2012/07/04
ماهر منصور - السفير
صورة واحدة وقراءات متعددة. والصورة هنا هي للمقبرة الجماعية لعشرة من رجال الأمن السوري، والتي كشف عنها الجيش العربي السوري بحضور عدد من وسائل الإعلام العربية والعالمية في مدينة جسر الشغور في محافظة أدلب شمالي سوريا.
وبينما تبدو القراءات المختلفة للصورة محكومة باختلاف مواقع مشاهديها من الإعلاميين، يؤكد عدد من وسائل الإعلام أن قراءته للصورة لا تتعلق إلا بالتموضع السياسي للقائمين عليها، وموقفهم المسبق من الحدث الدائر على الأرض السورية، بعيداً عما يمكن لتلك الصورة أن تقدمه من معطيات جديدة.
غالباً ما كان «يتمترس» الإعلاميون خلف مقولة أنه «من غير المسموح لنا العمل على الأرض والحصول على معطيات تبنى بمقتضاها قراءاتنا للحدث السوري». وهذه الحجة صحيحة بالمعنى المهني المطلق، وبمعايير الالتزام بمواثيق العمل الصحافي وشرف المهنة، إلا أن من غير الطبيعي أن ننظر إلى مواثيق الشرف المهنية ومقتضيات العمل الصحافي بعين واحدة وبطريقة انتقائية. فالغياب عن الأرض لا يعني، على سبيل المثال لا الحصر، تبني أي معلومة تطرق بابنا.
وفيما كان من المرتقب حصول اختلاف في التناول الإعلامي للحدث السوري من قبل بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية، بعد السماح لها من قبل وزارة الإعلام السورية بمرافقة الجيش العربي السوري في مهمته القتالية في جسر الشغور، ما أتاح لها معاينة الحدث عن قرب، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث!
قناة «العربية» التي كانت من ضمن الفريق الإعلامي الداخل إلى جسر الشغور، وضعت المقبرة الجماعية في إطار «تحول خطير تشهده الأحداث في سوريا تتخلى فيه السلطات السورية عن الإصلاحات وتتخلى فيه المعارضة عن سلميتها». جاء ذلك في مقدمة إخبارية قرأتها نجوى قاسم تبرر الجريمة لا تدينها. وإن كان ليس مطلوباً منها أن تمنح صكوك غفران للجيش السوري. ولكن على الأقل كان يجدر الانتباه الى أن القتل، (وظاهرة تقطيع الأوصال التي شهدناها) ما من شيء يبررهما، بغض النظر عن هوية الضحية.
قناة «الجزيرة» التي سبق وأوقفت عملها في سوريا، لم تحضر، وربما لم تُدع، كما تقول. إلا أن قناة «الرأي والرأي الآخر» واصلت إطاحة موضوعيتها حين قاربت حادثة المقبرة بوصفها «رواية سورية بشهادة وسائل إعلام عربية وعالمية موالية للنظام»، وكأنها تعلن أن أي خبر لا يردها عبر أصوات شهود عيان، أو ناشطين وحقوقيين مجهولين أو معارضين هو خبر خاطئ حتى لو ثبت العكس!
وتبالغ «الجزيرة» في تجاوز «موضوعيتها» حين تتهم وسائل إعلام عربية وعالمية بالجملة بأنها موالية للنظام السوري. فإذا كانت القنوات اللبنانية مثل «المنار» و»إن بي إن» قنوات موالية للنظام السوري، فهل «العربية» و»بي بي سي» مواليتان للنظام السوري أيضاً، وقد كانتا من بين من دخل إلى جسر الشغور؟ ولماذا ترفض «الجزيرة» أساساً مجرد احتمال تصديق حادثة المقبرة؟ ولماذا لم تتوقف كثيراً عند الحادثة؟ هل كان ذلك من باب المهنية التي تتغنى بها القناة؟