2012/07/04
أوس داوود يعقوب - تشرين
ما الذي نريده من مسلسل السيرة الشخصية؟ كمال القصة أو اختيار المهم منها، على اعتبار أنه من الصعوبة أن تلم 22 ساعة درامية بشخصية استحقت أن يكتب عنها مسلسل تلفزيوني؟!
ما المطلوب من مسلسل السيرة؟ الكمال المثالي في شخصية صاحبها، أم اكتمال التفاصيل حوله بسوئها وحسنها؟!.
ثمة وجهتا نظر هنا: أليس تخصيص مسلسل عن شخصية بعينها تكريماً لها، وبالتالي من غير المناسب أن نتناول الجوانب المظلمة من حياتها، ولاسيما إذا كانت متوفاة وعندها نكون كمن ننبش قبره، في المقابل، أليس مسلسل السيرة هو أقرب إلى الوثيقة، وتقديم الشخصية بكامل تفاصيلها الإنسانية بمنزلة أمانة لم تحفظها معظم مسلسلات السيرة، وقد أخذت على عاتقها مهمة تطهير الشخصيات الني قدمتها كما لو أنها شخصيات طهرانية منزهة عن كل ما هو سلبي؟!
أليست الدراما صورة مجتزأة من الحياة، يعمل فيها الخيال؟
فلماذا نصر على أن تكون السيرة الذاتية كل الحياة، وننظر بعين الريبة والشك من أي خيال يرد فيها؟! رغم أن الاجتزاء لا يعني التخلي عن صدقية ما يرد فيه وغض النظر عن مفارقته للواقع؟.
منذ النجاح الكبير الذي حققه مسلسل (أم كلثوم) الذي جسدت دورها فيه الفنانة صابرين قبل أكثر من 10 سنوات، و(دراما السير الذاتية) تتصدر قائمة المنافسة الرمضانية، مع تعدد أوجه التناول ما بين تاريخي سياسي وأدبي وعلمي، وتناول حياة الفنانين والفنانات، التي تلقى إقبالاً منقطع النظير، في محاولة لإشباع نهم عشاق البحث في الخصوصيات والتفاصيل الشخصية في حياة المشاهير.
كثيراً ما أثارت هذه المسلسلات التي تتناول سير الرموز الوطنية والقومية، والمشاهير من شعراء وكتاب ومبدعين، وشخصيات عامة في شتى الميادين، جدلاً واسعاً بين صناع الدراما من جهة والنقاد والجمهور من جهة أخرى، وفي أحيان كثيرة يبدأ هذا الجدل حتى قبل الشروع في التصوير، وفي مرات كثيرة يرافق هذا الجدل القائم دعاوى قضائية تطالب بوقف بعض الأعمال، على اعتبار أن هذه الأعمال تسيء إلى الشخصيات التي تتناولها، ويكثر الحديث عن مدى مصداقية هذه الأعمال، فالبعض يرى أنها تجمل الشخصية التي تروي سيرة حياتها وسيرتها، وتركز على إيجابياتها فقط، من ذلك مثلاً مسلسل (أسمهان) الذي حذف من تاريخها ما يسيء إليها بنسبة 90%.
بداية إنتاج مسلسلات السير الذاتية كانت في سبعينيات القرن الماضي، بمسلسل (الأيام) الذي تناول حياة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، ومسلسل (العملاق) عن حياة الأديب عباس محمود العقاد، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وتوالت بعد ذلك المسلسلات التي روت حياة مشاهير الأدب والفن والسياسة، نذكر منها على سبيل الذكر، المسلسلات التالية: عبد الحليم، وسعاد حسني، وليلى مراد، واسماعيل يس، ونزار قباني، وجبران خليل جبران، ونذكر أيضاً بعضاً من أعمال السيرة الذاتية التي تناولت حياة مشاهير من تاريخنا العربي والإسلامي القديم مثل مسلسل (هارون الرشيد) و(الحجاج) و(شجرة الدر) و(الفاروق) و(الحسن والحسين) وغيرها الكثير.
ويمكن القول انه بعد عرض مسلسلي أسمهان والملك فاروق انتبه صناع الدراما في مصر وسورية إلى النجاحات الكبيرة التي تحققها هذه النوعية من الأعمال الدرامية، سواء من حيث استقطاب الجماهير أو ما تدره من أرباح، ذلك أن تسويق المسلسل يتم على اسم صاحبه.
ومن أبرز أعمال السيرة الذاتية التي يتم عرضها حالياً في عدد من الفضائيات العربية، والتي أثار بعضها تحفظات عديدة مسلسل (الشحرورة) الذي يتناول قصة حياة الفنانة اللبنانية صباح والتي قامت بأداء الدور الفنانة اللبنانية كارول سماحة، وهو عمل رأت الفنانة صباح أنه يسيء لها ولتاريخها، مشيرة إلى وجود (الكثير من الأحداث التي جاءت من نسج خيال الكاتب ولا علاقة لها بالواقع).
من جهتها رفضت الفنانة هويدا ابنة صباح التطرق إلى حياتها الشخصية رغم أن السيناريو قائم على الكثير من تفاصيل حياتها بشكل أساسي.
كما تقدمت الفنانة الكبيرة السيدة (فيروز) بقضية عدلية، مطالبة القضاء اللبناني بوقف بث المسلسل، بدعوى أنه يسيء لها وللأخوين الرحباني أيضاً.
كذلك أثار مسلسل (في حضرة الغياب) للمخرج نجدت أنزور الذي يتناول سيرة الشاعر الراحل محمود درويش جدلاً كبيراً منذ بدء عرضه على عدد كبير من الفضائيات العربية.
وطالب أكثر من (2000) مثقف فلسطيني بوقف عرض مسلسل في التلفزيون الفلسطيني، اعتراضاً على أداء فراس ابراهيم لشخصية درويش (نتيجة الأداء المتواضع والأخطاء الكثيرة التي وقع بها إبراهيم) كما قال البعض: إن العمل برمته يحمل قدراً كبيراً من الاستخفاف بشاعر من طراز درويش.
كذلك أثار مسلسل (الريان) الذي يتناول السيرة الذاتية لرجل الأعمال الشهير أحمد الريان، الذي كان مثار جدل كبير في الثمانينيات، والذي تورط في قضايا فساد عديدة، أثار الكثير من التحفظات وطالب الريان عبر القضاء بوقف بث المسلسل، رغم أن محمود بركة منتج المسلسل اهتم بشراء قصة حياة أحمد الريان قبل البدء في التصوير.
وقد اتهمت هذه الأعمال وغيرها بأن فيها الكثير من تزييف الحقائق وعدم توخي الدقة الوثائقية لإعطاء نوع من الإقناع والمصداقية، كما أن كثيراً من هذه الأعمال لا تخلو من وجود أخطاء فنية وتاريخية كبيرة، فضلاً عن الأداء الضعيف للممثل الذي يؤدي الدور الأساسي في العمل، وعدم احترام بعض المنتجين لشروط الملكية الفكرية، والعودة إلى ذوي هؤلاء قبل الخوض في تفاصيل حياتهم.
ويرصد المتابع للمشهد الدرامي العربي أن الكثير من مشروعات مسلسلات السير الذاتية تعثرت في الموسمين الأخيرين، رغم تمسك صناع الدراما بإنتاج هذا النوع من الأعمال التي فرضت نفسها على الفضائيات العربية.
من هذه الأعمال التي تعثرت منذ الموسم الدرامي 2010م، مسلسل (حكاية العمر كله) الذي يتناول السيرة الذاتية للفنان فريد الأطرش، فمع مطلع ذلك العام اتفق المؤلف محمد صفاء عامر مع الأمير فيصل الأطرش ابن شقيق فريد على كتابة مسلسل تلفزيوني مأخوذ عن المذكرات الشخصية له وبمجرد أن علم الممثل أحمد شاكر الذي سبق أن جسد شخصية فريد الأطرش في مسلسل (أسمهان) ثار وطلب بأحقيته في أداء الدور.
وفي التوقيت نفسه تمسك المطرب مجد القاسم بأداء الشخصية على اعتبار أنه مطرب ويحمل جنسية فريد الأطرش نفسها، ودعمته في ذلك موافقة عائلة فريد عليه بعد اتصال تليفوني بينهما، إلا أن شركة الإنتاج السورية انسحبت وانسحب بعدها المطرب مجد القاسم وانحصر الترشيح في أحمد شاكر.
وكذلك تعطل مشروع مسلسل (محمد فوزي) لأكثر من عامين بعدما تحمس الفنان سمير صبري له وقرر إنجازه إنتاجاً مشتركاً مع (صوت القاهرة) غير أن أزمة نشبت بين الطرفين، أعلنت إثرها شركة (صوت القاهرة) قرار التراجع نهائياً عن إنتاج المسلسل.
ولقي مسلسل (بليغ حمدي) المصير نفسه، كذلك تأجل مسلسل (الضاحك الباكي) الذي يتناول أسرار الفنان الراحل المصري ذي الأصول العراقية نجيب الريحاني.
وتوقف أيضاً مسلسل (قمر لا يغيب) الذي يرصد حياة الفنانة والمطربة المعتزلة شادية، حيث تعرض لمشكلات عديدة أهمها اعتراض شادية على تناول سيرتها الذاتية.
إن نجاح أعمال دراما السيرة الذاتية يتطلب في البدء الابتعاد عن التربح التجاري فقط، وعدم تغييب المعلومات الدقيقة واعتماد روايات غير موثقة، من شأنها أن تسيء للشخصية أو ذويها واحترام حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالورثة والاتفاق معهم عند كتابة السيناريو، والتأني في اختيار أبطال العمل بما يليق بالشخصية التي يرغب فريق العمل بتقديمها، لإنجاز عمل فني يتوخى تقديم رؤية جمالية.