2013/05/29
سلوى عباس – البعث
> يمثّل المكان عاملاً مهمّاً في أي عمل إبداعي، لكن أهميته في الدراما أشدّ ضرورة باحتضانه لأحداث العمل الدرامي وتحديداً في أعمال البيئة، ولاسيما البيئة الشامية، لما تتمتع به هذه البيئة من تفاصيل وأحداث تجذب المشاهد إليها، خاصة وأن هذه الأعمال تمثل مقاربات للواقع الذي نعيشه، ما يمنح العمل مصداقية أكبر، إضافة للهوية البصرية التي يضفيها المكان على العمل الفني، لذلك من الضروري اختيارها بدقة لأن المكان الحقيقي يعكس الحياة بحقيقتها دون مواربة، من هنا نستطيع القول إن المكان يمثل الحامل الأساسي للصورة الدرامية وتجلياتها، بغض النظر عن البعد الجمالي الذي تبرزه الدراما للجغرافيا السورية، وهذا ما رأيناه في كثير من الأعمال الدرامية التي عرفتنا على مناطق في سورية ما كان لنا أن نعرفها لولا الدراما التي تضيف للبعد المعرفي بعداً جمالياً يظهر من خلال أماكن التصوير التي يعتمدها مخرجو الدراما.
وأعتقد أنه لا يخفى على أحد أن الفضل في هذه الخطوة، وخروج الكاميرا السورية من الأستوديو إلى الأماكن الحقيقية والفضاء المفتوح يعود بداية للمخرجين هيثم حقي ونجدت أنزور وحاتم علي، ومن ثم سار على نهجهم المخرجون الشباب كالليث حجو والمثنى صبح وسيف الدين سبيعي وغيرهم.
هذه المقدمة عن أهمية المكان في الإبداع وتحديداً في الدراما عرضناها بعد ما تردّد عن قيام المخرج بسام الملا ببناء استوديوهات خاصة في دبي لتصوير أحداث الجزء السادس من مسلسل "باب الحارة" مما يثير الدهشة!!، إذ كيف يجهل ابن دمشق أهمية البيئة الدمشقية التي لا يمكن لأي بيئة أخرى أن تعوّضها أو تكون بديلاً عنها مهما تشابهت تفاصيلها الجغرافية، لأنه على ما يبدو أن مخرجنا العزيز نسي أو أنه تناسى أن مسلسله العظيم ما كان له أن يجذب الجمهور بهذه الكثافة لولا أن أحداثه صُوّرت في حارات دمشق القديمة، وهنا نضع في المقارنة عملين مدرجين على خارطة الموسم الدرامي للعام 2013 هما "حبة حلب" للكاتب عدنان عودة وإخراج رشا شربتجي الذي سيتمّ تصويره في دمشق بسبب الظروف السيئة التي تحول دون إمكان التصوير في حلب، وهذا لا غضاضة فيه لأن البيئة السورية تتشابه بكثير من معالمها وملامحها، لكن فكرة بناء ديكورات شبيهة بالبيئة الشامية في مدينة لا تشبه دمشق بأي تفصيل من تفاصيلها، فإنما يدل على حالة الاستلاب التي أثرت على المخرج الملا الذي فاته أن المكان لا يقتصر على الجغرافيا فقط، بل المكان يتميّز برائحته وقيمه، وما يختزنه من ذاكرة وأحداث هو الذي يعطي لأي عمل بيئي هويته الحقيقية، فإذا كان الملا يرى في استبدال الجغرافيا حلاً للخروج من أزمة المكان، فإننا نبشّره من الآن، وقبل أن يبدأ أن عمله سيحصد الفشل بافتقاده لبيئته التي كانت وستبقى حامله وناظمه الحقيقي.