2012/07/04
ابراهيم العريس-دار الحياة لسنا ندري ما إذا كان كثر في العالم العربي، من بين متفرجي محطات التلفزة الأجنبية يعرفون محطة «متزو» الفرنسية. فهذه المحطة، حتى في فرنسا وأوروبا عموماً، لا تتمتع عادة بأكثر من نسبة مئوية تعد على أصابع اليد الواحدة من بين مئات الملايين من المشاهدين.. لا تنافسها في هـذا الرقم المتدني سوى محـطة «آرتي» الثقافية الفرنسية - الألمانية. ومع هذا صارت «متزو» كزميلتها معْلَماً راسخاً من معالم الحياة الثقافية وربما في مناطق تتجـــاوز فرنسا وأوروبا. والحقيـــقة أن الذين أسسوا هذه المحطة لم تكن لتخامرهم أيـــة أوهام عــــند التأسيس. فبينما أن «متزو» متخصصة في شتى أنواع الموسيقى الراقية، لا يمكن أحداً أن يسمح لنفسه بأن يتوقع تدفق المشاهدين (ولا سيما المستمعين هنا) عليها. انها من نوع المؤسسات النخبوية بالتأكيد. ولكن نخبويتها هذه ليست منغلقة، إذ أنها منفتحة على الموسيقى الكلاسيكية كما على الأوبرا، على موسيقى الجاز كما على بث برامج عن موسيقيين، ناهيك بموسيقى الشعوب وأعمال كبار مغني الماضي. ان أول ما يخامر المرء حين يعتاد على هذه المحطة، وتصبح جزءاً من شهرته اليومية، هو التساؤل عن غياب الموسيقى العربية - باستثناء المغربية التي تقدم بين الحين والآخر - عنها. وطبعاً قد نلوم «متزو» على هذا التقصير، ولكن ألا يفترض بنا نحن العرب أصحاب الشأن أن نبادر الى الاتصال بالمحطة لـ «تسوية» الوضع، تماماً كما نتصل للتحالف مع شتى المحطات التجارية ونبادر الى شراء برامج الألعاب وشراء المسلسلات التركية والمكسيكية وغيرها... أو أن الموسيقى العربية لا تستحق منا هذا الجهد... فيما تستحقه مشاريع «وزراء الاعلام العرب» التي لم ينفذ منها شيء حتى الآن و...حسناً فعلوا! أما الشيء الآخر الذي يخامر الذهن لدى مشاهدة «متزو» فهو تذكّر أن لدينا نحن أيضاً، على خريطة الإعلام العربي المرئي محطات عديدة متخصصة في بث الموسيقى والغناء الكلاسيكي العربي. وهذا ما يدفع الى التساؤل لا سيما ازاء الحال المزرية والمشوهة التي تقدم بها روائع الطرب العربي الأصيل، دون تصحيح ألوان ودون تحديث، التساؤل عما إذا كان مسؤولو هذه المحطات يشاهدون «متزو» بين الحين والآخر... لإدراك الجهد الذي تبذله المحطة لتصحيح الأفلام القديمة وتنقية الصوت الى حدود مدهشة، ودقة الاختيار وروعة التوقيت وجمال التنويع، فيشعرون ولو بغيرة محفزة. وفي ظننا أنهم لو فعلوا للاحظوا في المقام الأول كيف أن الأعمال الفنية الكبرى تقدم على شاشات تخلو، لحسن حظ متفرجي «متزو» من تلك التشويهات السائدة عندنا، والتي ليس أقلها تزامن بث روائع أم كلثوم وعبدالحليم وفيروز ووردة وغيرهم، مع بث تلك الرسائل القصيرة أسفل الشاشة التي تدفع سخافتها المرء الى الندم لمحاولته الاستماع الى هؤلاء الكبار عبر هكذا شاشات.