الحدث السياسي والاجتماعي كان حاضراً بقوةٍ في أعمالك الثلاثة الأخيرة (ضيعة ضايعة، الخربة، ضبو الشناتي)، سواءً بشكلٍ صريح أو ضمني. ما الهاجس الذي دفعك إلى تناوله؟
أنا أؤمن بأن الكاتب يعبر دائماً عن ذاته، ويتطرق إلى ما يقلقه. كل ما طرحته في كتاباتي كانت موضوعات تقلقني كفرد من هذا المجتمع الذي يحاول أن يرتقي بنفسه، وبالوقت نفسه فإن ما عبرتُ عنه كان في مجمله هواجسَ جماعية تقلق المجتمع بأكمله، هذا هو السبب الأساسي، إضافة إلى نوع الكتابة التي أمارسها وهي الكتابة الساخرة والتي يعتبر النقد واحداً من أهم وظائفها.
يصف البعض أعمالك بأنها كانت «نبوءات» إلى ما آلت إليه حال البلاد؟ ما رأيك في ذلك؟ ومن أين انطلقت في قراءتك التي قدمتها؟
بطبيعة الحال ليس هناك أية نبوءات، هي مجرد توقعات مبنية على معادلات شبه رياضية، واحد زائد واحد يساوي اثنان، في المجتمع كذلك لا نبتعد كثيراً عن هذه المعادلات، الفساد والاستبداد أمراض تصيب الدولة والمجتمع المنضوي تحت لواء هذه الدولة، أينما كانت، ومثل أي جسم يتعرض للمرض فإنه سيتعرض للخراب في نهاية الأمر، هذا الخراب يكون تدميرياً هنا وجزئياً هناك، ولكن يمكن توقعه، الفساد والاستبداد يقودان إلى الطرق المسدودة في إدارة المجتمع، والطرق المسدودة تؤدي إلى اليأس و الخراب، يتحدث البعض عن المؤامرة، وهذا أيضاً لا شك فيه، ولكن من يعرف في السياسة ولو قليلاً يدرك أن التآمر عملية مستمرة موازية للسياسة، وأن المؤامرة هي أشبه بمياه نهر جار، لا تنقطع إلا بانقطاع منبعها، ألا وهي السياسة سواء الداخلية أو الدولية. والسلوك الذي تسلكه السلطة في أي بلد، يجب أن يكون تشكيل مجتمع قادر على الصمود أمام هذه المؤامرات، وهذا ما لم يكن موجوداً عندنا، إلا في الشعارات التي كان يطلقها في أغلب الأحيان أرباب هذا الفساد وهذا الاستبداد، وقد يقول قائل: لماذا لم يحدث الشيء نفسه في دول أخرى تعاني من ظروف أسوأ وهذا سؤال طبيعي، والجواب عليه هو أن السلطات في تلك الدول ما تزال قادرة على رشوة مواطنيها مادياً وشراء صمتهم أو أن عصا القمع ما تزال أقوى من أمكانية الـ (لا)، ولكن عند حدوث الخراب في جسد تلك الدول سيكون أقوى وأكثر دماراً، هذه هي المعادلة ببساطة، وما زاد الطين بلة هو الانتظار الطويل لإصلاحات لم تحدث أو حدث جزء منها ببطء سلحفاتي، في حين أنه كان من المفترض القيام بها على وجه السرعة، لكي يشعر رجل الشارع بها، وهذا ما لم يحدث. ومن هنا فإن توقع ما سيحدث ليس بالأمر الصعب، فهو سيحدث إن عاجلاً أو آجلاً، وما زلنا ننتظر الكثير الذي يفوق توقعاتنا، لأن عناصر المعادلة قد تعقدت أكثر.
حملت الشخصيات التي قدمتها في أعمالك قدراً عالياً من الرمزية والتكثيف في التعبير عن الواقع السوري، وجدلية العلاقات فيه. وكان اللافت أنها قُدّمت في الوقت نفسه بقالب سلس وقريب من المتلقي. كيف مزجت بين هذا وذاك؟
السبب الوحيد في ذلك هو أنني أكتب بعفوية وتلقائية، وعندما أشعر بأي افتعال فيما كتبته، أرميه جانباً ولا أعرضه على أحد، أعتقد أن هذا السبب الأساسي.
في نهاية العملين الأكثر شهرة لك،«ضيعة ضايعة» و«ضبو الشناتي- الحقائب»، يسود الفناء، لماذا خلت تلك النهايات من أي بصيص أمل؟
لأن العملين المذكورين حملت نهايتيهما رسالة تحذيرية، فعندما يصل الأمر إلى تحويل الوطن إلى مقبرة للنفايات النووية، ماذا يمكننا أن نتوقع؟ وعندما تصبح المغامرة بعبور البحر على متن مركب متهالك أكثر رحمة من الحياة في الوطن فماذا يمكننا أن نتوقع؟ إن الموت في «ضيعة ضايعة» هو موت إرادة الحياة مع الفساد، والغرق في «ضبو الشناتي» هو ليس غرق مركب وإنما غرق وطن، والقسوة هنا وهناك الغاية منها لفت النظر إلى الموضوع.
يراهن بعض محبيك أن العالم بعينيك ما هو إلا مسرحية هزلية طويلة!. لماذا الكوميديا دائماً في أعمالك؟ ولماذا يطغى عليها اللون الأسود غالباً؟
الحياة مسرحية نحن أبطالها، وقد قال الكثيرون هذا الكلام بشكل أو بآخر، وأنا على قناعة بذلك مثل بقية البشر الذين يعتقدون بهذه الفكرة، وعندما ننظر في التاريخ وفي مجريات الحياة نكتشف بكل سهولة أن هذه المسرحية هزلية، ماذا تريدين أكثر من فاسد يجلس خلف طاولة مد عليها مخمل أخضر ووضعت فوقها مزهرية، وعلق على صدره وساماً له علاقة بالشرف، يحاضر بالأخلاق في جمهور يعرف أنه لص ويصفق له مع كل مقطع، لا بل ويقف هتّاف ليهتف بصوته الصداح: (تقضي الرجولة أن نمد جسومنا جسراً....) على سبيل المثال لا الحصر، ويقوم آخر ليرقص فينضم إليه آخرون ليشكلون حلقة دبكة، أو مثلا فاسد آخر أمضى عمره يلعق ذنب السلطة وصل الى أعلى المناصب التي لا يصل اليها إلا من كتب تقريراً بأمه، بقدرة قادر أصبح يتصدر المنابر الثورية، والناس يتحدثون عنه كرجل شريف، هل هناك سيرك في العالم يصل إلى هذه الهزلية، ولن أتحدث هنا عن حاكم يتهجى ما يريد قوله من ورقة بين يديه ويخطئ ويكرر عدة مرات ثم تخرج الصحف في اليوم التالي لتتحدث عن كلمة تاريخية، إن كل ما يحدث إن نظرنا إليه بعين المتفحص سنجد فيه مفارقة هزلية، ولأن هذا الهزل هو أشبه بالعبث بمصائر وحيوات البشر ويؤدي في معظم الأحيان إلى نتائج كارثية فهو أسود، مع الأسف، وأنا شخصياً أتمنى أن يأتي يوم يتوقف فيه هذا النوع من الهزل، أو يضمحل قليلاً .
للكاتب أعمالاً أخرى في مجال أدب الأطفال: مدينة المعولمات 1 و 2، بيتي العربي، مدرسة الأستاذ بهجت. ومسلسل الرسوم المتحركة كليلة ودمنة وغيرها.
نشر له خمسة كتب: هي فن الكاريكاتير من جدران الكهوف إلى أعمدة الصحافة، فن الكاريكاتير في الصحافة الدورية، صانع الفراء (مسرحية للأطفال)، المحطة الأخيرة (قصة)، جلنار (قصة) و ام الطنافس (مجموعة قصصية).