2012/07/04
ديما ديب – الوطن السورية
المخرج محمد عنقا واحد من الإعلاميين البارزين الذين عملوا بجد طوال الأربعين عاماً في برامج متنوعة، وعندما تدخل إلى أستوديوهات البث المباشر في إذاعة صوت الشعب وترى حماسة العاملين ومحبتهم لعملهم ورغبتهم في العطاء، تجتاحك رغبة جامحة أن تعمل معهم أو تمارس العمل الإذاعي، التقت «الوطن» المخرج الإذاعي محمد عنقا ليتحدث عن تاريخه العريق وإبداعه العظيم.
تحدثنا عن بداياتك؟
عملت في إذاعة دمشق في عام 1964 وكان عملي في ذلك الوقت في أستديو التسجيلات كمهندس صوت إضافة إلى عملي مساعد مخرج مع مجموعة كبيرة من المخرجين الكبار أمثال المرحوم ممتاز الركابي ونزير عقيل وسهيل كنعان وحمد صالحية، والفنان الكبير أمد الله في عمره فاروق حيدر والأستاذ تيسير السعدي وقد استفت من خبرتهم الإذاعية كثيراً وبعد عشر سنوات بدأت مخرجاً إذاعياً في البرامج الثقافية ثم في البرامج المنوعة وفي عام 1972 أحدثت إذاعة دمشق برنامج أستديو 26 العصفور الحر وكان يخرجه المرحوم نذير عقيل وعملت معه مساعد مخرج أنا والزميل هشام شربتجي.
هل نعتبر أن تاريخك بالإخراج هو تاريخ البث المباشر؟
نعم والبداية كانت من إذاعة دمشق وكما يعلم المستمع المتتبع للإذاعة، أن البرنامج انتقل إلى إذاعة صوت الشعب عام 1979 وهنا أيضاً تابعت العمل في إذاعة صوت الشعب الذي كان في البداية لا يخلو من الصعوبات لكن هذه السنوات الطويلة ومعايشة لبرنامج يومي ومتواصل ستؤدي بي حتماً إلى عمل متقن للغاية خال من أي أخطاء في التقنية الإذاعية كما أن تراكم الخبرة أدت إلى تصعيد الحس النقدي لدي تجاه ما يقدم للمستمع. ما يرغب فيه وما لا يرغب فيه، ما يحبه وما لا يحبه، نوعية المتلقين وأذواقهم وهذا أدى حتماً إلى إعطاء طابع متميز للبرنامج في تعامله مع المستمع، وكل يوم يمر علي أشعر أنني أتعلم شيئاً جديداً وأنني أعتز بهذه السنوات لأنها كانت حافلة بالعطاء الفني كتابة وإخراجاً.
قلت إن الصعوبات لك كانت في البدايات ولكن لا بد من وجود صعوبات كانت تعترضك ولا يحس فيها المستمع؟
هذا صحيح الصعوبات في تعاملي مع الإخراج ومع الأخيرة كانت في البدايات، الآن انتفت هذه الأمور كمثال عندما كنا نخرج إلى المحافظات كي نذيع البث المباشر من هناك كنا نأخذ معنا نحو 100 شريط بكر مسجل عليهم أغاني وموسيقى لاستعمالها في البرنامج، الآن نأخذ معنا cd واحد عليه أكثر من خمسين أغنية، الآن لدينا في أستوديوهات البث جهاز اسمه (نثيا) عليه أرشيف إذاعة دمشق من أغان وموسيقا وبرامج فبدلاً من أن أذهب إلى المكتبة وأبحث عن شريط أو أغنية وهذا يستغرق مني أكثر من عشر دقائق، الآن وبكبسة زر تكون الأغنية وبثوان جاهزة للإذاعة.
البث المباشر حالياً ماذا يتضمن؟
يتضمن العديد من الزوايا اليومية والثابته فهناك مثلاً:
الأرصاد الجوية، زاوية البيئة والمحافظة على البيئة، الزاوية المرورية (عن حركة السير والشوارع المزدحمة حتى يتلافها السائق) المفقودات وهذه زاوية يومية تعطي فكرة للمستمعين عن المفقودات التي ينساها المواطن في أي سيارة أو شارع.
الحقيبة الثقافية ونشاط المراكز الثقافة في المحافظات، الرياضة بشكل يومي، نصيحة طبية يقدمها كبار الأطباء الاختصاصيين، وهناك زاوية يومية وتعتبر صلة الوصل بين المواطن والمسؤول وتعمل على إيصال هذه الشكوى إلى المسؤول والمساعدة على حلها.
هل هناك مقترحات جديدة لتطوير البرنامج؟
بالطبع نعم لأن شرط نجاح أي برنامج كبرنامج البث المباشر هو في التجديد وإلا فإن مطب التكرار الممل واجترار المادة أو استهلاك عنصر التسويق في الفترة المذاعة، ولهذا فإن إدارة إذاعة صوت الشعب ممثلة بالأستاذ موسى عبد النور مدير إذاعة صوت الشعب وبتوجيهات المدير العام الأستاذ معن حيدر ومدير الإذاعة الأستاذ صالح إبراهيم يجري العمل الآن على زيادة إرسال ساعات البث لإذاعة صوت الشعب، وعندما يتحقق هذا التمديد للإرسال هناك أقمار جديدة وبرامج جديدة ودورة جديدة وتقنيات هندسية وإخراجية جديدة، وأقول وبكل ثقة على لسان الإدارة إن هناك قفزة نوعية جديدة في إذاعة صوت الشعب، فنحن بانتظار تمديد الإرسال.
طوال عملك بالإذاعة وخلال هذه السنوات المليئة بالعطاء والعمل، ما البرامج والمسلسلات التي قدمتها لإذاعة دمشق؟
أول برنامج قدمته عام 1975 وهو برنامج رسالة المهجر وكان يقدمه المرحوم ميشيل توشقجي والزميلة نجاة الجم والبرنامج يهدف إلى تعزيز الصلة بين الوطن الأم والإخوة المغتربين الذين أقاموا لبلادهم سفارات العزة والكرامة.
ثم برنامج الحب والحياة وهو عبارة عن برنامج منوع ثقافي موسيقي بعد ذلك اتجهت إلى الكتابة فأول عمل لي في إذاعة دمشق كان في عام 1968 هو الزوج الخالد من إخراج المرحوم مروان عبد الحميد وبعد ذلك وفي عام 1970 كتبت مسلسل أبو زيدون من إخراج الفنان طلحت حمدي، وبعد ذلك تابعت كتابة المسلسلات الإذاعية التاريخية والاجتماعية والدينية والسياسية، ولي في المكتبة نحو أربعين مسلسلاً تأليفاً وإخراجاً.
وهناك العديد من المسلسلات الإذاعية التي قمت بإخراجها والتي تبلغ نحو 1500 عمل موجودة ومؤرشفة في إذاعة دمشق وفي مكتبة الأشرطة.
لنترك الحديث عن برامج الإذاعة ولننتقل إلى الإخراج الإذاعي بشكل عام، وسؤالي من المخرج الناجح؟ وكيف يكون؟
المخرج الناجح هو الذي يفهم النص جيداً، وبعد قراءة النص يستطيع انتقاء الأحداث والشخصيات المناسبة والموسيقى المناسبة والمؤثرات المناسبة.
وبالطبع أقول الإبداع في الإخراج هو كالإبداع في أي فن من الفنون إضافة إلى الإتقان والمهارة والموهبة، ودون موهبة حقيقة لا يمكن أن يتحقق النجاح، وأضيف إلى هذا الشرط هو شرط الإخلاص في العمل وإن كان الإخلاص شرطاً أساسياً لنجاح أي عمل.
هل هناك فرق بين مخرج الدراما الإذاعي ومخرج الدراما التلفزيوني؟
للفن الدرامي قواعد ثابتة رسختها تجارب المؤلفين والمخرجين منذ زمن بعيد، ففنون الدراما سواء بالإذاعة أم التلفزيون لا يزاحم بعضها بعضاً، بل هي تتكامل للوصول بهذا الفن الجميل إلى أكمل إبداعاته الممكنة مع الاحتفاظ لكل شكل من أشكال تقديمه بخصوصية النابعة من طبيعة الرسائل التي تستخدم فيه لتجسيد عناصر الدراما الواحدة من زمان ومكان وأحداث وشخصيات.
حكم العدالة هذا البرنامج الإذاعي الأكثر شداً في الوطن العربي، بل الأكثر تفرداً في إذاعة دمشق، دعنا تتحدث عن تجربتك الإخراجية طوال خمسة وعشرين عاما مع هذا البرنامج، وعن سر نجاح حكم العدالة واستمراره؟
برنامج حكم العدالة يتصف بالجرأة والواقعية وهذا أحد أسباب نجاحه إضافة إلى المواضيع المأخوذة من الواقع المعيش ومحبوكة بأسلوب درامي بوليسي مشوق وأحب أن أقول وبكل صدق إن نجاح البرنامج يعود الفضل فيه للمؤلف الصديق المحامي هائل اليوسفي الذي أسس مدرسة في كتابة الدراما من خلال الحوار السريع والجملة الرشيقة وحافظ على الوتيرة الدرامية التصاعدية في التشويق من أول الحلقة إلى نهايتها، كما أن نجاح البرنامج هو نتيجة حتمية للعمل الدؤوب على أسس موضوعية وتعاون الجميع من مؤلف ومخرج وممثل هو الذي ساعد على نجاح هذا البرنامج واستمراره.
تناوب على حكم العدالة مخرجون كثيرون من البداية، المخرج محمد عنقا عندما كلف إخراجه منذ خمسة وعشرين عاماً ماذا أضاف هذا البرنامج؟
لاشك أنني لا أنكر جهود الزملاء المخرجين الذين سبقوني بإخراج حلقات حكم العدالة وأيضاً إلى من تسلم البرنامج حالياً وهو الزميل حسن حناوي فأنا مطمئن الآن على هذا البرنامج لأنه أصبح في أياد أمينة ومخلصة ومثقفة وتتمتع بحس فني جيد وثقافة جيدة.
الذين عملوا في البرنامج جميعاً هم زملاء أعزاء تربينا معاً في بيت واحد هو إذاعة دمشق، إلا أن ما يميز الإخراج الدرامي عموماً هو أن لكل مخرج روحه الخاصة به ونكهته الإخراجية ابتداء من انتقاء الموسيقا مروراً بتوزيع الأدوار واختيار الممثلين وانتهاء يوصلها إلى المستمع. وهذه الروح الفردية هي ما يميز أحدنا عن الآخر، ولكل مخرج أسلوبه وطريقته، وهذا أسلوبي وأنا راض عن هذا الأسلوب الذي مارسته طوال الخمسة والعشرين عاماً في هذا البرنامج.
نجاح البرنامج ليس في مقياسه فقط في شعبيته وإنما أيضاً في الجوائز العديدة التي نالها، ما الجوائز التي حصل عليها حكم العدالة؟
برنامج حكم العدالة عام 1996 لم يجد ما ينافسه في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، فحصد ثلاث جوائز ذهبية في الإخراج والتمثيل والتأليف كذلك حصل على الجائزة التقديرية من لجنة البرنامج في تونس عام 2005 وكذلك استحق كل من المؤلف هائل اليوسفي والمخرج محمد عنقا أكثر من تكريم ومن أكثر من مؤسسة إعلامية وإنتاجية في القطر العربي السوري، وهذه الجوائز وهذا التكريم برأي الشخصي هو حصيلة جهد ومثابرة تضافرت لتؤكد سلطة الفن الإذاعي رغم وجود العديد من الفضائيات.
مؤخراً تم اعتماد هذا البرنامج تلفزيونياً هل نجح في التلفزيون كما نجح في الإذاعة؟
لا أريد أن أخوض في هذا المجال حتى لا أتهم بتحيزي للإذاعة ولكن أقول وبكل صراح وهذا رأي الشخصي طبعاً إن البرنامج لم ينجح تلفزيونياً رغم كل الإمكانيات التي رصدت له والسبب أن المتلقي من خلال الإذاعة يتخيل الجريمة والأحداث والمكان والزمان والأشخاص، يتخيلها بطريقة الخاصة أما في التلفزيون فإنه يراها وبشكل مباشر، وأعيد ثانية وأقول هذا رأي الشخصي.
للبرنامج دور تثقيفي مهم في الجانب القانوني إلى أي حد يجب أن يمتلك المخرج من المعرفة القانونية في هذا البرنامج؟
من المستحسن أن يكون المخرج على دراية بالناحية القانونية حتى يلم بالعمل بشكل جيد ويتلافى أي ثغرة قانونية ولكن فكرة البرنامج من تأليف الأستاذ هائل اليوسفي الذي له خبرة طويلة في المحاماة والقوانين والمحاكم وهذا ما يجعل أي مخرج مطمئناً إلى العمل من الناحية القانونية، وهذا لا يمنع أن يكون لدى المخرج ثقافة عامة تتعلق بالقوانين والمحاكم بأنواعها وهذا ما أجده اليوم في الزميل المخرج حسن حناوي.
بعد هذا العمر الطويل في العمل الإذاعي، وحصولك على الكثير من الجوائز والميداليات، ما شعورك الآن؟ وما طموحاتك الحالية؟
أنا الآن متقاعد وأقول متقاعد من الوظيفة ولست متقاعداً من العمل الإذاعي فالفنان لا يتقاعد أبداً ما دام قادراً على العطاء، حالياً أقوم بإخراج البث المباشر في إذاعة صوت الشعب وأنا مرتاح بعملي ومع زملائي وبما أقوم به، فسعادة المخرج هي في رضى المتلقي عن أعماله فالفنان لا يكتمل إحساسه الإبداعي ما لم يتفاعل مع الناس ويتلقى ردود أفعالهم إن كان سلباً فلكي يبحث عن مواطن الخلل في تجربته فيتجنبها وإن كان إيجاباً فلكي يدفعه شعوره بالنجاح نحو المزيد من بذل الجهد للوصول إلى ما يتمناه لنفسه ومحبيه، إنني الآن أشعر وبعد أن تقاعدت من الوظيفة أنني بدأت أقطف ثمار جهود السنوات السابقة والغنية من الكد والمثابرة في خدمة مهنتي الفنية وخدمة المستمع في أكثر من مجال وعلى أكثر من صعيد.