2013/05/29

مراوحة درامية
مراوحة درامية


فجر يعقوب – الحياة


على رغم التحولات العميقة التي تضرب في أماكن كثيرة في العالم العربي، وهي تحولات جذرية تنذر بنشوء عوالم جديدة لم يعتد عليها المواطن العربي، وبغض النظر عن مستويات النظر إليها، فإن الملاحظ أن بعض أنواع الدراما التلفزيونية العربية تراوح في عوالمها القديمة التي ستقدم للموسم 2013، وهي تنتظر الدخول في معترك الإنتاج، بعد فترة تراخٍ نسبية تتبع كل موسم درامي، بغض النظر عن هوية هذا المنتج أو ذاك.

معلوم أن الانتاج الدرامي العربي يخضع لحسابات إنتاجية معقدة ربما لا يوجد مثلها في العالم. ربما تقدمت كثيراً على مستوى الشكل، لكنها لم تفلت من المحاذير الرقابية والاجتماعية التي تتحكم بها وتنظم محتوياتها. لم تكن دراما كشف أبداً. لا يمكنها أن تتحمل عواقب هذا النوع وكلفته. ربما لا يمكنها ذلك لأنها لا تمتلك هوية واضحة وتوجهات أن تكون صناعة مستقلة يمكن بالفعل أن تسبق في دخول هذا المعترك الإنساني. صحيح أننا نحمّل هذه الدراما ما هو فوق طاقتها باعتبار أنها تقوم على مبدأ الترفيه في المقام الأول، ولا يجدر بها أن تتحمّل ما عجزت عنه النخب العربية في تقديم قراءات مختلفة ومغايرة لواقع المجتمعات العربية، ربما لأن هوية التلفزيون قد تعكر صفو هذا الطرح، لكنّ الأكيد أنه لم يعد ممكناً محاكاة هذا الواقع بالمصطلحات ذاتها والقيم التي كانت سائدة قبل هذه التحولات التي تضرب في العمق.

الهروب إلى الأماكن المغلقة من طريق تصوير مسلسلات في مكان واحد داخلي ليس حلاً. والهروب إلى الأماكن المفتوحة والبعيدة كما يجري مثلاً مع بعض المسلسلات السورية أيضاً لا يشكل حلاً. تصوير مسلسلات في غير بيئتها المحلية قد يفقدها عنصر الهوية، لكن هذا قد لا يؤثرعلى التلفزيون الذي لا يهتم أصلاً بنوعية هذه الهوية. ليست دعوة بالطبع للانغلاق. بل الى تغيير زاوية النظر إلى عمق هذه التحولات ومناقشتها بذائقة وحساسية مختلفتين، فما كان سائداً قبل عامين لم يعد ممكناً تقبله بالطريقة ذاتها. الصورة التي ينقلها لنا التلفزيون اليوم من أماكن كثيرة في العالم العربي تحفر عميقاً في الوعي العربي الجديد. هذا أمر لم يعد ممكناً تجاوزه أو الالتفاف عليه بالمصطلحات ذاتها، «الفنية والجمالية» التي عوّدنا عليها بعض صناع الدراما العربية في أوقات سابقة.

مشكلة هؤلاء أن الواقع قد تجاوز طروحاتهم، وبعضهم ما زال أسيراً لأوهام العقدين الماضيين. لم يعد ممكناً قبول التـــعريف ببعض مسلسلات الموسم الجديد بوصــفها «فتوحات» جريئة في عوالم تعدّ سابقة. الأكيد أن المرحلة الماضية بزخمها غير المسبوق ربما لم تــــكن كذلك على الإطلاق، فواقع الرقابات العربية يــــقول عكس ذلك، وهوية التلفزيونات العـربية تحفظه عن ظهر قلب.