2012/07/04
عبد الرحمن سلام – الكفاح العربي
"معاوية والحسن والحسين" (المسلسل الذي يفترض أن يكون عرضه قد بدأ في مستهل رمضان) قد يعيد إحياء الجدل المزمن حول شرعية تصوير الأنبياء والصحابة وآل بيت الرسول (ص). ومجرد الاعلان عن العرض، على أكثر من شاشة عربية، في الظروف التي تعيشها المنطقة، كشف عن موقفين متعارضين: الاول يقول ان لا ضير في العمل، والثاني يعتبره قفزاً فوق "تحريم" لا يجوز التغاضي عنه. ماذا أيضاً؟
مدير شركة "المها للانتاج الفني" محمد العنزي ذكر ان فكرة مشروع مسلسل "معاوية والحسن والحسين" ولدت في العام 2008، يوم قرر مع شريكه الدكتور محمد الحسيان الخوض في أصعب حقبة في تاريخ الاسلام". الخطوة الاولى كانت لقاء مع اصحاب الاختصاص في علم التاريخ، وأكثر مراحل العمل دقة تمثلت في "متابعة النص".
يضيف العنزي ان العمل كان مقرراً له أن يكون جاهزاً للعرض في رمضان 2010، غير أن عقبات عدة اعترضته، ومضايقات متنوعة واجهته، منها على سبيل المثال، الاصوات التي ارتفعت معترضة على تقديم سيرة آل البيت (عليهم السلام) درامياً، او اعتذار ممثلين فجأة عن تنفيذ اتفاقيات مسبقة تمت معهم، إما خوفاً من ردود الأفعال أو بسبب طول مدة التصوير التي سيستغرقها المسلسل، أو لعدم قدرة هؤلاء على تنسيق ارتباطاتهم الفنية الأخرى، اضافة بالطبع الى المعوقات "اللوجستية" مثل رفض "الرقابة" العمل من حيث المبدأ (في سوريا وتونس)، وصعوبة استخراج التأشيرات (في مصر)، أو مشاكل "ادارية" (في المغرب).
وحول الحصول على فتوى وزارة الأوقاف الكويتية، تجيز العمل، بالاضافة الى جهات أخرى من بينها السعودية، ذكر المنتج ان طلب "الفتوى" كان من جزأين، الاول: جواز ظهور الامامين الحسن والحسين، والثاني النص المقدم، حيث كنا قد شكلنا لجنتي صياغة، الاولى تاريخية والأخرى شرعية، أوضحنا فيهما اهداف العمل، وانتظرنا الرد اما بالموافقة وإما بالرفض، وحصلنا بفضل الله، على الفتاوى المطلوبة من 30 شيخاً، منهم 4 من الطائفة الشيعية، ما يؤكد وجهة النظر التي انطلقنا فيها والتي تعترف بوجود آراء خلافية وأخرى توافقية.
وختم المنتج بالاعلان عن ان القنوات التي تعاقدت وبشكل نهائي على شراء عرض المسلسل، هي: "روتانا خليجية ـ روتانا مصرية ـ أل بي سي ـ النهار ـ التحرير ـ الحياة ـ المغرب ـ تونس ـ البيت بيتك"، مضيفاً ان هناك مفاوضات اوشكت على بلوغ مرحلة التوقيع مع خمس محطات، وان المسلسل قد تتم دبلجته وترجمته الى لغات عدة، منها الانكليزية والفرنسية والفارسية والاوردو.
ورغم كل التأكيدات الصادرة عن جهات الانتاج والتي تشير الى أن مسلسل "معاوية والحسن والحسين" يعتبر "عملاً توافقياً" ومبنياً على "حسن الظن" وعلى "العلاقة الطيبة بين الصحابة وآل البيت" من خلال طرح "القضايا الجدلية" من وجهة نظر "توافقية"، فقد أصدر أخيرا الأزهر الشريف بيانا اكد فيه رفض عرض المسلسل، استناداً لقرار مجمع البحوث الاسلامية الذي "يحرم ظهور الانبياء والصحابة وآل البيت والـ10 المبشرين بالجنة، في اي عمل درامي مرئي او مصور". وأوضح امين عام مجمع البحوث الاسلامية الشيخ علي عبد الباقي ان المجمع يرفض ظهور الامامين الحسن والحسين (رضي الله عنهما) بشخصهما في الاعمال الدرامية، وأنه ارسل مذكرة الى وزير الاعلام، تطالب بمنع عرض مسلسل "معاوية والحسن والحسين"، لعدم حصوله على موافقة مجمع البحوث الاسلامية، كما ينص القانون.
كذلك رفضت "نقابة الاشراف" في مصر، والتي تضم كل من ينتمون بنسب الدم الى العائلة الهاشمية، خصوصاً أحفاد الرسول (ص) من ابنته فاطمة (رضي الله عنها)، عرض المسلسل، وحيث اعلن "نقيب الاشراف" محمود الشريف تحذيرا من خطورة عرض المسلسل وتجسيد شخصية سبطي الرسول، وأن النقابة لن تقف مكتوفة الايدي حيال بعض الفضائيات التي ستقوم ببث حلقات المسلسل الذي يعالج اكثر الفترات والمراحل خطورة في تاريخ المسلمين، يمتد تأثيرها حتى اللحظة، ومشددا على ضرورة عرض المسلسل على مجمع البحوث الاسلامية والمؤسسات الدينية لإبداء الرأي الشرعي فيه، كي لا تكون هناك تجاوزات او مخالفات بالعمل الدرامي، تؤدي ـ لا سمح الله ـ الى حدوث بلبلة أو فتنة بين المسلمين، خصوصا في مثل الظروف التي تمر بها الامة، وفي "توقيت مضطرب قد يعرّض تقديم مثل هذا العمل الحساس" المجتمع الى خطر كبير.
في موازاة الرفض الآتي من مجمع البحوث الاسلامية المدعم بموقف الازهر الشريف، اجاز قاضي القضاة الاردني احمد هليل تصوير المسلسل في الاردن، كما اجاز علماء دين آخرون التصوير والعرض، ومن ابرز هؤلاء العلامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، الداعية السعودي الشيخ سلمان العودة، وزير الاوقاف اليمني الشيخ حمود الهتار، عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بالقصيم (المملكة العربية السعودية) خالد بن عبد الله، اضافة الى موافقة قطاع الافتاء والبحوث الشرعية ووزارة الاوقاف والشؤون الاجتماعية الاسلامية في دولة الكويت، وموافقة خادم "تراث آل البيت" في البحرين الشريف حسن الحسيني.
ورداً على خطاب مجمع البحوث الاسلامية بمقاضاة كل القنوات الفضائية الخاصة التي ستعرض مسلسل "معاوية والحسن والحسين"، وخطاب الازهر الشريف الى ادارة "النايل سات" المصري لاتخاذ الاجراءات القانونية ضد اي قناة فضائية مصرية تستخدم القمر الصناعي المذكور لعرض المسلسل، اعلنت قنوات فضائية عدة عزمها على الاستمرار في الخطوات الآيلة الى عرض المسلسل، مستندة بذلك الى الفتاوى التي حصلت عليها من علماء كثر، ما يعني بالتالي ان عرض مسلسل "معاوية والحسن والحسين" تحولت الى "قضية"، ودخلت اروقة الصراع، وبحيث بات يخشى أن يتحول من خلاف "فقهي وشرعي" حول عمل درامي، الى صراع "سياسي ـ مذهبي"، لا سيما في ظل دخول "نقابة الاشراف" على الخط، ومساندتها لموقف الازهر، و"لمجمع البحوث الاسلامية" في مصر، وحيث اصدر "نقيب اشراف اسوان" السيد الحسيني الشطباوي بيانا ذكر فيه انه لن يتم التنازل بأي شكل عن منع عرض وبث حلقات مسلسل "معاوية والحسن والحسين"، وذلك بسبب ظهور وتجسيد شخصيات عدد من أئمة المسلمين الكبار، ولأن (وهنا خطورة البيان) ما يحدث هو خطوة لانتاج فيلم سينمائي عن النبي محمد (صلعم) من قبل شركة ايرانية، تحاول من خلاله ان يظهر النبي (صلعم) مجسداً، وأن المسلسل ليس سوى بداية، حيث قال الرسول محمد (صلعم): "الحسين مني وأنا من الحسين"!
جدير بالذكر هنا ان مسلسل "معاوية والحسن والحسين" هو من انتاج شركة المها للانتاج الفني، سيناريو وحوار الدكتور محمد السيادي، اخراج عبد الباري ابو الخير، ويشارك في بطولته مجموعة نجوم من سوريا والاردن والكويت وسواها من الدول، الاردنيين محمد مجالي وخالد الغوبري (يجسدان شخصيتي الحسن والحسين عليهما السلام)، والسوري رشيد عساف (في دور معاوية) وغيرهم... والمسلسل، يعتبر الاول الذي يتناول "آل البيت" (عليهم السلام) في عمل درامي مرئي منذ 90 عاما، عندما رفض الازهر الشريف في العشرينيات من القرن الفائت، ان يؤدي الممثل الكبير المصري يوسف وهبي شخصية الرسول (صلعم) في فيلم تركي الانتاج، وها هي الجهة ذاتها ترفض اليوم تمثيل وعرض دراما تلفزيونية تتناول احداث "الفتنة الكبرى" التي هزت الامة الاسلامية لسنوات، بعد وفاة الرسول محمد (صلعم)، ودور اليهود فيها.
في السياق إياه، تتناول وكالات الانباء الغربية خبرا مفاده ان هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) قدمت في مقرها الرئيسي في لندن في بداية شهر تموز (يوليو) الفائت، في عرض خاص ومغلق اقتصر على ممثلي وسائل الاعلام ونقاد السينما ومجموعة اخرى منتقاة من الشخصيات المهتمة بالدين الاسلامي، فيلماً وثائقياً جديدا ينتظر ان يثير ضجة واسعة، لأنه يخوض في موضوع شائك وعرضة لإثارة الجدل والحساسيات، ويتعلق بصميم المعتقد الديني للمسلمين، من خلال رواية عن حياة النبي محمد (صلعم). وتقول مصادر "بي بي سي" ان الوثائقي المذكور يعتبر اول فيلم يتم انتاجه في العالم عن حياة النبي محمد (صلعم)، وهو يأتي بعد تردد صناعة السينما العالمية، وفي البلدان العربية والاسلامية في الاقتراب مباشرة من الموضوع، بما في ذلك هوليوود التي انتجت "الرسالة" (1977) للمخرج السوري الراحل مصطفى العقاد، لكن، ودائما بحسب "بي بي سي"، فإن هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية، مثلها مثل هوليوود، انتجت الفيلم الجديد من دون ان يظهر النبي محمد (صلعم) فيه، مراعاة لشعور المسلمين.
حتى الآن، ما زال المتابعون للخبر، والمهتمون بالوثائقي الجديد، ينتظرون تبين الطريقة التي عالجت فيها "بي بي سي" هذا الموضوع الشائك والذي ينذر بثورة في الشارع الاسلامي اذا ما شعر المسلمون بوجود اي تعد على سيرة النبي الكريم والعقيدة.
ووفقا لبيان وزعه الناطق باسم "الهيئة"، فإن الوثائقي الجديد يتألف من 3 حلقات، ويحاول ان يقدم "صورة صادقة عن حياة الرجل الذي غيّر العالم للأبد في اقل من عشرين عاما"، وأن الحلقات الثلاث تثير اسئلة حول بعض النقاط المثيرة للجدل في الدين الاسلامي، كالمرأة والتسامح الديني والنزاعات بصورة عامة.
يبقى، دائما وفق مصادر "بي بي سي" ان الاوساط السياسية البريطانية تخشى أن يؤدي الفيلم الجديد الى صدام بريطانيا وبعض الدول الاسلامية، سيما وان لبريطانيا تجربة مريرة في هذا المجال ما زالت تعاني ذيولها، كالأزمة الدبلوماسية التي حدثت بين لندن وطهران على اثر الفتوى التي اصدرها الامام الراحل آية الله الخميني بهدر دم الروائي البريطاني ـ المسلم من اصل هندي سلمان رشدي، مؤلف رواية "آيات شيطانية".