2013/05/29
علاء الدين العالم – تشرين
لطالما كان الفنان السوري «باسم ياخور» خير مثال على الممثل الذي يمكن من امتلاك الشخصية التي يؤديها ويسيطر على خيوط هذه الشخصيات بحيث يطوعها ويتمكن من تحريكها بشكل يظهر إمكاناته كممثل، فانطلاقاً من تعاونه مع المخرج «هشام شربتجي» في سلسلته «عيلة النجوم» مروراً بتجربته الثنائية مع الفنان «أيمن رضا» والمخرج «الليث حجو» في «بقعة ضوء» وصولاً إلى «ضيعة ضايعة» بجزأيه والخربة مع «الليث حجو» استطاع باسم ياخور حفر اسمه كعلامة فارقة في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية.
تطويع الصوت والجسد في خدمة الشخصية
من أهم الأدوار التي لعبها الفنان باسم ياخور هذا العام شخصية «ابو نبال, شيخ الوادي» في المسلسل الاجتماعي «الولادة من الخاصرة, ساعات الجمر» تأليف «سامر فهد رضوان» وإخراج «رشا هشام شربتجي».. أبو نبال ذلك الرجل العنيف والقاسي في سرايا الدفاع، هذا الماضي الذي مهد له أن يحصل على ما يرغب بقوة السلاح... إن هذه الشخصية المعقدة التي تحمل جانبين متناقضين أولهما قسوة «أبو نبال» المطلقة, وثانيهما إنسانية شيخ الوادي مع من يحسنون إليه، ومثال ذلك موقفه الإنساني مع «جابر، قصي خولي» حين حماه الأخير في منزله... إن شغل ياخور على هذه الشخصية ظهر من خلال عمله على تطويع جسده في خدمة الدور, بمعنى أن ياخور استفاد من قامته الفارعة وضخامة جسده ووظفهما كمعادل جسدي لما يمتلك أبو نبال من قسوة في الطباع والقلب, ومثال هذا الشغل على الجسد هو المشهد الذي يدخل فيه شيخ الوادي إلى الديسكو ويطلب من مهندس الصوت إطفاء الأغاني التي يضج بها المرقص, ومن ثم يبدأ بإطلاق الرصاص في الفراغ, وبعد أن ينتهي من هذا الفعل يقول: «مشاريب الجميع على حسابي» ويجلس على طاولته.
إن هذا المشهد لا يبرز مدى قدرة ياخور على تطويع جسده وحسب, إنما يظهر شغل ياخور على عكس قساوة قلب شيخ الوادي من خلال يديه القويتين القادرتين على حمل السلاح ورمي الرصاص من دون أن تهتزا، وما ميز أداء باسم ياخور لشخصية «أبو نبال» أيضاً هو لعبه على إظهار طبقة صوت خشنة وفتح صوته لدرجة عالية تناسب شخصية «أبو نبال» وهذا ما ظهر في معظم مشاهد «أبو نبال», أما في المشاهد الرومنسية لـ«أبو نبال» مع صاحبته رندة, فقد اشتغل ياخور على التكلم بصوت منخفض نسبياً لضرورة الغزل مع احتفاظه بهذه الخشونة القاسية في نبرة الصوت.
إن أداء باسم ياخور لشخصية «أبو نبال» بهذا الشكل وعمله كممثل على إخضاع جسده وصوته في خدمة الشخصية, أضفى المزيد من الصدق والواقعية على شخصية «أبو نبال» المكتوبة بعناية وحرفية .
مسعود..... الشغل على الكاركتر
بالتميز ذاته الذي لمسناه في أدائه لشخصية «أبو نبال», أدى الفنان «باسم ياخور» شخصية «مسعود» في مسلسل المفتاح تأليف «خالد خليفة» وإخراج «هشام شربتجي».
إن إتقان ياخور لأداء هذه الشخصية كان على مستوى مغاير لما اشتغله في «أبو نبال», فمسعود هو رمز للفساد في المجتمع, ويمثل انعكاس هذا الفساد على الواقع الاجتماعي للفاسدين... والمميز في شخصية مسعود أنها شخصية تظهر غير ما تبطن فنراه يبتسم أمام احدهم مع العلم بأن صدره يعتمل بالغضب تجاه من يبتسم له لكن المصلحة المادية في المرتبة الأولى وهي الدافع لكبت هذا الانفعال الداخلي... إن أداء شخصية كهذه ليس بالهين بسبب تناقض انفعالاتها الظاهرة وعواطفها الكامنة على الدوام, وهنا ظهر اشتغال ياخور من خلال التماسه لهذه النقطة الجوهرية في شخصية مسعود، حيث إن ياخور استطاع العمل على الجانبين في الوقت ذاته من خلال شغله على صناعة كاركتر خاص بالشخصية قائم على رجل أنيق ووجه مقطب الحاجبين في دلالة على الحالة الجوانية للشخصية، إضافة إلى ابتسامة دائمة ومشية متوازنة تضاف إليها نبرة صوت رخيمة وهادئة في الوقت ذاته، تعبر عن المظهر الخارجي للشخصية ومحافظة ياخور على هذا الكاركتر في ظل الانقلاب الجذري الذي يصيب شخصية «مسعود» من كونه مجرد معقب معاملات إلى صاحب املاك فاسد، ولم يقف جهد ياخور في إتقان الشخصية عند هذا الحد، بل وصل إلى ذروة التميز في المواقف التي يظهر فيها جوانية مسعود العنيف، ولاسيما ما قبل الانقلاب الجذري الذي أصابه، وأمثلة ذلك كثيرة منها مشهد طلاقه لـ«ليلي» وكيفية تعامله مع «أبو منير، علي كريم» ومع حماته..
إن أداء الفنان باسم ياخور لهذه الشخصية يدل على القدرة التي يمتلكها هذا الفنان في صنع كاركتر لا يناسب الشخصية وحسب بل يجمع بين نقيضيها الداخلي والخارجي.
لم يقف تميز الفنان باسم ياخور هذا العام عند أدائه لشخصيتي «أبو نبال» ومسعود، بل تعداه إلى أدوار أخرى ولاسيما الأدوار الكوميدية التي لعبها في «مسلسل بقعة ضوء 9» إخراج عامر فهد.. إن هذا الأداء اللافت يدل على ممثل من طراز رفيع وفنان قل نظيره.