2012/07/04
عمر محمد جمعة – البعث
شأن الكثير من الموضوعات التي تصدّت لها الدراما السورية، شغل الموتُ بأسبابه ومبرّراته الكثير من المساحات والزوايا في المُنجز الدرامي السوري، واحتل حيّزاً لا بأس به في النصوص التي قُدّمت، وكل ذلك متأتٍ، بالتأكيد، من سياق طبيعة الحياة المتبدّلة المتغيّرة، المنتهية إلى فناء طبيعي (الموت) أو قسري (القتل). ولئن كان الموتُ علامة تشي بالحزن والفقد والافتراق، فإن تمظهراته وتجليّاته في بعض الأعمال الدراميّة، أخذت أبعاداً مختلفة جديرة بالانتباه، ولاسيما إذا تذكّرنا لجوء المخرج المبدع نجدة أنزور في مسلسله "الجوارح" إلى فلسفة الموت في حلّ إخراجي يقضي بإحراق جثّة الميّت (حاتم علي) قبل دفعها لتطفو على النهر، في تراجيديا تشابه بعض العادات والتقاليد الهنديّة القديمة والمعاصرة، وتنبئ بانفتاح الدراما المحليّة واتجاهها نحو آفاق معرفيّة تنبش وتتقصى طقوس ومعتقدات الأمم الأخرى.
أما حضور الموت كرمز ودلالة وعنوان، فقد كان بادياً في الفانتازيا التاريخيّة ذات الإسقاط السياسي "الموت القادم إلى الشرق" الذي كتبه هاني السعدي وأخرجه أنزور نفسه، وكان الموت هنا ترميزاً لصورة العدو القادم، حيث يحكي المسلسل قصّة أربعة أشخاص يأتون إلى مملكة يحكمها ملكٌ عادل يحبُّ شعبه وشعبه يحبّه، يقوم هؤلاء الأشخاص الأربعة بالتغرير بالوزير لكي يتخلّص من الملك ويكون هو الحاكم، لكنه يكون كالدمية في أيديهم يحركونها كما يشاؤون. وقد أثار هذا المسلسل جدلاً كبيراً خلال عرضه، إذ رأى البعض فيه، وبدلالة الموت، جرعة عالية من الترميز السياسي إلى الواقع المتشظّي الذي تعيشه الأمة العربية إزاء قضية فلسطين، حتى ذهبوا إلى القول: إن الرمز في هذا المسلسل يشير إلى احتلال الصهاينة لفلسطين، وكل شخصيّة أو حدث يرمزُ إلى شيء.. فالتّجار هم اليهود المحتلون، والوزير عباد هو الحاكم الضعيف الذي لا يملك من الحكم إلا كرسيّه، وابنته شمس ترمز إلى القدس الشريف، والحاكم نهار هو العدل والسلام المقتولان، وسيف بن الصافي هو محرّر القدس. فيما رأى آخرون أن الأمة المستكينة، بضعفها وتهاونها تحفر قبرها، وبالتالي موتها، بيدها لا بيد الوافدين الغرباء!.
وعلى الضّفة الأخرى، بدا الموتُ القسريّ حلاً إخراجيّاً اتُهم به بعض المخرجين لتغييب فنانين تركوا العمل إثر اختلاف في الرؤية أو التعاطي مع الشخصيّة، تماماً كما جرى في مسلسل "باب الحارة" للمخرج بسام الملا، إذ طال الموت أولاً "الادعشري" كحلّ منطقيّ ونهاية طبيعيّة للرجل الذي سرق وحلف يميناً كاذباً، قبل أن يعترف بجريمته (قتل الحارس أبو سمعو) وهو في النزع الأخير، ويومها نفى الفنان بسام كوسا الخروج عن النص الأصلي في "باب الحارة"، وأن موت "الادعشري" لم يكن حلاً دراميّاً طارئاً بغية إنهاء خلاف بينه وبين المخرج بسام الملا، بل كان نهاية طبيعيّة لتلك الشخصيّة المحورية المركبة.
ولعل ما فاجأ محبي ذلك المسلسل واستدعى ردود أفعال وشائعات تناقلها الإعلام قبل الشارع، هو موت أبو عصام (عباس النوري)، وهنا فعلاً كان الموت – كما أكد البعض- حلاً إخراجيّاً لإبعاد العمل عمّا قيل يومها إنه خلاف نشبَ بين المخرج الملا والفنان النوري، إذ افتُتحت الحلقة الأولى من جزئه الثالث بجنازة "أبو عصام"، ليؤكد النوري فيما بعد هذه الشائعات التي سبقت عرض الجزء المذكور، ومن أنه لم يكن على علم بالأسباب التي أماتت "أبو عصام" وأبعدته من "باب الحارة"!!.
أما موت"العكيد أبو شهاب" فقد كان فصلاً آخر من فصول الحلول الإخراجية التي تنتهي بالموت، إذ اختفى "أبو شهاب" فجأة، في ترجمة أخرى للخلاف الذي ظهر للعلن بين الفنان سامر المصري والمخرج الملا، على خلفية استثمار المصري لشخصيّة "أبو شهاب" في إعلان تجاري، رأى الملا فيه إساءة للشخصيّة بل للعمل برمته، واستدعى التخلّص من "أبو شهاب" في موت قسريّ، أوقف البعض أمام سؤال عن مشروعية وحق المخرج في تغييب فنان على حساب أحداث دراميّة ينتظرها الجمهور ويتعلّق بتحولاتها أنّى اتجهت.
حضور الموت مهما كانت دلالاته وعلى أي معطىً انبنى، طبيعياً كان أم قسرياً، حريّ البحث فيه والانتباه إلى تجلياته، فقد شكّل للبعض كما ذكرنا فلسفة ورؤية خاصة، فيما كان عند البعض الآخر حلولاً إخراجية وحسب، نخشى أن تُدخل الدراما إلى غرفة العناية المركزة، وربما إعلان موتها على أسوأ تقدير؟!.