2012/07/04
عفراء بيزوك- دمشق - صحيفة تشرين
اعتدنا أن ينجز مخرج ما فيلماً وثائقياً واحداً أو اثنين أو حتى ثلاثة في عام واحد، تعرض هذه الأفلام مرة أو اثنتين، يستضاف في مراكز ثقافية أو منتديات، ثم يغادرنا لكي نفاجأ بأن هذا الفيلم حصد جائزة أو جوائز في مهرجانات دولية.. كل هذا اعتدناه وبشكل خاص من مخرجينا السينمائيين الذين لا يعملون في مؤسسة رسمية. لكن ما لم نعتد عليه هو أن يقوم مخرج بإنجاز ثلاثين فيلماً وثائقياً، ضمن موضوع واحد، وبتناول فني وجمالي وبحث تاريخي وعلمي وإنساني، ينجزها خلال فترة قياسية لا تتجاوز السبعة أشهر، سرعة العمل هذه لم تنعكس سلباً على القيمة الفنية وعمق تناول المضمون وخصوصية معالجة هذه الأفلام بصرياً وتاريخياً. (مقامات الشام) سلسلة أفلام مكونة من ثلاثين فيلماً – مدة الفيلم سبع وعشرون دقيقة – أنجزها المخرج السينمائي محمد قارصلي في محاولة لخلق لغة تجعلك تحب الشام وأهلها وشخصياتها وتاريخها.
«مقامات الشام» أفلام لا تتناول القبور والأضرحة والمقامات فحسب، بل هي أفلام عن أناس تركوا بصمة في تاريخ بلاد الشام وفي العالم والتاريخ خلال حقبات مختلفة وأزمان متعددة، بصمات هؤلاء تعددت، فمنها السياسي ومنها الديني والفكري والفلسفي، منها بصمات بناء الدولة، أو الانتصارات العسكرية، أو تأسيس اقتصاد أو ازدهار عمراني وعلمي.. لكن أهم ما يجمع هذه الشخصيات وطريقة استعراض حياتهم هي البصمة الإنسانية التي تركوها. لا يمكن استعراض مواضيع الأفلام الثلاثين، فكل منها بحاجة لوقفة وقراءة من حيث أهمية الشخصية أو الشخصيات التي يتم تناولها في كل فيلم، وكذلك قراءة أسلوب تناول الشخصية واللغة البصرية والجمالية التي يطرحها كل فيلم، لكنّ هناك خطوطاً عريضة تجمع بين هذه الأفلام يحددها مؤلفها ومخرجها محمد قارصلي بالنقاط التالية: - لم تبن الأفلام على المقامات بذاتها، بل بني كل فيلم كسيرة ذاتية لشخصية صاحب المقام أو الضريح، وكذلك على القيمة الاعتبارية لهذه الشخصية سواء أكانت دينية أم سياسية أم تاريخية. - أفسحت الأفلام مجالاً لعرض مختلف وجهات النظر، ونوهت ببعض المغالطات التاريخية، والأهم أنها لم تفتقر على عرض الشخصية من خلال مكانتها وإنجازاتها فقط، بل حاولت التوقف عند الجوانب الإنسانية، فعلى سبيل المثال تحدث فيلم صلاح الدين الأيوبي بالإضافة لوجهة النظر العسكرية والسياسية، أهمية مشروعه العمراني والعلمي وركز عند مواقفه الإنسانية وفكرة التسامح التي جعلت منه بطلاً حتى في نظر أعدائه، في هذا المثال تتلازم فكرة النضال ضد المحتل والغازي مع فكرة بناء مجتمع مزدهر، وفكرة أن الإنسان يجب ألا يتخلى عن إنسانيته حتى تجاه أعدائه، فحين أسر صلاح الدين عدوه، عالجه وأطلق سراحه مثبتاً للبشرية وللتاريخ بأن الحضارة لا تقوم على القوة فقط بل تتجلى بالمقدرة على تحويل هذه القوة إلى بناء وعلم... ورأفة إنسانية. - شغل التاريخ والجغرافيا والثقافة السائدة في فترة حياة صاحب الضريح أو المقام، مكانة مهمة وجوهرية، فقلعة حلب ليست صرحاً دفاعياً فحسب وكذلك الجامع الأموي في دمشق، بل هي مركز إشعاع حياتي وعلمي وثقافي وسياسي، ووجود المقامات في هذا الصرح أو ذاك دليل على أهمية هذه الأوابد. - كانت وحدة الأسلوب الفني والبناء الدرامي لكل فيلم، واللغة البصرية – الجمالية من أهم القضايا التي حاول جميع العاملين في هذه الأفلام تجسيدها، وإن وحدة الأسلوب في هذه الأفلام هي خيط يجمعها بحيث تصبح الأفلام وحدة فنية متكاملة، رغم تعدد مواضيعها وأماكنها، هذه اللغة البصرية الصوتية أفردت لكل فيلم خصوصيته، دون أن تخرجه عن أسلوب عام يجمع الأفلام الثلاثين. - لا يخفي المخرج - المؤلف لسلسلة أفلام «مقامات الشام» هدفه في خلق نموذج لفيلم الترويج السياحي، لكن بعيداً عن الإعلانات والأفلام الترويجية للسياحة بمختلف أنواعها، بما فيها السياحة الدينية. ومؤخراً تم إعادة عرض هذه الأفلام بمعدل فيلم كل أسبوع على إحدى القنوات الفضائية، وهذه الأفلام تم إنتاجها لصالح هذه القناة والتي تبنت فكرة ألا يكون برنامجاً تلفزيونياً، بل سلسلة أفلام وثائقية تضيء على أهم الشخصيات في تاريخنا وثقافتنا في الحقبة الإسلامية. امتدت الحقبة الزمنية التي تناولتها الأفلام إلى مئات وآلاف السنين، فمن مقام هابيل كأول ضحية في أول جريمة في البشرية، إلى مقامات النبي أيوب وزكريا والخضر والنبي يونس والنبي يحيى، إلى مقامات تهتم بشخصيات إسلامية كخالد بن الوليد والسيدة زينب والسيدة رقية، وكذلك مقامات لبعض الصحابة الذين جاؤوا إلى بلاد الشام.. وتوقفت الأفلام عند شخصيات كمعاوية والوليد بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز، ومقامات نور الدين الزنكي والملك العادل والظاهر بيبرس وصولاً إلى مقامات ابن عساكر ومحي الدين بن عربي.. ومن جهة أخرى فقد خصصت أفلام لمدن ومناطق كمقامات حوران والساحل السوري ومدينة حلب والرقة والسويداء وإدلب وحمص وحماة وغيرها..