2012/07/04
معن البياري – دار الحياة
انشغل الوسط الإعلامي في مصر، بُعيْدَ نجاح الثورة، بالمذيعين في التلفزيون المصري، وغربلة مواقفهم واصطفافاتهم السابقة. واستطاع ضغط، كان فيه صواب وخطأ وغيرة ومكايدات وحق وباطل، أَن يزيح مذيعين عن برامجهم، وأَن يُجدِّد وجوهاً على الشاشات.
لم يعتنِ المشاهدون العرب بهذا الأمر، حين اتجهوا إلى برامج الحوار في هذه القنوات، ليتعرفوا الى ملامح من مصر التي تستجد، ولم تكن تستهويهم تلك البرامج قبل ما انعطفت إليه مصر بعد «ثورة يناير»، بسبب قلَّة جاذبيتها ومحاباتها المسؤولين، ولأَن الفضائيات العربية، المركزية تحديداً، ظلت توفر حوارات مع فاعليات مصرية متنوعة الخيارات والمواقع.
بعد الثورة، بان ميل لدى مشاهدين عربٍ نحو القنوات المصرية، فصاروا يكتشفون، على شاشاتها، طاقات وكفاءاتٍ مصرية أخرى، وقد طرأَت حيوية في هذه البرامج، فانجذب مشاهدوها إلى مستوى راق من النقاش حول قضايا مصر الجديدة.
لم يشغل المشاهد العربي لهذه البرامج نفسه بالذي كان عليه هذا المذيع وذاك، وكيف عُيِّن في موقعه وكم كان راتبه. اهتمَّ بأَنْ يتفرَّجَ على لحظة مصرية تاريخية حقاً، استضافت خلالها لميس الحديدي، قبل إزاحتها عن التلفزيون الحكومي، صنع الله إبراهيم، وهو ما كان من المستحيلات، وحاور خيري رمضان، قبل إبعاده أَيضاً، قيادات شبابية لـ»ثورة يناير»، أَدهشت المشاهد العربي بوعيها المتقدم، وبكفاءَتها في معرفة واقع بلدها ومعادلاته.
وبين برامج الحوار غير القليلة، يحتفظ «العاشرة مساء» للمذيعة منى الشاذلي في قناة «دريم» بمكانةٍ خاصة. وإلى جدّة الموضوعات وجديّتها وراهنيَّتها فيه، وتنوع ضيوفه، فإنَّ حسن إعداده وجودة تقديمه وإدارته أَسباب ساهمت في أَن تزيدَ نسبة مشاهديه من المصريين، ومن العرب تـــالياً. وقد جعلت له كفاءَة مقدمته في محاورتها الضيوف، وفي تنويعِ أَسئلتها لهم، موقــعاً متقدماً بين برامج الحوار. وضاعفت قوةُ حضورها متابعته، واختبر مشاهدوه تلقائيتها في طرح أسئلتها، وأُعجبوا بأناقتها وبشاشتها، سيما وأَن في إطلالتها شيئاً من سعاد حسني.
كتب الروائي المصري عزت القمحاوي الصيف الماضي أَن منى الشاذلي «ظرف تاريخي في مصر، في إِحالةٍ إلى تميُّز برنامجها وسط عادية برامج الحوار وتقليديَّتها في مصر. ولعل اختباراً حقيقياً صار يمرُّ به «العاشرة مساء» بعد الثورة، بعدما استجدَّت على الشاشة المذكورة تحولاتٌ إيجابية، في محاولات التلفزيون الرسمي إزاحة طبقات الرتابة المتراكمة عليه، والانتقال إلى فضاءات من الحرية والتنوع. وإذ يجدْ معدّو «العاشرة مساء» أَنفسَهم مطالبين بحــماية ما تحقق له من موقــعٍ طيــبٍ في خريـــطة هذه البرامج، فإنهم يطمئنون، بمقادير وفيرة، إلى أنَّ تقديم منى الشاذلي له عنصر قوةٍ، ما يوجب حرصاً دائماً على تحصين حضور هذه المذيعة من أَيِّ رتابة.
إن كانت منى الشاذلي «ظرفاً تاريخياً في مصر» قبيل الثورة، فإنها ضرورة مصرية وعربية معاً، لأَنَّ المشهدَ هناك في المرحلة الراهنة، الانتقالية والجوهرية معاً، تحت مجهر المواطن العربيِّ الآن، يُراقبُه باهتمامٍ خاص، لتوقه إلى مصر مغايرة عمّا كانت عليها. وإِذ يستضيف «العاشرة مساء» في أَحدث حلقاته وزير العدل المصري محمد الجندي، فيستمع المشاهدان، المصري وغير المصري، عن إِجراءات السلطات لاسترداد أَموال مصر المنهوبة في الخارج، إذ نستمع إلى هذا كله من الوزير المختص، رداً على أَسئلة منى الشاذلي، فإنَّ تفاؤلاً كبيراً يغشانا بمستقبل مصر. وإِذ تحاور المذيعة القديرة رئيس حركة «حماس» خالد مشعل مساء يوم توقيع المصالحة الفلسطينية، وتسأَله عن هواجس في الشارعين المصري والعربي، (لعلهما في بعض الأوجه شارعاً واحداً)، فذلك يشحن البرنامج بطاقة انجذاب المشاهد العربي إليه. وهو المشاهد الذي انتقل من الفضائيات الإِخبارية في ساعة متأخرة مساءَ يوم إعلان تنحي حسني مبارك إلى «دريم» لمتابعة أَول إطلالة لمحمد حسنين هيكل على شاشة مصرية منذ سنوات، حين حاورته منى الشاذلي، بكفاءَة، عن اللحظة التي استجدَّت قبل ساعات فقط على مصر.
استضاف «العاشرة مساء» مرشحين لرئاسة مصر، وتعتزم الشاذلي مواصلة حوارات مع الآخرين، ووعدت المشاهدين بتنظيم مناظرات مع بعضهم. وهذه حلقات موصولة بالطابع العام للبرنامج الذي راكم نجاحه منذ سنوات في إيجاد مساحاته الخاصة التي كان يناور فيها مع النظام السابق، ومسافاته من ذلك النظام، وإِن تبدّى، أَحياناً، أَنَّ اقتراباً من بعض رجالاته ورموزه كان يوفر مادة إعلامية لاستكمال تفاصيل اللوحة المصرية المخدوشة كثيراً بالفساد والترهل.
بعد نجاح الثورة، يبدو البرنامج متعاطفاً مع الحكم الانتقالي الجديد، ومتفهماً له. اما المشاهد العربي فيجد نفسَه معنياً، فينصرف في العاشرة مساء، في توقيت مصر، إلى «دريم»، حيث منى الشاذلي، بإيقاع حديثها الهادئ وحضورها اللطيف، وشخصيتها القوية أيضاً، تحاور وجوهاً في السياسة والفكر والإعلام والثقافة، ومدنيين وعسكريين في السلطة. وبذلك، قد يجوز الزعم بأن الشاذلي إذا كانت، كما يرى كاتب من بلدها، ظرفاً تاريخياً في مصر، فإنها ضرورةٌ عربية أيضاً.