2013/05/29
محمد قاسم الخليل – الثورة
تناولت أعمال درامية عديدة فترة الاحتلال الفرنسي ،وقد رأى صناع الدراما في هذه الفترة من تاريخ الوطن منهلا مناسبا لصنع أعمال درامية تلفزيونية تصور مختلف الجوانب النضالية والاجتماعية،
ومن وجهات نظر متعددة،وتناول عدد منها موضوع الجلاء بشكل مباشر،ولاسيما تلك المصنوعة بشكل خاص لتقديمها بمناسبة الجلاء ،بل جاء بعضها بصيغة احتفالية واضحة ، غلب عليها الطابع الاحتفالي العاطفي على الجانب الدرامي.
وتنوعت دراما الجلاء بين المطولات والمنفردات ،ففي المرحلة الأولى من الإنتاج التلفزيوني كانت التمثيليات المفردة هي الوحيدة من هذا النوع ،وفي المرحلة الثانية في السبعينيات ،تم صنع مسلسلات من 13 حلقة لأن العروض الدرامية كانت أسبوعية وخطط لها أن تغطي دورة برامجية مدتها ثلاثة أشهر،وعندما أصبحت العروض الدرامية يومية في منتصف الثمانينيات،بدأ التوجه لمسلسلات من ثلاثين حلقة ،وتكرس هذا التوجه بوضوح في التسعينيات،وطبعا ظلت التمثيليات المفردة موجودة على خريطة الإنتاج التلفزيوني ،وبشكل خاص بمناسبة ذكرى الجلاء.
وإذا استعرضنا المسلسلات والتمثيليات المفردة التي صورت فترة الاحتلال سنلاحظ أنها تتوزع في ثلاثة اتجاهات هي الكفاح ورفض الاحتلال ،وأثر الاحتلال على الحياة والعلاقات الاجتماعية وتصوير الواقع الاجتماعي والسياسي .
هذا التنوع في مواضيع فترة الاحتلال له دلالاته،حيث يشكل صورة متكاملة عن مرحلة من تاريخ وطننا وشعبنا، فكل جانب من هذه الجوانب يكمل الآخر ،فلا يمكن فصل النضال الوطني عن أرضيته الاجتماعية التي ساهمت في تكوينه وبهذا التنوع ابتعدت درامانا عن البطولات الخارقة وصولا إلى رسم صورة معقولة عن النضال الوطني وصولا إلى الجلاء.
أنتج التلفزيون العربي السوري في الستينيات عدة أعمال تصور كفاح الشعب العربي السوري ضد الاحتلال ورفض شعبنا للانحناء أمام جبروته،ومن أولى الأعمال الدرامية في الستينيات نذكر (فجر الاستقلال) إخراج هاني الروماني،و(الطفل ) إخراج علاء الدين كوكش و(الدقائق الخطرة) إخراج رياض ديار بكرلي ، و(بائع الحليب) إخراج قسمت طوران.
ومن التمثيليات المفردة في السبعينيات ( الغضب) إخراج غسان جبري،و(المساومة ) إخراج غسان جبري ،وتصور هذه التمثيلية شخصية ثائر قبض عليه المحتلون فحكموا عليه بالإعدام ، وساوموه على إلغاء الإعدام مقابل طلب التماس العفو من سلطات الاحتلال ويرفض الثائر طلب العفو ،كي لا تضعف نفوس الثوار.
ومن التمثيليات اللافتة ( الهيبة ) كتبها رياض سفلو وأخرجها عبد المسيح نعمة عن شاب عادي يتحول من إنسان سلبي إلى إنسان إيجابي فعال في الثورة ضد الاحتلال بعد مقتل والديه على يد السلطات الفرنسية ،ونشير إلى (هدية إلى الثوار) كتبها عبد العزيز هلال،وأخرجها محمد الشليان ،عن جندي من المغرب العربي يعمل مع الجيش الفرنسي ،وينحاز في النهاية إلى الثوار السوريين.
ومن التمثيليات المفردة في التسعينيات تمثيلية ( الجسر) تأليف إلياس إبراهيم وإخراج محمد بدرخان وتقدم صورة عن جانب من نضال شعبنا ضد الاحتلال الفرنسي والتصاقه العفوي بأرضه من خلال تعاون مواطن سوري مع الثوار وكان من قبل قد دفعته ظروفه للانضمام إلى الجيش الفرنسي ،كما كتب الياس إبراهيم تمثيلية بعنوان (الوصية )أخرجها نبيل شمس ونال جائزة في مهرجان القاهرة .
وننتقل للحديث عن المسلسلات ،لنجد مسلسلات في الثمانينيات صورت التفاف كل أبناء شعبنا حول المناضلين وتقديم العون والمساعدة ،وتجلت فيها الوحدة الوطنية بأروع صورها في وقوف كل فئات المجتمع وبمختلف فئاته في وجه الاحتلال،وقلة من المسلسلات حملت هذا التوجه.
وبالمقابل أنتجت أعمال كان النضال ضد الاحتلال مجرد خلفية زمنية ،وما تتعلق بالديكور والملابس أكثر مما تتعلق بتصوير تلك الفترة من جوانبها المختلفة ومنها الجانب النضالي.
ومن مسلسلات النوع الأول ( رجال وضباب ) كتبه الفنان رضوان عقيلي وأخرجه جميل ولاية وبلغ عدد حلقاته ( 14) حلقة ويعود إنتاجه إلى عام 1986 ،ويحكي أحداث الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي ،ويظهر تعاون مختلف فئات الشعب في مواجهة الاحتلال وتفاعلهم مع الثورة والنضال ضد الاحتلال . ومن النوع الثاني دراما رصدت الحياة الاجتماعية والسياسية مطعمة بنفحات نضالية بحيث أعطى هذا النوع صورة عامة عن مختلف جوانب الحياة شعبنا ،فكانت تسير في منحيين العلاقات الاجتماعية والنضال ضد الاحتلال. ومن أبرز أعمال هذا النوع مسلسل ( بسمة الحزن ) إخراج لطفي لطفي عن رواية بنفس العنوان للكاتبة ألفة الإدلبي،ويمكن أن نعتبره نموذجا لأعمال حققت توازنا واقعيا في تناول فترة الاحتلال ،واستطاعت ربط الحياة الاجتماعية بالمواقف النضالية.
ومن أوائل الأعمال الجميلة التي صورت الحياة الاجتماعية في ظل الاحتلال مسلسل ( البسطاء ) تأليف خيري الذهبي وإخراج سليم صبري وتبدأ الأحداث في زمن الاحتلال العثماني ثم يستعرض فترة الاحتلال الفرنسي من خلال قصة عائلة يهاجر أحد أبنائها،و يعود إلى سورية ليجد الاحتلال الفرنسي فينضم إلى الثوار ويستشهد في إحدى المعارك. وازداد عدد المسلسلات في التسعينيات عن فترة الاحتلال الفرنسي ،كما ازداد عدد حلقاتها،ومنها ما كان في جزئين،ومنها مسلسل(أبو كامل) كتبه فؤاد الشربجي وأخرجه علاء الدين كوكش ، ويروي تسلق في ظل الاحتلال ويحاول أن ينظف سيرته من خلال مساعدة بعض الثوار وتتمثل الشخصية النضالية في هذا المسلسل بشقيق أبي كامل. وتحول الجزء الثاني من المسلسل في طريقة تعاطيه مع فترة الاحتلال بالتركيز حول آثار الاحتلال على الحياة الاجتماعية لكن مشكلة هذا المسلسل أنه بالغ في البوليسية من خلال أحد المتعاونين مع الاحتلال.
وهناك مسلسل( هجرة القلوب إلى القلوب ) كتبه عبد النبي حجازي وأخرجه هيثم حقي،ويصور صعود مختار بلدة أثناء فترة الاحتلال ويتمثل الخط النضالي ببعض شخصيات البلدة ،وهو من المسلسلات القليلة التي امتد زمن أحداثها ليشمل فترة الخمسينيات وما حدث فيها من تقلبات سياسية. ويتجه الجزء الثاني من مسلسل (أخوة التراب ) إلى تحديد الوقائع والشخصيات التاريخية التي ناضلت ضد الاحتلال الفرنسي ،في حين كان الجزء الأول عن نضال الشعب السوري ضد الاحتلال التركي ،وشكل هذا العمل انعطافا في تعاطي الدراما السورية مع التاريخ. وبعده كان مسلسل (أيام الغضب) إخراج باسل الخطيب ويتناول مرحلة بداية الاستعمار،ويذهب إلى قرية سورية ليلقي الضوء على بطولة الشعب في مقاومة المستعمر الفرنسي. ونذكر أيضا إلى مسلسل (حمام القيشاني) كتبه دياب عيد وأخرجه هاني الروماني في خمسة أجزاء يبدأ جزأه الأول قبيل الجلاء ،وحفل بشيء من التشويق من خلال محاولة أبناء أحد المتعاونين مع الاحتلال تنظيف صفحة أبيهم حيث يلاحقون ابن الشهيد ويحاولون إلصاق التهم الشائنة به لينسى الناس فعلة أبيهم ولكن الشخصية الوطنية تنتصر في النهاية ويتحقق الاستقلال،وكل هذه الأعمال من إنتاج التلفزيون السوري. وكان للشركات الخاصة إسهاماتها أيضا، منها (نهاية رجل شجاع) لنجدت أنزور عن رواية حنا مينا ويصور المسلسل شخصية وطنية تناضل ضد الاحتلال ،ولكنه بعد الجلاء ،يستقر به المقام في بيت صغير على البحر.
وهناك كما سبق أن أشرنا نوع اتجه إلى تصوير الحياة الاجتماعية الصرفة دون الخوض في قضايا النضال الوطني ونرى فيها كيف تأثرت الحياة الاجتماعية بظروف الاحتلال وانعكست سلبيا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ،كثلاثية (العروس )كتبها إلياس إبراهيم وأخرجها غسان باخوس عن حكاية امرأة هاجر زوجها أثناء الاستعمار الفرنسي ولم يعد إلا بعد أربعين عاما الأمر الذي ترك أثرا عميقا في نفس الزوجة،ونضع إلى جانبه تمثيلة ( الاحتفال ) التي كتبها ممدوح عدوان وأخرجها محمد زاهر سليمان.
ونصل إلى العام 2000 لنلاحظ أعمالا عديدة تعود إلى فترة الاحتلال ،وعالجت بعضها ما آل إليه وضع بعض المجاهدين بعد الجلاء. ومن مسلسلات هذه الفترة (الداية) المنتج في عام 2003 ،تأليف فؤاد شربجي وإخراج بسام سعد ، ويرصد صورا من حياة المجتمع السوري أثناء الاحتلال الفرنسي ،ولكنه يحسب على مسلسلات التراث الشامي،واللافت أن المسلسل يصور شخصية فرنسية بصورة جميلة ،وهو غير معهود في هذا النوع من المسلسلات . وهناك خيط في مسلسل يميل إلى هذه الناحية وهو (الوردة الأخيرة ) تأليف خالد خليفة وإخراج فردوس أتاسي وينتقل هذا المسلسل إلى الأجواء الحلبية ليتحدث المسلسل عن التآخي والتآلف الديني في مدينة حلب خلال فترة الاستعمار الفرنسي. ومن الأعمال التي صورت فترة ما بعد الاستقلال، مسلسل ( كحل العيون ) تأليف محمد مرعي فروح وإخراج نبيل شمس ،عن مجاهد سابق ضد الاحتلال الفرنسي عاش حلة نضال وعشق ، ولم يبق له من تلك الحالة سوى أغراض تذكارية.
وظهرت خلال السنوات الأخيرة مسلسلات من الواضح أنها بالدرجة الأولى مسلسلات عن البيئة الشامية (دمشق القديمة)،ولكنها ذهبت في بعض خيوطها الدرامية إلى فترة الاحتلال الفرنسي ،وربما لضرورات تتعلق بربط المشاهدين بشخصية تتمتع بمواصفات البطل الفرد التي تستهوي عادة عوام المشاهدين . والنموذج الأوضح لهذا النوع مسلسل (باب الحارة) ،مالئ الدنيا وشاغل الناس على مدى خمس سنوات ،ويتابع المسلسل الحياة والعلاقات في حارة دمشقية بكل مظاهرها الاجتماعية والاقتصادية في فترة الاحتلال الفرنسي ،ويركز المسلسل على المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، وبتناغم مقصود مع خيوط درامية تصور العلاقات والصراعات بين الخير والشر داخل الحارة. ومن هذه النوعية أيضا مسلسل (طاحون الشر) فهو أيضا بيئة شامية يرصد فترة الاحتلال الفرنسي في سورية، معظم حكاياته شعبية اجتماعية ،وفيه خط النضال ضد الاحتلال الفرنسي. وضمن هذه النوعية مسلسل (الزعيم)،ويميزه عن غيره أنه يتناول حقبة زمنية واسعة , مرت بها مدينة دمشق من عام 1918قبيل احتلالها من قبل الفرنسيين وحتى عام 1948،ويغرق المسلسل في تفاصيل الصراع على زعامة الحارات الدمشقية ويصور المنتفعين من وراء إشعال نار الفتنة والتفرق ,ليصل إلى تقع حادثة توحدهم من جديد. ويبقى من أهم الأعمال التي عرضت في العام الماضي مسلسل (المصابيح الزرق) عن رواية لحنا مينة وإنتاج مؤسسة الإنتاج التلفزيوني وفيه عدة محاور من الصراع ، ويبدو الصراع مع المستعمر الفرنسي لانتزاع الاستقلال بعد معاهدة 1936 ، وظرف الحرب العالمية الثانية،وهناك أيضا الصراع الطبقي ،كما يبرز المسلسل العلاقات الاجتماعية القوى المتنفذة آنذاك.
تلك لمحات عن الدراما السورية التي تناولت فترة الاستعمار الفرنسي ،وفي بعض جوانبها فترة الجلاء وما بعدها ،ربما لم تكن شاملة لكنها تلقي الضوء على هذا النوع من الدراما .