2012/07/04
فادي عزام – القدس العربي المتابع لمسلسل (ما ملكت أيمانكم) يجد أن صورة المسلم المتطرف لا تبتعد عن النمطية التي شكلها سابقا مخرج العمل نجدت أنزور والكاتبة هالة دياب في مسلسل 'الحور العين'. ولكن في 'ما ملكت أيمانكم' يعمل النص على جمع أكبر كمية من القضايا والأزمات الاجتماعية التي يشكلها الثالوث المحرم وحشرها معا. مثل الفساد السياسي والاجتماعي، السلطة الذكورية، الدعارة وتفسخ محدثي النعمة، الحجاب والعقاب، الأرهاب، الفقر واللاجئين العراقيين، والعلاقات الجنسية المشبوهة بين المراهقين ..إلخ. دون أن يجرؤ على إيجاد أسباب هذه الظاهرة. وخاصة الأسباب السياسية منها. ومن ثم جعل الشخصيات تنقسر لتتكلم وفق رؤية نمطية معدة سببا، فتقع كما سابقتها في معظم ما أنتجته الدراما السورية الاجتماعية، بخلق شخصيات مكرسة لم تبتعد عمّا أنتج سابقا أو معاد إنتاجها مع بهارات أكثر حرارة بحجة صدم المشاهد. مع فارق واحد بذخ أنتاجي كبير. بكل شيء حتى بالأغنية التي صممت للمسلسل ويؤديها جورج وسوف. السرقة الموصوفة من شاهد فيلمي كراش 'التصادم أو الاصطدام' للمخرج الكندي بول هاغيس والفائز بالاوسكار للدورة 78 أو فيلم 'السكرتيرة' للمخرج ستيفن شينبرغ وهو مأخوذ عن قصة ماري جتسيكل وسيناريو ومعالجة إيرين ويلسون وقارنهما بمجموعة من المشاهد في المسلسل سيجد بسهولة بالغة، سرقة غير احترافية دون أي أشارة أو تصريح من الكاتبة ومن المخرج معا. فهناك مشاهد أخذت بحرفية من فيلم'كراش' وأخرى شبه حرفية من فيلم 'السكرتيرة'. في فيلم كراش تتعرض ساندرا بولوك 'العنصرية' وهي وزوجها المسؤول السياسي المرشح للانتخابات، لسرقة سيارتها مع مفاتيح البيت من قبل شابين من أصول أفريقية، فيقوم الزوج باحضار عامل لاستبدال القفل فتطلب الزوجة تغيير القفل ثانية، نظرا لأن العامل (مكسيكي) ويضع وشما على رقبته، ووجهه يوحي بالأجرام وهي لا تثق به، وتشكك بأنه سيستنسخ مفتاح البيت، ويعطيه لأمثاله من المجرمين. يطلب منها الزوج الهدوء وعدم التطيّر. بينما حوارهم مسموع من فريق العمل الخاص بالزوج والشاب المكسيكي الذي يبتلع الأهانة ويغادر بينما يبقى الزوج خائفا من وصول خبر سرقة سيارته للإعلام. لم تكلف السيدة هالة دياب نفسها في هذا المشهد عناء تغيير الحديث في الحلقة الثانية من المسلسل فخرج بتطابق كامل مع اصله في 'كراش' فبنت المشهد كما يلي: تتعرض غرام (رنا أبيض) لسرقة سيارتها مع مفاتيح البيت من قبل شابين سوري وعراقي. تطلب من زوجها فاضل، وهو رجل أعمال يستعد لدخول البرلمان أن يغير مفاتيح البيت. وتتدخل غرام عندما تشاهد الشاب الذي يعمل على تغيير المفتاح وتطلب من زوجها أن يغيره مرة ثانية ويتصل بالشركة لارسال عامل أخر. لأنها غير مرتاحة لهذا العمل 'شكله غربتلي (مهاجر) وجهه وجه إجرام'. وتخبر زوجها أن العامل بالتاكيد سيصب عن المفتاح ويعطيه لواحد من جماعته. بينما يكون الزوج مرعوبا من وصول هذا الخبر للإعلام. المدهش بهذه السرقة أنها لم تقتصر على الحوار بل على حركة الكاميرا كما في مشهد 'كراش' وهنا نرى نفس زاوية الكاميرا وحركتها وتقطيعها. وحركة ووجوه الممثلين منسوخة بالحرف مما يجعل من سرقة المشهد ليس كسناريو فقط بل كإخراج أيضا. ومع فارق بين الناسخ والمنسوخ لا يقارن. المشهد الثاني بنفس الحلقة. يقوم ضباط بتوقيف وسام وندين العاشقين، وهما في سيارة يتكلمان. الضابط يطلب من وسام الخروج من السيارة ووضع يديه علىها في وضعية التفتيش ' الأمريكية ' تتدخل ندين لمنع الضابط من ذلك وتجادله بطريقة حادة، بينما حبيبها يطلب منها سماع كلام الضابط والبقاء في السيارة. فترفض ذلك وهنا ينتهي المشهد وهي تقول لحبيبها أنه لا يستطيع حمايتها ولا الدفاع عنها. المشهد في الاصل في 'كراش' يتعرض زوجان من أصول إفريقية لتوقيف من ضابط عنصري. ويقوم بتفتيش الزوج بطريقة مهينة. فتنفعل الزوجة وتخرج من السيارة ليوقفها الضابط بنفس الطريقة ويفتشها بطريقة أكثر أهانة ويتلمس جسدها أمام ناظري زوجها دون أن ينبس بحرف. فينتهي المشهد بمعاتبة الزوجة لزوجها أنه غير قادر على حمايتها. طبعا حذف السيد أنزور مشهد تفتيش الصبية ولكن أبقى كل ما عداه. مخالفا أبسط وسائط الواقعية أنه في سورية لا يتم التفتيش ومجادلة ضباط الأمن بهذه الطريقة. إنما نقل المشهد حرفيا ولم يكلف نفسه بجعله محليا. السرقة الثالثة في الحلقة الثامنة. وهي مأخوذة من فيلم السكرتيرة، يصور فيه حالة من الحب السادي بين فتاة مازوخية ووعشقها للرجل الذي تعمل سكرتيرة في مكتبه. فيلم هام وعميق الدلالة. سرق منه هالة وانزور أهم مشهد يرتكز عليه الفيلم. فماغي جيلينهال تمثل دور السكرتيرة المازوخية. تقوم بتفريغ كبتها العاطفي والإنساني عن طريق تشطيب فخذها من أعلى الركبة بشفرات حادة بجروح تخرج الدم. وتجعل من جسدها يهدأ. وهي تحتفظ بعلبة انيقة من المعدات الجارحة تستخدمها بشكل منتظم لجرح جسدها ومعالجة الكبت بالألم، كدلالة مازوخية واضحة يجعلنا مخرج الفيلم نرى هذا الفعل المستمر عبر آثار قديمة وحديثة للجروح الموشومة على فخذها. في مسلسل 'ما ملكت أيمانكم' تم حشو هذا المشهد باستنساخ قليل الجودة. فنرى ليلى (سلافة معمار) بطلة العمل المقموعة داخل اسوارعائلة إسلامية متزمتة، وتقدم بشكل غير مدروس بحيث يتم تلبيسها وتحميلها بمواقف اكبر من قدرتها. وهذا بلا شك واضح حتى الحلقة التاسعة. فهذه الصبية الضعيفة المهانة المحاصرة من أخ متزمت عصبي المزاج مدعي الفضيلة يحرم على اخته ما اباح لنفسه، يلبس ثوب الشيخ الطهور، ويقوم بعلاقة جنسية مع مراهقة تؤدي إلى حبلها، يرميها ويتهرب من مسؤوليته ويتهمها أنه أغوته كما أغوت حواء آدم من قبل. ليلى التي تجد فسحة من التفريغ العاطفة تهرب من خلالها إلى علاقة مع عامل ورشة في البيت المجاور تتطور من النظرات البريئة إلى رؤيته وهي متخفية بالبرقع عند مطلع الدرج. حسب الأيحاءات المصورة لم تكن هذه العلاقة كافية لتخليص ليلى من ألامها وكبتها العاطفي والجسدي ولم تعد تجدي معها الصلاة والدعاء وحلقات الذكر ودروس الدين من الاستاذة القبيسية. فتلجأ إلى علبة بيضاء من درج خزانتها مليئة بشفرات حادة. تكشف عن ساقها الموشومة بجروح سابقة وتبدأ بشطب فخذها وإدماء نفسها ومعالجة الكبت بالألم. بمحاكة تامة لفيلم 'السكرتيرة'. طبعا كل هذه المشاهد مع حلقات المسلسل موجودة على 'يوتيوب'. ولم نتكلف طويلا من الوقت لنجدها. ويمكن لأي كان الرجوع إليها ويحكم بنفسه وربما يجد أكثر من هذا بكثير. المتابع المدقق سيجد الكثير من الاقتناص لحوارات سابقة أو مشاهد مأخوذة من الفيلمين وغيرهما بعضها معروف وبعضها ليس كذلك؟ مشاهد مرت على الذاكرة سابقا وسنحتاج لقليل من التفرغ لكشفها بعد نهاية هذا العرض في أخر رمضان. ولكن هذا يحيلنا إلى تساؤل ليس ببريء فإن كان مخرج مخضرم مثل أنزور لا يجد حرجا من اقتباس غير شريف للنص وزاوية الإخراج فكيف الحال بالباقي من المخرجين؟ وهنا يمكن بالفعل طرح قضية على المعنين لسحب كلمة مخرج من كل من هب ودب. فمعظم مخرجينا العرب الذين يعملون في التلفزيون ما هم إلا مصوري حكايات. ولا يمتلكون تلك الكلمة الباهرة التي يستخدمونها كلما أطربونا بتصريحاتهم (الرؤية الإخراجية) بل هي تجميع غير مدروس وزواية مزاجية لتمرير الهذر في الحوار. وحين نشاهد مشهدا جيدا، يفاجئنا إنه ملطوش أو مزور أو أنه مقطوع عن السياق العام أو معاد أنتاجه من أعمال أخرى مشهورة دون أن يحاسبهم أحد. خلاصتان يكشف المسلسل عن إشكاليتين. واحدة بالشكل وأخرى بالمضمون، تخص من يتحدث باسم مجتمعاتنا وكيف يتحدث؟ فالشيخ البوطي له تصور والسيد أنزور له تصور. وكلاهما يحاول ان يستولي على صورة المجتمع ووضعه في قوالب جاهزة وتمريرها للآخر بحجة كشف عيوب المجتمع عبر إهمال دور السلطة السياسية أو التحذير منها بالزمجرة السماوية الحارقة عبر إفتاء ديني خطير. أما الشكل فيطرح فكرة السرقات الفنية المكشوفة والمضمرة فهي بعرف الفن والأخلاق المهنية، سرقات معيبة لأنه لم يتم الأشارة لها. وهي أخذت عن وعي وأدراك تامين.. وتحتاج إلى أجوبة من مرتكبيها. ونرجو أن لا تكون اعذارا أقبح مما وجدناه. فلاش أوجد ياسر العظمة في مسلسل مرايا الأكثر تهريجا بتاريخ الدراما السورية. حلا ذكيا لسرقاته واقتباساته ومصادرة جهد الكتاب وأفكارهم. حين كان يكتب على الشارة. مما قرأ وسمع وشاهد ياسر العظمة. حل مقبول ننصح أنزور بكتابته بجوار اسمه. وبعدها فليسط كما يشاء.