2012/07/04
محمد رضا – دار الخليج
منذ منتصف السبعينات في القرن العشرين وموسم الصيف لم يعد عطلاً وشواطئ بحر ورحلات حول العالم، بل هو موسم الأفلام التشويقية الكبيرة . ما بدأ في “هوليوود” حين وزع “ستديو يونيفرسال” فيلم ستيفن سبيلبرغ Jaws مستمراً في كل صيف من عام 1975 وحتى اليوم: اختيار الأفلام ذات التكلفة الكبرى لإطلاقها صيفاً وهذا يشمل المسلسلات السينمائية القائمة على المغامرات مثل سلسلة “قراصنة الكاريبي” وسلسلة “هاري بوتر”، أو تلك التي تتطلّب جهوداً كبيرة في المؤثرات والتقنيات كما حدث حين انطلقت سلسلة “سيد الخواتم” و”ترانسفورمرز” و”باتمان” و”سبايدرمان” وكل “السوبر هيروز” المعروفين .
هذه السنة هناك تحوّل ملحوظ، ولو أنه ليس بالمرّة جديداً أو ذا حجم كبير: عدد من الأفلام الفنية والجادّة دمجت في برمجة الصيف الحالي رغم أنها ليست من النوع الذي عُرف بأنه من الأعمال التي تحقق النجاحات أو التي تستطيع منافسة الأفلام العملاقة في إنجازاتها الضخمة .
بدأت الظاهرة هذا العام حين دفع فيلم ترنس مالك إلى الاختبار الصيفي مباشرة بعد حصوله على جائزة مهرجان “كان” الأولى . فيلم “شجرة الحياة”، الذي يقود بطولته نجمان كبيران هما شون بن وبراد بت، أنتجه الثاني، انطلق في عروض محدودة أواخر مايو/ أيار الماضي أمام فيلمين من أفلام الصيف المصنوعين للاستهلاك الشعبي وهما “آثار السهرة- الجزء الثاني” و”كونغ فو باند 2” . صحيح أن كلاً منهما ليس فيلم مغامرات ووحوش فضاء وكوارث كونية، إلا أنهما ليسا من سينما الفكر والفن . هذه السينما يعبّر عنها فيلم ترنس مالك ذاك بكل ثانية من مدّة عرضه التي تزيد على الساعتين . ليس هذا فقط، الفيلم ليس قصّة تُروى، بل حالة إنسانية تموج شعراً وجماليات وأبياتاً من الفلسفة .
في الوقت نفسه تقريباً لاحظنا توفير “هوليوود” عرضاً جماهيرياً لفيلم آخر استقبل نقدياً بترحاب كبير هو “منتصف الليل في باريس” لوودي ألن .
قبل أن يكون الفيلم تحيّة للفن والثقافة الفرنسيين، هو عودة المخرج لسينما تنضح بالأفكار الذاتية حول الفن والثقافة والعلاقات الاجتماعية في الوقت ذاته . كذلك عودة إلى منوال أفلامه التي احتفت بالمكان ومن أهمها تلك المجموعة التي حققها في الثمانينات في نيويورك مثل “مانهاتن” و”هانا وأخواتها” . “منتصف الليل في باريس” يتحدّث عن رجل (أوون ولسون) يصل إلى باريس مع خطيبته (راتشل ماكأدامز) ووالديها (كيرت فولر وميمي كندي) وهناك يكتشف أنهما لن يصبحا الثنائي المتيّم حبّاً كما كان يعتقد . فارقهما الطبقي هو أحد العناصر، لكن العنصر الأهم كونه كاتباً وكونها فتاة غنية تكترث للتبضّع والحفلات . هذا يجعله ينصرف في أرجاء باريس ومنها إلى جوّها الأدبي في الثلاثينات حيث يقضي عند منتصف كل ليلة ساعات ثمينة بصحبة عباقرة الفترة .
هذا الفيلم اختير له أن ينطلق في مواجهة “قراصنة الكاريبي: فوق أمواج أغرب” بطولة جوني دب . ليس لأنه سينافسه في الحصول على أعلى الإيرادات، بل إمعاناً في عملية إثراء العروض وتوفير أفلام لكل ذوق .
هذا الأسبوع هناك فيلم آخر سينطلق للعروض في مواجهة فيلم كبير . إنه “لاري كراون” قصّة عاطفية من وضعت له السيناريو نيا فاردالوس وأنتجه وأخرجه توم هانكس الذي يؤدي دور البطولة لجانب جوليا روبرتس . القصّة تدور حول رجل في منتصف العمر يجد أنه على أهبة فقدانه العمل، وأن لديه -فجأة- الوقت الكافي ليصرفه على أي شأن يختاره من شؤون الحياة . يختار أن يعود إلى صفوف الدراسة . جوليا روبرتس هي المدرّسة التي لا تكترث كثيراً لدورها التعليمي لضجرها منه، لكن دخول هانكس صفّها يكون بمثابة صفحة حياة جديدة لكل منهما .
على عكس الفيلمين السابقين، لا يُقصد ب”لاري كراون” أن يأتي عملاً فنياً، بل هو إنتاج رئيسي ولو بميزانية معتدلة (قياساً) يؤمل له احتلال موقع قدم . . هذا إذا ترك الجزء الجديد من سلسلة “ترانسفورمرز” له ذلك الموقع، فالفيلم الضخم الذي يتحدّث عن مخلوقات حديدية من الفضاء تدمّر الأرض، يريد أن يدمّر كل الإيرادات السابقة ويتولّاها قياسياً . إنه نوع من المصارعة غير الملائمة بين مصارع خفيف الوزن وآخر ثقيل الوزن والجثّة . ومع أن الغلبة تكاد تكون محسومة، إلا أن معركة البقاء بالنسبة إلى السينما ذات العناصر الإنسانية حاضرة .
نعم . ربما كان أحدهم يمزح حين اقترح برمجة “لاري كراون” و”منتصف الليل في باريس” و”شجرة الحياة” صيفاً، لكنها مزحة في محلّها ومن المطلوب تكرارها أيضاً .