منى واصف.. «أم الدراما السورية»

تشرين

أطلت الفنانة القديرة منى واصف هذا الموسم في أربعة أعمال، واحدٌ منها ينتمي لدراما البيئة الشامية «طاحون الشر»، والثاني دراما اجتماعية «ساعات الجمر /الولادة من الخاصرة 2»،

إضافة إلى مسلسلين تاريخيين هما: «عمر» عن سيرة أمير المؤمنين، و«إمام الفقهاء» عن سيرة جعفر الصادق، كما كان لها مشاركة خاصة في مسلسل «أبو جانتي 2».

وفي كلا العملين «طاحون الشر»، و«ساعات الجمر /الولادة من الخاصرة 2»، أدت فنانتنا القديرة دور الأم بعدما قررت منذ تسعينيات القرن الماضي - حين اعتزلت المسرح وتحديداً بعد مسرحية «حرم سعادة الوزير»، أن تتوجه نحو أدوار الأمومة في السينما والتلفزيون.

تحتفظ ذاكرة المشاهد، بالعديد من النماذج لأدوار الأمومة التي قامت بأدائها صاحبة «صرخة أسعد» في مسلسل «أسعد الوراق»، بدءاً من مسلسل «هجرة القلوب إلى القلوب»، و«نهاية رجل شجاع»، و«أمهات»، و«بكرا أحلى»، وليس انتهاءً بـ «الولادة من الخاصرة»، و«طاحون الشر»، و«إمام الفقهاء»، و«ساعات الجمر /الولادة من الخاصرة 2». ولا ننسى دور «أم جوزيف» في الأجزاء الأخيرة من مسلسل «باب الحارة» والتي تميزت فيه بالقوة الهائلة التي تطلبها الدور.

ويجمع السواد الأعظم من الفنانين السوريين على أن السيدة منى واصف هي الأجدر بلقب «أم الدراما السورية» نظراً إلى عمرها الفني الطويل الذي قدمت خلاله طوال عقدين عشرات الأدوار والشخصيات الناجحة. هكذا، ترسّخت صورتها في ذاكرة الجمهور. ونالت الفنانة السورية هذا اللقب عن جدارة من قبل أبنائها بحسب ما يعتبره الفنانون الذين تربوا على فنها وأدائها.

ولقد كان نجاح «سيدة الشاشة السورية» في فيلم «الرسالة» في دور «هند آكلة الكبود»، بمثابة جواز سفر للعالم العربي، ولتعلن عن وجودها من خلال دورها الذي أدته بجدارة أمام عدسة المخرج العالمي السوري مصطفى العقاد. هذا الدور الذي جعلها من أشهر الممثلات في الوطن العربي. ومنذ ذلك الزمن لفتت الأنظار إليها في كل أدوارها حتى الثانوية منها، فهي بقدراتها الفنية العالية وأدواتها الاحترافية، المسرحية بالدرجة الأولى، أعطت الأدوار التي تختارها بعداً آخر بأداء مميز.

الأم الدمشقية.. تفرد بالحضور والأداء

وقد أحال أداء السيدة منى واصف أو «الأم» في هذه النماذج إلى مستوى من الرمزية، فهي رغم اختلاف أدوارها من مسلسل إلى آخر، إلا أنها بقيت مسيطرة على تفاصيل أدوارها، فهي حيناً الأم الطيبة المكسورة، وأحياناً الأم القاسية ذات النزعة السلطوية.

ورغم أنّها برعت في تقديم جميع الأدوار مهما كانت معقدة، إلا أن تجسيدها لدور الأم لم يغرقها في النمطية والاستسلام للركائز المعتادة والمتفق عليها كأساس لصورة الأم في الدراما أو السينما، وقد حصلت على جوائز عدة لأدوار الأم التي جسّدتها.

ولعل هذا هو السبب في أن «أم جابر» باتت في عيون من يكتبها على الورق، وفي عيون الكاميرات التي استسلمت أمام موهبتها فتركتها على سجيتها، تباغت عدساتهم بدمعها وشجاعتها وغريزتها الأمومية.

ولأنها لا تقبل أنصاف مواقف أمام شاشة التلفزيون، أو أن يكون دورها أو دمعها أفعالاً سكونية يضعها الكاتب والمخرج في نهاية المشهد. فقد أيقن الكتاب والنقاد أنها باتت تتفرد بأداء هذه الأدوار، التي أجادتها في كل ما قدمت، بعيداً عن النمطية المتفق عليها في عوالم الدراما.

في مسلسل «طاحون الشر» للمخرج ناجي طعمة الذي تدور عدسته في البيئة الشامية لأول مرة، تؤدي فنانتنا دور أم لابنة تتوفى وابن يدعى «زيدو» وهي داية في إحدى حارات الشام تغيب مدة (30) عاماً عن حارتها لتعود وتأخذ حقها فتخلق الكثير من المشاكل مع عودتها لفتح قصص طويت منذ زمن وسنجدها تحارب لتحقيق ما عادت من أجله.

وفي هذا الدور تلامس «أم زيدو» شغاف قلوبنا بعينيها المغرورقة بالدمع ودفء صوتها وهي تحنو على «زيدو». كما تأسرنا في مواقفها الصلبة وهي تنال ممن ظلم ابنها الذي لم تلده.

وبقدراتها اللامنتهية على الاجتهاد، تأخذنا الأم الدمشقية «أم زيدو» بأحزانها وأفراحها لعوالم الأمومة، دون تصنع في المواقف فتبكي وتضحك من قلبها على حد سواء بأداء احترافي نادر، وإحساس صادق يرسم الحزن أو الابتسامة على وجوه المشاهدين، الأمر الذي أعطى أداءها طابعاً متفرداً في درامانا السورية والعربية.

أما في الجزء الثاني من مسلسل «ساعات الجمر/ الولادة من الخاصرة»، والذي اتصف بالجرأة الكبيرة وتجاوزه للخطوط الحمراء، نعيش مع «أم جابر» تلك الأم التي تحمل هموم العائلة لتوصلها إلى بر الأمان مما تمر به من أزمات وفقر وقهر وقساوة في الحياة.. مع نهاية مفتوحة لمصيرها وعائلتها لوجود جزء ثالث للعمل.

وفي هذا الدور تعري (واصف) بأمومتها الفياضة قسوة الحياة التي تتعرض لها هذه الشريحة، فتأسرنا وهي تغمر ابنها (قصي خولي) بحنانها، ونعيش معها آلامها ومعاناتها من ألم وظلم وفقر.

وحتى ترضي إحساسها كفنانة عندما تقدم أعمالاً تاريخية على حد تعبيرها، نراها تحل ضيفة على المسلسل التاريخي «إمام الفقهاء» عن سيرة جعفر الصادق، تأليف حامد العلي وإخراج سامي الجندي، ووفقاً لصاحبة الشخصيات المؤثِّرة في تاريخ الدراما السورية، فقد أحبت العمل لكونه ينتمي إلى الدراما التاريخية، التي تعدّها سبباً في شهرتها، ناهيك عن أداء الدور باللغة الفصحى التي تستهويها كثيراً. كما أن الدور أيضاً شدها لأدائه فهي تجسّد فيه دور شخصية امرأة متمسكة بالحياة رغم موت ابنها الحداد حرقاً، إلا أنها تستمر في الحياة رغبة منها في الدفاع عن حقوق المظلومين.

وفي مسلسل «عمر» عن نص الدكتور وليد سيف وإخراج حاتم علي، تجسد «فنانتنا العاشقة للتاريخ» شخصية الصحابية «الشفاء بنت عبد الله»، التي أعلنت دخولها في الإسلام قبيل هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة، وتحملت شتى أنواع العذاب من كفار قريش، لرفضها العودة إلى عبادة الأوثان. ويسلط العمل الضوء على الدور الكبير الذي كانت تتقلّده المرأة في صدر الإسلام أيام الخلفاء الراشدين.