2012/07/04
عصام عبدالرحمن - دار الخليج
أجاز مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف مؤخراً، نص العمل الدرامي التلفزيوني “محمد” صلى الله عليه وسلم، تأليف الكاتب الصحفي سمير الجمل الذي يقدم، ولأول مرة، في هذا العمل سيرة النبي المصطفى محمد، صلى الله عليه وسلم، في قالب عصري، من خلال راهبة تشاهد حملات الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فتقرر أن تترك الدير وتتفرغ للرد على هذه الإساءات بشكل عملي، فتقوم بتأليف كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بروح عصرية من خلال البحث في أحوال الأمة الإسلامية، ويمتزج هذا بمشاهد تاريخية من حياة النبي الكريم .
وصف مجمع البحوث الإسلامية في تقرير إجازته العمل، بأنه رواية رائعة تدافع عن الإسلام والمسلمين وتظهر الإسلام في صورته الغضة المباركة الذكية، وتظهر جهل الآخر بأخلاق النبي الحقيقية وسيرته العطرة، ومن جهة أخرى خدع ومؤامرات الآخرين ضد الإسلام، وتدفع عن الإسلام شبهة ارتباط الإرهاب بالمسلمين، وتوضح حيل الآخرين في صنيعة الإرهاب وإلصاقه بالإسلام والمسلمين، في صورة درامية معاصرة، مع الربط بين مواقف درامية حديثة بمواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته .
تبدأ أحداث العمل الدرامي كما يؤكد مؤلفه الكاتب سمير الجمل بمقولة الكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه “الخالدون مئة وأعظمهم محمد” التي يقول فيها: “إن تأثير النبي محمد صلى الله عليه وسلم على البشرية لا يمكن إغفاله، فقد عاش حياته كزوج وراعي أغنام، وإلى جانب عمله بالتجارة أسس إمبراطورية عظيمة، وهو الأمي الذي حفظ القرآن الكريم، والبدوي الذي صنع حضارة كبرى تزداد قوة في العالم يوماً بعد يوم” .
ثم تبدأ أحداث العمل مع قرار ماريا، وهي الراهبة والباحثة ماريا أرمسترونغ والمستوحاة من حياة الباحثة العالمية الشهيرة كارين أرمسترونغ بالخروج من الدير واختيار الدفاع عن محمد صلى الله عليه وسلم بعد حملات الإساءة التي عمت أوروبا، وتقرر أن يكون ردها من خلال كتاب عن حياة هذا النبي الكريم، فتتوجه إلى المركز الإسلامي في لندن من أجل بداية جمع مادة كتابها عن النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، طالبة العون من مدير المركز الدكتور حمزة، وخلال بحثها تعود الأحداث إلى عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم متجهة إلى أوائل المسلمين، وهم في طريقهم إلى الحبشة وسر اختيار النبي الكريم لهذا البلد دون غيره لنصرة هذا الدين، رغم أن النجاشي ملك الحبشة في تلك الفترة كان نصرانياً، ثم تعود الأحداث إلى لندن مع ماريا وبداية رحلتها في البحث والتفتيش عن أحوال أمة محمد، لتأخذنا إلى قصة الحب العفيف بين باحث مصري في جامعة كامبريدج اسمه موسى المصري وباحثة إيرانية تدرس في الجامعة نفسها، وهي مريم، وتتعرف ماريا على مسلمة منقبة تدعى لطيفة، تتخفى خلف النقاب مدعية أنها أوروبية، تتحدث أكثر من لغة وأكثر من لهجة، لكن لها مآرب من نقابها، كذلك تلتقي ماريا وجه العملة الآخر للطيفة، وهي إليسا التي تتشابه مع لطيفة في الأهداف، لكن إليسا مودرن، وبين إليسا ولطيفة تحدث مفاجآت لا أول لها ولا آخر .
تحب مريم الإيرانية الشيعية المصري السني موسى، لكن تحيط بمريم ظروف عدة تحول دون ارتباطها به، منها عمها وابنه الذي يفرض نفسه بالقوة عليها، ويستغل في ذلك دَيناً مادياً لأبيه في ذمة والد مريم .
تتعرض ماريا لحملات ضغط وتهديد لتتخلى عن مشروعها، خاصة عندما تكشف في كتابها عن سر العداء البغيض من بعض الأوروبيين تجاه نبي الإسلام من دون فهم أو وعي أو معرفة كافية برسالته العظيمة في التسامح واحترامه لجميع الأديان، وكيف أنه أرسل بالمسلمين إلى الحبشة ثقة في ملكها العادل، رغم محاولات ملك الحبشة الأسبق أبرهة هدم الكعبة .
وبالتوازاي تأخذنا الأحداث إلى قصة ارتباط نعيمة، المحجبة التركية، بالشاب الإنجليزي مكسيم، وتعرّض نعيمة لجريمة بشعة بسبب حجابها وتمسك مكسيم بها وتعاطفه مع أخلاقياتها واحترام تقاليدها وعفتها وتسامحها مع غير المحجبات، إذ إن قانون الإسلام أنه لا إكراه في الدين ولو أراد الله تعالى لخلق الناس جميعاً أمة واحدة .
وتصل الأحداث ذروتها بنزول ماريا إلى مصر والتقائها مع “دعاء” السيدة المنقبة في منطقة مصر القديمة، حيث تتعانق الكنيسة المعلقة الأثرية مع جامع عمرو بن العاص مع معبد عزرا اليهودي، في لوحة إيمانية رائعة شاهدة على قلب مصر الذي يتسع للجميع، وهنا تعود الأحداث إلى أيام دخول الجيوش الإسلامية إلى مصر وإنقاذها الأقباط من بطش الرومان، وكيف أنهم حافظوا على الكنائس في محبة نادرة .
وخلال بحث ماريا عن باقي مادة كتابها في مصر تلتقي مع كاتب مصري هو “ماجد النجار”، وهو مؤلف مسيحي شهير تخرج في كلية الحقوق حاصلاً على الامتياز في مادة الشريعة الإسلامية بها، وتزامل مع د . نوح الأزهري في رحلة العمر والنجاح والكفاح، وتعرّضا للموت معاً على طريق الصعيد خلال العودة من رحلة للصلح بعد مشاحنة وقعت بين مسلم وقبطي بشكل عادي وصنفها البعض على أنها فتنة طائفية، كذلك كتب ماجد، وهو المسيحي، سيناريو مسلسل محمد صلى الله عليه وسلم عام 68 بموافقة الأزهر الشريف، وشخصية ماجد مستوحاة بتصرف من شخصية الكاتب المصري الراحل “كرم النجار” .
وتتصاعد الأحداث عندما يتعرض الدكتور حمزة الشامي، مدير المركز الإسلامي بلندن، لحادثة الاعتداء عليه من قبل شاب ذي لحية ويرتدي الجلباب، وتخرج أجهزة الإعلام لتقول إنه إرهابي مسلم، وهي التهمة الجاهزة في كل وقت وكل مكان، ثم تكون المفاجأة أن الشاب إنجليزي من أصدقاء سلمان رشدي، الذي يؤلف الروايات التي تهاجم الإسلام، ومنها كتابه الشهير “آيات شيطانية” .
وأثناء تتابع رصد ماريا كل هذه الوقائع في كتابها تتعرض لسرقة محتويات كتابها قبل طبعه، لكن موسى وزميله الخليجي فهد يعيدان الكتاب .
عن فكرة هذا المسلسل يقول مؤلفه سمير الجمل: قصدت أن يكون هذا العمل رسالة في التسامح والتعايش الإنساني بين الأديان السماوية من خلال دراما مبتكرة، تؤكد قداسة واحترام الأديان الثلاثة وتركز على المشتركات الرئيسة بعيداً عن نقاط الخلاف الفرعية، لتقدم الأديان السماوية في بوتقة إنسانية وصيغة مقنعة واقعية لعالم واحد ينطلق من واقع عالمية الإسلام وسماحة المسيحية والاعتراف باليهودية كديانة بعيداً عن الصهيونية كسياسة .
ويتابع الجمل: في المسلسل نقدم بالبرهان الدرامي المؤكد أن الإسلام انتشر بالإقناع وبالحسنى، وليس بالسيف كما يدعي البعض، من خلال الاعتماد على وقائع وأحداث حقيقية تخاطب الجميع في الشرق والغرب، فالشخصية الأهم في المسلسل مستوحاة من قصة الكاتبة الشهيرة والمستشرقة البريطانية والراهبة السابقة “كارين أرمسترونغ”، التي تخصصت في مقارنة الأديان وتعد واحدة من أهم مقدمي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجتمعها الغربي .
ويؤكد الجمل أن المسلسل سوف يتم تصويره بين القاهرة ولندن والبوسنة وتركيا وعدد من المدن الخليجية، وسوف يضم نجوماً من مصر وأوروبا والوطن العربي، وتقع أحداثه في 30 حلقة ومن المنتظر ترجمته إلى خمس لغات عالمية، غير أنه لم يتم حتى الآن الاستقرار على جهة إنتاج قادرة على تحمل ميزانيته الضخمة .