2012/07/04
عهـد صبيحـة
قرأتُ مرّة مقالة قديمة تعود إلى العام 1950، نُشرت في مجلة "الهلال" المصرية للكاتب أنور محمد وتحمل عنوان "السينما بعد خمسين عاماً"، يقدّم فيها الكاتب تصوراته لحال السينما بعد خمسين عاماً، أي في العام 2000، ولا أخفيكم أنه لم يكن ليخطر ببالي الحديث عن هذه المقالة الشيقة لولا كمّ التنبؤات العجيب الذي أتحفتنا به شاشاتنا العربية كوسيلة رخيصة لجذب المشاهد العربي، أو ربما كدليل على مستوى ثقافتنا المترفّع عن سخافات الواقع إلى مجاهل الكواكب والنجوم!!
ولستُ هنا أُقارِب بين تنبؤات كاتبنا القديم وتنبؤات عرّافي زمننا لأنه، كما وضَح لي من مقالته، لم ينحُ منحى هؤلاء العرافين فاستجدى حركة الكواكب أو عالجَ الأرقام أو نظرَ في الفنجان من أجل مشاهدة مستقبل السينما، بل سَلَكَ درب العالـِم في جزءٍ من المقالة، وهذا ما أثار إعجابي ومفاجأتي لِصواب ما استشفّه قبل ستين عاماً، وفي جزء آخر سلكَ درب الحالم والآمل خيراً لبلاده، وهذا ما أحزنني لأن أحلامه لا تبدو قريبة من التحقق.
نجح صديقنا الكاتب في التنبؤ لثورة السينما في القرن الحادي والعشرين، والتي ظهرت بوادرها العام الماضي بتصدّر فيلم Avatar، بتقنية الـ 3D الحديثة، لشباك التذاكر بأرقام فلكية، وإتباعه بأفلام كثيرة تنهج هذا النهج الحديث. اجتزئُ مقطعاً من مقالته يقول فيه: «وسيأبى المخرجون إلا أن يشارك المتفرج في الإحساسات والمشاعر التي تعتمل في نفوس من يشاهدهم في الفيلم، فإذا كانوا مثلاً في زورق تعبث به الريح أو في طائرة تتأرجح في الهواء شعر بكرسيه يهتز تحته ويميل تبعاً لذلك... وسوف لا يكتفي بتجسيم المناظر ليراها المتفرج كما يراها في الحياة، لكنه بجانب ذلك سيشم رائحة الشيء الذي يشاهده إن كانت له رائحة خاصة مثل الأزهار والورود الطبيعية، والعطور، وبخار البحر المشبع باليود، والبارود!»
في مقطع آخر يقول: «وستعمّ السينما اللاسلكية، فيكون في البيوت بجانب أجهزة الراديو والتلفزيون أجهزة مماثلة لعرض ما شاء أصحاب المنزل أن يشاهدوه من الأفلام التي تعرض وقتئذ في أي مكان. دون أن يكلفهم هذا أكثر من إدارة مفتاح جهاز السينما.»
في الجزء الحالم المتعلق بالسينما العربية من مقالته، أقتطع جملاً متفرقة لا أعتقد أنها تحتاج إلى تعليق «إن هذه الدار الفخمة، ذات المقاعد الوثيرة، والهواء المكيف، نموذج لكل الدور الأخرى، فقد اختفت دور الدرجة الثانية والثالثة، لأن جمهورها قد اختفى وانقرض»، «ولهذا أعتقد أن أفلامنا سنة 2000 ستكون قد شقت طريقها إلى التوزيع العالمي في أوربا وأمريكا، وسنرى الأفلام المصرية وقد صنعت منها نسخ بالإنجليزية والفرنسية في الوقت الذي تصنع فيه النسخة العربية، وبوساطة الفنانين المصريين الذين سيراعى في اختيارهم إجادتهم التحدث بهذه اللغات الحية»، «وهكذا سنرى في هوليوود، وفي الأفلام الأمريكية ممثلين وممثلات مصريين، يحتلون نفس المكانة التي تحتلها الآن أنجريد بريجمان السويدية وشارل بواييه الفرنسي»، «وسيتاح لنا أن نخرج أفلاماً تجري حوادثها في الغابات والأحراش التي تغطي القسم الجنوبي من الدولة المصرية، لأن السودان سيكون جزءاً من دولة وادي النيل»!!!
أتوقع.. عفواً.. أحلمُ أن يقضي أبناؤنا رأس السنة لعام 2070 على سطح المريخ، يشاهدون قنوات فضائية عربية تبث من الزُهرة أو المشتري أو ربما من خارج درب التبانة.. لحظة.. أليست الأسماء التي ذكرتها كلها عربية؟ من قال إننا لم نغزو الفضاء؟!!..
وكل عام وأنتم بخير