة. غالباً عندما يقل الإنفاق يتحتم عليك تقليل المساحة والإنفاق, لكنني أستطيع العمل في المحدودية على أن أحقق الحد الأعلى المطلوب مني وربما لا يكون هذا الحد 100% ربما يكون 90 أو 80%, لكن مع بذل جهد وتعب أكثر, كما أن الوقت القليل يحد من حالة الإبداع, وهنا أضطر إلى الاعتماد على الخبرة فقط, وهي مهمة, لكن إذا كان المصمم مرتاحاً مادياً وزمنياً فهو بالتأكيد سيبدع أكثر. وما هي متاعب المهنة؟ الروتين الإنتاجي قاتل بالنسبة لنا, مثلاً يكون لديك عمل تاريخي فيه 412 (لوكيشن) تصوير وعليك أن تنجز هذا العمل في 90 يوم, والمعدل أكثر من أربع (لوكيشنات) في اليوم, فنتيجة الخبرة تستطيع تحقيقها ولكن دون إبداع, لكنني دائماً أقدم جهداً في كل أماكن التصوير مهما كانت مدة ظهورها قليلة, وفي هذا احترام للمتلقي, ولاسمي ونجاحي. أما الإشكاليات الأخرى فهي الإنفاق. الذي يذلل مشاكل الزمن هو الإنفاق المال, فهذا يمكن أن يساعدني بزيادة عدد المساعدين وكمية المواد, في أعمالي السينمائية الأخيرة كان هذا الأمر موجوداً, أيضاً في مسلسل "طارق بن زياد", الأمر هنا كان أن مدير شركة الإنتاج كان ذا حرفية عالية يعرف كيف ينفق, وبالتالي لم يَضِع الذي أنفقه, وبالدليل أننا حصلنا على جائزة أحسن ديكور في مهرجان القاهرة رغم وجود منافسة كبيرة من أعمال تاريخية عربية كبيرة. هل ترى أن المهنة كانت في الماضي أجمل, أم أنها الآن أجمل؟ بالنسبة للجانب الإنتاجي أصبح هناك حرفية أكثر عند الجهات المنتجة, وكلما زادت خبرة الجهة المنتجة ممكن أن تزيد سهولة العمل. ما هو طموحك بالنسبة لهذه المهنة في الإنتاج السوري؟ ينقصنا الحرفية وأن يتحول عملنا إلى صناعة فنحن حتى الآن هواة, وأقصد في تحولها إلى صناعة أن يأخذ العاملون حقوقهم المتعارف عليها على غرار الدول التي فيها صناعة سينما أو صناعة دراما, بالنسبة لنا الأجور تتراجع أحياناً بدل أن تتقدم, وبالتالي كعاملين نبذل جهداً أكبر ونكتسب خبرة, ولكن هذا الأمر لا يُراعى. معنوياً موفق السيد غني عن التعريف ولكن هل تحس أنك تأخذ كامل حقك المادي؟ في بعض الأحيان أحصل عليه بالحد المتوسط, أما بالحد الأعلى الحقيقي الذي يستحقه صاحب هذه المهنة فنحن بحاجة للكثير من الوقت, كما أننا لا نملك حقوق ملكية, فلو قدمتُ فيلماً سينمائياً سينتهي دوري بنهاية عملي, بينما في الغرب أو هوليود, فللمصمم نسبة من أرباح الفيلم طالما أن يحقق أرباحاً على شباك التذاكر, هذا الأمر غير موجود هنا ولا نعرفه, وممنوع حتى أن نتحدث فيه. من جانب آخر الأجور الحقيقية ليست مُستحقة بسبب أن أكثر مجالنا هو تلفزيوني. فعندما يكون هناك إنفاق أكثر على الأجور في العمل التلفزيوني لا يمكن تحقيق العمل, وهنا نحن مضطرون للقبول, أما في عالم السينما فمن الممكن أن يكون أجر مهندس الديكور في عمل واحد فقط يوازي ما أجنيه من عمل عشر سنوات. أتمنى أنا أن نصل إلى هذا المستوى. وهل نسير على الطريق الصحيح؟ هناك بعض القائمين يحاولون السير على هذا الطريق مع إصرارهم على تحقيق الهدف الأسمى الإعلامي والتجاري, وهناك بعض من يتعثرون ويواجهون عقبات كثيرة, وهو الأمر الذي أتمنى أن نتجاوزه لأنه يؤثر سلباً وبالتالي تتراجع هذه المهنة. هل أنت متفائل أو متشائم؟ (مبتسماً) متشائل. في الختام.. كلمة أخيرة لموقع بوسطة. أشكركم كثيراً, لأن الآخرين سيتعرفون علي من خلالكم وهذا دليل أن موقعكم مهم جداً لأشخاص مجهولين وراء الكاميرا ووراء الشاشة, وهذا واجب إعلامي يقع على عاتقكم. أتمنى لكم التوفيق. أستاذ موفق.. شكراً جزيلاً.