2012/07/04
أحمد علي هلال - البعث
الصورة الدرامية بوصفها فضاء التأسيس لمطلق عمل درامي، والموازي السردي لنصّه المكتوب في إطار أشمل، يعبّر عنه بالتقنيات السمعية-البصرية، لكن ذلك المكوّن الدرامي ليس محايداً على الإطلاق، بمعنى أنه يحملنا-كمتلقين- على الذهاب في الدلالات الإضافية للنصوص الدرامية، لجهة جماليات لا تختزل ببلاغتها وتعبيرها على النحو الذي يفارق فيه الإخراج مثلاً "ثغرات النص"، لتمتلئ الفجوات المحتملة!.
بل أكثر من ذلك، يحيلنا سرد الصورة أو نثرها، إلى فحص بنى التشكيل ودرجاته ومستوياته، وفي سياق ما يحمله روي الصورة بضراوتها أو شعريتها، إذ ثمة ضرورة للذهاب أبعد من اختزال الجماليات في تجريد الصورة والتي لا يمكن تجزئتها، لسياقها الفاعل والمؤثر، ولا سيما حينما تسرد بحساسية معينة، الأمكنة، أو سائر الفضاءات الأخرى، فالأوقات، الضوء، الألوان.... وصولاً لسرد المونولوجات ودواخل الشخصيات، وثمة صور تتسرب من صور فنألفها، وأخرى تفارقنا بصمتها وتجريبتها، لكنها في الأغلب الأعم، تكمل دائرة المعنى، فالصور الأولى تأسيس، والأخيرة تنفتح على تأويل النهايات صوب صورة للحياة أو جانب حاسم منها.
إنها الصورة الدرامية المنشودة إذ التخيل والافتتان، أو الإبهار البصري الذي يمكن للمخرجين أن يعللّوه بأنه ربما يكسر نمطاً معيناً ليغتني مسار العمل الدرامي بأبعاد ومعطيات مباغتة، لكن ذلك الإبهار يكاد في أعمال معينة يتجاوز حدّ المجازفة في التجريب عبر مقترحات جمالية، يتوسلها مجاز الصورة بمسوغات ليس أقلّها هدم الحدود بين المتخيل والواقع، وذلك يستبطن ما يقال عادة عن سلطة الصورة وتعدد زواياها استجابة لشرط حداثي، يقوض هيمنة النمط السائد، ويمنح العين أفق قراءة مختلفة، ربما تصح تلك المسوغات لإظهار جماليات المدن كدمشق في "جلسات نسائية"، حيث تتبدى جماليات الطريقة التي يظهر فيها سرد المدن ونثرها أيضاً، ولعل اختبارات الشكل الجديد -كما يذهب المخرج الفنان المثنى صبح- في تأكيده على تغليب الحساسية على الإبهار، لا سيما في عمله اللافت "جلسات نسائية"، حيث "إنجاز صورة بصرية تنتظر أفقاً في المستقبل"، لكن ما يلفت الانتباه في هذا السياق الذي يبحث عن تشكيل مغاير للجماليات وما بعدها، يستبطن كذلك، نقل لغة السينما إلى التلفزيون، عبر طقوس الصورة، التي تجمع بين "الإبهار والحساسية".
ويصرح نقاد السينما الغربيون: "لا بأس بالمشاهدة" أو "للمشاهدة"، بغية توفير المجال الذي تتداخل فيه الفنون وتتجاوز على النحو الذي يشي بأن العالم صورة، ولكن كيف تسردها وتوظفها لتخلق إيقاع العصر، وتضبط إيقاعك إزاءه، صورة كلية بموازاة التفاصيل لتنشئ منمنماتها معرفة وسحراً، لا يخفت بالاكتشاف ولا يبدد بالسرعة والتسارع؟!.
في "يوم ممطر آخر"، تحقق الصورة الكثير من استحقاقاتها لجهة عين المتلقي الباحثة عن "الدواخل" لدراما الحكايات الاجتماعية في مستويات الشغف أو الصدمة، التي تمنح أفق تعبير مغايراً، خلافاً للصور الثابتة والناجزة التي درجت عليها دراما البيئة مثلاً ثمة ما يؤسس هنا، لما يسمى "بسينما المشهد العريض" التي عرفت على يد مخرجي الروائع صلاح أبو سيف والراحل مصطفى العقاد، قد يعني استدخالها ذلك النوع من المغامرة المحسوبة حقاً بمعادلة يسميها النقاد «التعاقب الطفيف» الذي يراكم انقطاعات الصورة المتتابعة، مغامرة تبقى في أفق الانتظار أيضاً، لأن ثمة رهاناً مفتوحاً على صورة تتماسك بها الكلمات، فمن السينما إلى التلفزيون يحمل دراميونا أبطالهم على بثّ دواخلهم، حيث لا تنظر العدسة إليهم بعين المتفرج فحسب، فالمشاهد في إثر الصور كما الطريقة التي لا تقود إلى الشعر، بقدر ما تفضي بشعرية الحالة، مثلما هو منتظر من أعمال تترجم قصص العشق في التراث العربي.
فهل تتخطى إلى ما بعد جماليات منجزة ومألوفة حد الاعتياد الصريح، والخفة التي لا تحتمل ليرسم الانتظار كل آفاقه المحتملة إذا تراسلت الفنون حقاً، لتمتع فتغبط المعرفة ذاتها.