2013/05/29
رغد مخلوف – السفير
كتلة من الطاقة، خيال خصب، وحديث جذّاب. تدفعك طرافة مكسيم خليل (1978) للضحك من دون توقّف، إن جلست تحاوره. لا بدّ من أنّ الممثل السوري الشاب، كان طفلاً مشاغباً. «في سنوات طفولتي، كنت أزور زحلة مع أهلي. وهناك كنت أخرج من المنزل مع شروق الشمس، ولا أعود إليه إلا بعد غيابها. كنت أعمل مع الأولاد في حقول البطاطا والبندورة، ونركب الخيل».
قبل أشهر، عاد مكسيم إلى لبنان. لكنّه لم يأتِ هذه المرة مراهقاً في إجازة، بل اتى مرهقاً مما آلت إليه الحال في سوريا. يقضي أيامه البيروتيّة، في روتين حزين، منتظراً لحظة العودة، حاله كحالة كثر ممن اضطروا إلى مغادرة سوريا. يشعر بالضياع، وعدم الاستقرار. لا يعزو ذلك الشعور إلى المكان، بل «إلى الغربة بشكل عام». لدمشق في قلبه مكانة خاصة. نقش اسمه على جدرانها، ولا يزال اسمه هناك وحيداً، ينتظر عودة صاحبه. «الشام اليوم مرتبطة بقلبي، بمشاعر الحزن والضياع والقهر والشتات والظلم. البعد الإجباري يأكل من أرواح السوريين. دمشق هي أيام الولدنة والمراهقة. هي الحب والزعل. هي الشغب. دمشق هي كل شيء». يصمت طويلاً قبل أن يكمل: «اليوم يشغل بالي سؤال واحد. هل سأعود أم لا؟ وإن كان سأعود فمتى؟»
تمرّد مكسيم المراهق على كل القوالب الجاهزة والمسلّمات. لم يكن يكتفي بإجابات الآخرين عن أسئلته، بل بحث عن الإجابات بنفسه. وكحالة معظم المراهقين، كان لا بد من لحظة ما، يترك فيها بيت العائلة. «كنت في السابعة عشرة، حين تركت المنزل، وسافرت إلى بيروت فترةً طويلة، جرّبت فيها كلّ أنواع الشغل. كانت مراهقتي متعبتة لوالديّ».
رحل والده باكراً، لكنّه لم يرحل عن ذاكرته. كانت وفاته حدثاً غيّر حياة مكسيم، وحوّله من مراهق متهوّر يستسهل كلّ شيء، إلى رجل ناضج يتحمل المسؤولية. زادت تجربة الوفاة المبكّرة، من حساسيّته تجاه الأشياء، وعلّمته الحكمة والصبر. يسير مكسيم خليل الأب اليوم، على نهج والده في التربيّة. «والدي هو عرّابي. أفهمني الحياة بطرق مختلفة تتناسب وكلّ ظرف، وأنا اليوم كأب أواجه مصاعب تربية ولديّ هاني وجاد بالطريقة نفسها».
يركّز خليل حالياً على هوايته القديمة، العزف على البيانو، بانتظار الموسم الرمضاني المقبل. ويرى أنّ ابتعاد الدراما السوريّة عن ملامسة الواقع كما فعلت دوماً، سيشكل نقطة ضعف لها في هذا الموسم. ويؤكّد ضرورة استمرار عجلة العمل، رغم كلّ الظروف الصعبة، كي لا تغيب الدراما السوريّة عن الساحة، ولتكريس ثقافة الحياة.
لم تكن مسيرة مكسيم الفنان سلسة بل كانت مليئة بالصعوبات والتحديات. «ياما وصلت اللقمة للتمّ وانسحبت مني سحباً»، يقول. دخل الممثل الشاب الوسط الفني بدايةً كمساعد ماكيير، مع والدته اختصاصية الماكياج ستيلا خليل. وفي كواليس تصوير الأعمال الدراميّة، لمعت فكرة التمثيل في رأسه. فراح يصور خمسة مشاهد هنا، وعشرة هناك، لتتبلور لديه الرغبة الحقيقية في احتراف التمثيل في العام 2000.
شكّلت العديد من المسلسلات نقلة مهمّة في مهنة مكسيم خليل، وخصوصاً «أحلام كبيرة»، و«التغريبة الفلسطينيّة» لحاتم علي في العام 2004. ومن خلال هذين العملين، خطا الخطوة الأولى على طريق النجوميّة، مروراً بمسلسل «الاجتياح» (2007) للمخرج التونسي شوقي الماجري، العمل الحاصل على جائزة «إيمي»، وصولاً إلى النجاح الجماهيري الكبير لمسلسل «روبي» (2012)، الذي جعل بطله يحقّق انتشاراً عربياً.
هكذا، انتقل اسم مكسيم خليل تدريجاً من الشارة الثانية للمسلسل، ليتصدّر اليوم مكاناً بين الأسماء الأولى في أدوار البطولة. «لا تقدّم الحياة شيئاً مجاناً، فالفرص تأتي في وقتها المحدّد لها، والتوقيت الأصحّ يأتي بعد اختمار التجربة. متعة التعب في سبيل الوصول لا تضاهيها متعة، وتدرجي في الوسط الفني ساعدني على اكتشاف ما أريد وتطوير أدواتي وقدراتي كممثل». لهذا، فهو ينفي وجود دور محدّد، شكل علامة فارقة في حياته، بل يصف أدواره كلّها باللحظات الفارقة التي استطاع من خلالها التقاط تفاصيل الوسط الفني، وتخمير تجربته. برأيه، فإنّ الاستمتاع بالعمل هو مفتاح التميّز.
«حين يستمتع الممثل بأداء الدور، فإنه سيمتّع الجمهور أيضاً، لهذا، تركت كل شخصيّة لعبتها مكانةً في نفسي، من ذئيب في «صدق وعده»، إلى نورس في «زمن العار»، وطارق في «تخت شرقي»، وصولاً إلى علّام في «الولادة من الخاصرة». وبعكس النظرة السائدة، يؤمن خليل بأنّ التشاؤم هو مفتاح النجاح. «أميل شخصياً إلى التشاؤم، فالقليل منه يدفع إلى عدم الرضى عن النفس، ما يشكّل دافعاً حقيقياً للتطوّر».
مكسيم خليل كائن شتوي بامتياز، ومن أمتع اللحظات لديه، الجلوس شتاءً قرب المدفأة.»وليست المدفأة بالضرورة «شيميني» chimney، ومعها كأس نبيذ. تنكة مثقوبة مليئة بالحطب، تفي بالغرض. الأمتع أن تكون جالساً قرب عمود كهرباء، تحت زخّات مطر خفيف، تشوي البطاطا، ومعك كيس ملح لترشّ عليها».
يمضي الممثل السوري الشاب في حياته، وفي جعبته حنين للوطن، والكثير من الإرادة، وبيت شعر كتبه والده. «في مراهقتي كنت أبكي مرّة بشدّة يائساً محبطاً، فعلّمني والدي بيتاً من الشعر ألّفه لي، ونصحني بأن أردده كلّما مررت في أزمة». يصمت قليلاً، ويتلو علينا تلك القصيدة: «عاند الدهر فإني ذلك الحر العنيدُ/ ليس يجدي بي صياحٌ أو وعودٌ أو وعيدُ/ خلق الصعب لأجلي وأتى مني الحديدُ/ فلأعدائي الفناء ولي العمر المديدُ».