2012/07/04
وليد أبوالسعود – الشروق
مخاوف عديدة كشف عنها الفنان نور الشريف وهو يحتفل اليوم بعيد ميلاده.. فى مقدمتها تضييق الخناق على حرية الإبداع وتجريف العقل المصرى وسباق كل فرد فى القوى السياسية للحصول على جزء من جدار مصر.
نور الشريف اعترف أيضا فى هذا الحوار بانجذابه للصوفية، ووجد فيها مجالا لإعادة اكتشاف نفسه ونقطة نور تضىء الرحلة بعد أن كسى الظلام ملامح الزمن
● من هو «عرفة البحر» الذى تجسده فى مسلسك الجديد؟
ــ أنا أحببت هذا العمل منذ كتب المؤلف محمد الصفتى معالجته الأولى وعدة حلقات منه خصوصا أنه يدور فى أجواء أسطورية، لكنها أجواء واقعية جدا عن مشكلة المنافسة والصراع بين اثنين من أبناء العمومة، هما «عرفة البحر» وهى الشخصية التى ألعبها و«خراشى»، وهى الشخصية التى يلعبها أحمد بدير، وهذا الصراع الرهيب الذى يجسد الطبيعة المادية للحياة المعاصرة، وواقعنا الذى نعيشه من خلال هذه المنافسة، وهى هنا..
● ما الأدوات التى ستقدم بها شخصية عرفة البحر؟
ــ أنا أحببت الدور وسأؤديه مثلما أحببته كإنسان يتوهم أنه قوى وفى مواقف صغيرة يكتشف أن قوة الإنسان ليست فى ثروته أو قسوته بل هى فى مدى صلابته وكيفية وقوفه أمام الصعاب بلا انهيار، وهنا لدينا عرفة وخراشى لديهما طموح شخصى يبعدهم أحيانا عن مصالح الفقراء، لكنهم ليسوا شياطين أو ملائكة إنهم شخصيات آدمية من لحم ودم.
● منذ بداياتك الأولى تهوى البحث داخل أعماق النفس البشرية، فكيف يختار فنان لنفسه موضوعا يعيشه طوال هذه الفترة؟
ــ ستندهش من إجابتى أننى وفى بدايتى لم أكن واعيا لهذا الأمر أو مخططا له، لكننى ومنذ اللحظة الأولى التى وقفت فيها أمام الكاميرا لا أمثل إلا الدور الذى أقع فى عشقه منذ القراءة الأولى له. وبعض الزملاء كانوا يناقشوننى فى اختيارى، لكننى أقول لهم إن انطباعى الأول هو الذى يتحكم فىّ. وعندما كنت صغيرا كنت فقط أختار بالميل الشخصى أما الآن فهو اختيار عقلانى.
● من المشاهد التى لا تنسى على الشريط السينمائى.. المشهد الأخير فى فيلم «سواق الأتوبيس» لو وجه نور رسالة الآن من خلال هذا المشهد فلمن يوجهها؟
ــ أوجهها لكل القوى السياسية ــ بدون السباب بالطبع ــ لكننى أدين كل ما يحدث بل وأبدى اندهاشى من وجود كل هذه الأسماء صاحبة التاريخ السياسى الطويل والمفكرين والمثقفين وكل تراكمهم الطويل من الخبرات ولا أفهم عصبيتهم وصراعهم للوصول للسلطة بأية طريقة وبلغة «سواق الأتوبيس» تختفى الورشة التى كان حسن يحاول طوال الوقت إنقاذها، وهى ترمز لمصر واليوم ورشة حسن فى «سواق الأتوبيس» اختفت من الواقع الحالى وغاب المنطق العقلى عما يدور، ودعنى أسأل من يوجهون دعاوى تسليم العسكرى للسلطة فورا وبفرضية أن يسمع المجلس كلامكم، فهل يذهب لثكناته ويدع الدنيا تشتعل؟! أحيانا تجد أحاديث غاب عنها العقل والمنطق وأرى أن على كل القوى، ومنها القوى الإسلامية أن تقتدى بالتجربة التركية، فالتجربة الإسلامية التركية عندما بدأت أطاح العسكر هناك بهذه الحكومات، ولم تقبل بها إلا بعد أن قدمت إنجازا اقتصاديا كبيرا وبخدمات متوازنة وبتوازن بين الدين الإسلامى والعلاقات الخارجية فتركيا ليست إيران، وعندما حققوا هذه النجاحات زادت شعبيتهم وبقوة لدى الشعب، وبالتالى حدث التقاء بين الحكومة والجيش فى نقطة معينة.
● لدىّ تساؤل برىء ألم يخطر ببال أحدكم أن يحدث انقلاب داخل الجيش المصرى نفسه؟ ولو حدث هذا فلمن يكون الولاء وماذا سيحدث؟
- حقيقة أنا حزين لحالة غياب الصدق التى تكتنف كل القوى السياسية فى الشارع، خصوصا أنها أول حالة ممارسة حرية وديمقراطية بمصر وكيف تحول الجميع لعصبيين لا يرون إلا أنفسهم فقط وأنهم الوحيدون أصحاب الصواب. لابد من التفكير بجدية للالتقاء على أرضية متقاربة وإلا سيندم الجميع، ونعود سنوات كثيرة للوراء، وهذا يصيبنى بالإحباط بالرغم من تفاؤلى أننا سنتجاوز هذه المرحلة مهما حدث، لكن خوفى من أن تطول فترة عبورنا لها. وخوفى أن نترك مصر كى تنهار حتى نجبر الجميع أن نجلس معا، فالكل يحاول أن يحصل على قطعة من جدار مصر.
● هل هذا يفسر حالة الصمت التى التزمت بها فترة طويلة؟
ــ التزمت الصمت نتيجة لحالة السخف الإعلامى التى سيطرت على الواقع الخاص بنا ووجود أشخاص يظهرون ويتحدثون وينظرون بدون أى سند منطقى أو عقلانى أو تاريخى لوجهة نظرهم، وستندهش لو عرفت أننى متوقف عن مشاهدة التليفزيون منذ ثلاثة أشهر وحتى مباريات الكرة قد توقفت عن مشاهدتها. وما يحدث الآن حذرت منه مسبقا، وأنا لا أدعى أننى أفهم السياسة أو أقرأ المستقبل، لكننى لو لم أقرأ السياسة، وقرأت فقط مسرحيات وليم شكسبير ومسرحيات القرن الـ17 لأصبحت لدىّ خلفية سياسية جبارة وأناشد السياسيين أن يقرأوا المسرح جيدا، وأنا شخصيا لى مسرحية مهمة قدمتها بعنوان «لعبة السلطان» توضح ما يحدث حاليا وما يدهشنى أنه لا يوجد تليفزيون عربى يذيع مسرحية جادة ولو أخطأوا وأذاعوها أو طلبت أحيانا من صديق لى بأية قناة أن يعرضوها من أجلى أفاجأ أنهم يذيعونها فى الثالثة صباحا والناس نائمة مع أنها موجهة لهم أصلا. فليذيعوها حتى ولو على ثلاثة أيام بواقع فصل كل يوم فالمهم أن تصل رسالتها.
الشىء المخيف حقا أن كل من يدلى برأيه اليوم يتخيل أن الكون بكامله يشاهده، وهناك تفتت فى المشاهدة وفى الموقف وفى الذوق وفى الثقافة حتى داخل الأسرة نفسها، فالقنوات أصبحت تقدم كل السلع، ولم يعد غذاؤنا الثقافى أو الإعلامى موحدا.
● عندما رن هاتفك الآن كانت رنته لصوت أمواج البحر وصافرة باخرة تغادر الميناء. فهل أنت من الفنانين الذين يتعايشون مع الشخصية التى يؤدونها لهذه الدرجة؟
ــ يضحك نور الشريف ويخرج هاتفه ويرينى خلفيته لأفاجأ أنها صورة للبحر ويقول: لا الأمر ليس لهذه الدرجة، لكننى ممن يتفاءلون ويتشاءمون. ودعنى أخبرك بقصة هذا الرنين، فأثناء قراءتى للمعالجة والحلقات أهدتنى بناتى سارة ومى هذا الهاتف من أجل أن نتبادل الصور معا ففوجئت أن صورة خلفية الهاتف بحر، وعندما بحثت فى رناته وجدت رنة لصافرة باخرة، وكما يقول باولو كويلهو: «هناك علامات يرسلها الله لك دائما، والعاقل هو من يستطيع أن يفهمها فى الوقت المناسب»، فمن يقف فى مكانه ويضيع قوته العقلية والروحية والنفسية فى المنافسة والصراع على شىء مادى سواء ثروة أو منصبا، كما يحدث فى مسلسلى «عرفة البحر» سيندم، وهذا ليس زهدا لكنه جوهر الحياة.
● خلال الخمسة عشر عاما الماضية نلاحظ أن هناك لمحة صوفية أصبحت ظاهرة فيما تقدمه بل وفى أحاديثك نفسها؟
ــ هذا شىء حقيقى وهو ما يظهر حتى فى بعض المسرحيات التى قدمتها مثل «الأميرة والصعلوك» و«يا مسافر وحدك» ودعنى أخبرك بشىء منذ صغرى كانت تحدث علامات تهزنى روحيا وأنا لا أغار من أى شخص ولا تعنينى المنافسة فى أى شىء ولا أهتم أن الزميل أجره أغلى منى وما يشغلنى هو ما يدور بداخلى وهل أنا مطمئن مع نفسى أم لا؟ كل هذه الأشياء كانت تأتينى بطريقة لا أعرفها، لكن ومع مسلسل «عمر بن عبدالعزيز» أصبحت أكثر يقينا وأكثر راحة نفسيا مهما مرت علىّ ظروف قاسية قد أغضب لفترة، لكننى أتقبلها وترتاح نفسى لها والتصوف يعنى الاتحاد بالله، ولو وجد داخلنا اليقين الكامل لصرنا جميعا فى وضع وحالة أفضل بكثير مما يحدث حاليا وأنا أتعجب من كم الكذب وتشويه الآخرين وكيف وصلنا لهذه الحالة، وكيف تنهار الرموز بهذه السرعة وبهذه الطريقة؟!
● البعض يرجع هذا للتجريف الذى حدث للشخصية المصرية طوال سنوات كثيرة مضت؟
ــ التجريف الذى تتحدث عنه لم يحدث لمصر فقط بل للعالم بأكمله، وهناك مفكر أمريكى قال فى برنامج تليفزيونى إن أمريكا فى طريقها للتراجع ــ وهو ما قدمته فى مسلسل «ما تخافوش» والعولمة أول من سيدفع ثمنها هى أمريكا.
وما يحدث من استلاب للشخصية المصرية حدث فى جميع انحاء العالم نتيجة للعولمة الجديدة التى تهدف لإلغاء الانتماء وتحويل العربى لمواطن عقله غائب كى يصبح مستهلكا فقط لا غير. ومع ظهور الإعلانات فى عصر السادات كانت هذه من أخطر الأشياء التى أثرت فينا جميعا.
● هل هذا ما كنتم تقصدونه فى فيلم «زمن حاتم زهران»؟
ــ بالطبع.. فالإعلانات تفتح شهية كل مواطن على أحلام غبية ودعنى أضرب لك مثلا بزين الدين زيدان الجزائرى الذى أصبح «كابتن» للمنتخب الفرنسى، ولو فكرنا بتعقل وهدوء على الجزائر سنجد الشباب هناك يحلم بالهجرة والشهرة، وفى فرنسا يُصاب شبابهم بالإحباط.
يتنهد قليلا ثم يواصل: نحن مستهدفون بأشياء أخرى، وهناك سيناريو تم وضعه لإلغاء دور مصر والسعودية وإسرائيل فى المنطقة.
● ماذا تعنى بهذا؟ ومن يهدف لإنهاء دور إسرائيل التى يقول الجميع إنها عصاة الغرب التى يضربنا بها؟
- كنت متأكدا أنك ستندهش من حديثى هذا لكن إسرائيل دورها قد انتهى فعليا فى المنطقة، وأنا مندهش ممن يقول العكس، فأمريكا وأوروبا كانت تمولها لأنها كانت تلعب دور شرطى المنطقة، لكن الآن، فالجندى الأمريكى أصبح فى المنطقة فلماذا يدفعون لإسرائيل؟ ولكن ما يحدث أنه ونتيجة للذكاء الصهيونى أصبحوا يصنعون مشاكل لأمريكا كى يظلوا موجودين.
● رمضان العام يشهد منافسة قوية هل ترى ذلك فى صالح الدراما أم لا وهل تخاف منها؟
ــ المنافسة دوما فى مصلحة الدراما ولكن بشرط واحد أن حرب القنوات والوكالات الإعلانية تكون شريفة وأتمنى أن يكتمل أكبر قدر من الأعمال لأن هناك أنباء عن وجود أزمات مالية لدى البعض.
● من هو الرئيس الذى سينتخبه نور الشريف؟
ــ أنا لن أحدد الاسم الذى سأعطيه صوتى وعندما تنضج تجربتنا الديمقراطية وتصبح مثل التجربة الأمريكية وقتها فقط سنعلن توجهاتنا ومن سننتخبه وأنا سأخبرك فقط عن مواصفات من سأعطيه صوتى هو يمثل أفكارى فى العدالة الاجتماعية، ويكون قويا وقادرا على تحقيقها لجميع الناس.
● ما تعليقك على الحكم الصادر بحق الفنان عادل إمام؟
ــ كارثة حقيقية فى تاريخ القضاء بمصر، وأتمنى من القاضى الذى أيد هذا الحكم أن ينشر أسانيد حكمه وأسأله: هل من حق أى فرد فى المجتمع بدعوى الحرية أن يفتش فى الإبداع الفنى أو الأدبى، ويطلب توقيع العقاب على المبدع والأعمال؟ ولماذا لم يعترض الجمهور على هذه الأعمال وقت عرضها. نحن الآن فى مرحلة تخويف وإرهاب فكرى وتقييد لحرية الإبداع ومن المؤكد أننا كمبدعين سنتخذ موقفا حازما ليس لمساندة عادل إمام كشخص لكن لمساندة حقنا فى حرية التعبير.
● اليوم هو يوم عيد ميلادك كيف تقضيه؟
ــ كل عام يتصادف أن يكون هذا اليوم فى وقت التصوير، ففريق العمل مع بعض الشباب الذين شاركونى أعمالى السابقة يحضرون الحفل الصغير الذى يقيمونه لى، لكننى احتفل به مع بوسى ومى وسارة وأصدقاء مقربين مع أول دقائق فى يوم 28 ومجرد تورتة وعشاء بسيط.