2012/07/04
سامر محمد إسماعيل - السفير
غريب فعلاً البيان الصادر مؤخراً عن «مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» معلنا إطلاق مشروع «مدينة للإنتاج التلفزيوني» في سوريا. فكما جاء في البيان يهدف المشروع إلى «النهوض بالدراما على الصعيدين المحلي والعربي وتحقيق التكامل مع ما أنجزه القطاع الدرامي الخاص». كلام لا يمكن اعتباره إلا تكرارا لخطأ سابق وقع فيه المصريون العام 1986 بداية تفكيرهم بإقامة مدينة الإنتاج الإعلامي. فالمدينة المصرية التي تتوزع استوديوهاتها الضخمة على مساحة مئات الأمتار المربعة في مدينة 6 أكتوبر، وتنتج حوالى 3500 ساعة برامجية سنوياً، لم تستطع أن تجاري ميزة السوريين، على ضعف إمكانياتهم، بخروج كاميراتهم من الاستوديوهات الباردة للتلفزيون إلى فضاء الأماكن الحقيقية. وهي تجربة رائدة افتتحها المخرج هيثم حقي عبر مسلسليه «غضب الصحراء» (1987)، و«هجرة القلوب إلى القلوب» (1990). وكانا من أول نجاحات الدراما السورية ورواجها عربيا.
بينما استمر المصريون بتصوير مسلسلاتهم وأفلامهم السينمائية داخل الأستوديو، باستخدام تقنية الكاميرات الثلاث، عكف السوريون على التصوير بالكاميرا المحمولة (الأوريغون)، أو ما يسمى بكاميرا الكتف، ليوفر الفيديو سهولة تنقل عجيبة في الموقع. فضلاً عن الإفادة إلى أقصى حد من غنى الجغرافيا السورية على تنوع بيئاتها الاجتماعية. ووفق كاميرا مخصصة أصلاً لتصوير النشرات الإخبارية عززت من جمال سوريا كاستوديو طبيعي مفتوح بين بادية الشام وجبال الساحل السوري.
إن محاكاة «مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» للتجربة المصرية، في بناء مدينة كبرى للإنتاج قرب دمشق، لا تعبر - للأسف - إلا عن عدم تبصر كافٍ لحيثيات الإنتاج المرئي المعاصر، وتشكل عودة بالدراما السورية، كظاهرة تلفزيونية لافتة، إلى الوراء من خلال إعادة الكاميرا إلى جدران الاستوديو، والابتعاد مجدداً عن سمات ميزت المسلسل السوري وطرحته كصيغة فنية جديرة بالدراسة والاهتمام، في حين تناولت صحف دولية عدة التجربة المصرية بعد بناء مدينة الإنتاج الإعلامي، فوصفتها جريدة «ليبراسيون» الفرنسية في عددها الصادر في 29 أيار 2002 بـ«هذيان جنون العظمة». في حين أعلنت «ليموند» في عددها الصادر في 29 تموز 1998: «ان نجاح المصريين أو فشلهم في مغامرة المدينة الإعلامية بإعادة الإنتاج التلفزيوني المصري إلى المقدمة مقابل نجاح المسلسلات السورية، أمر في علم الغيب»...
المفارقة الرئيسية في المشروع الجديد للمؤسسة، ليست في استنساخ تجربة فاشلة، بل هي في تخلي المصريين أنفسهم عن قناعاتهم القديمة، بعد معرفة قدرة الأماكن الحقيقية على نقل الواقع، مقارنة بالاستديو. لذا ربما على المؤسسة توفير خسائر كبيرة على الدولة بمراجعة قرارها الجديد، وعدم تبذير المزيد من الأموال على البروباغاندا، وذلك بترك المجال لمتابعة مقترحات فنية أطلقها كل من المخرجين نجدة أنزور وحاتم علي والليث حجو مرسخين بطولة المكان في الدراما، لا سيما إذا أخذنا بالحسبان أن سوريا لا تملك قمراً صناعياً كالنايل سات المصري لتغذية المدينة المزمع إنشاؤها.
كما لا يمكن تبرير المؤسسة لإقامة مشروعها «بتطوير الإنتاج السينمائي السوري». في وقت تتكئ فيه الاتجاهات الجديدة في سينما الواقعية الإيطالية، وسينما الموجة الفرنسية الجديدة على هجرة الديكورات المصنّعة إلى استوديوهات الحياة المفتوحة. أما تلفزيونياً فإن إنتاج المسلسلات التاريخية التي تحتاج لمثل هذه المدن التلفزيونية في تراجع اليوم، وهي إن وجِدت تعتمد غالبا على الاستوديوهات الطبيعية لتدمر والرقة وصحاري المغرب العربي، اللهم إلا إذا كانت المؤسسة تفكر بإنتاج أجزاء إضافية من مسلسلات البيئة الشامية، خاصةً أن بيانها أشار إلى الطموح بتحويل المدينة التلفزيونية الجديدة إلى مقصد سياحي! إذ ربما تصبح مدينة لعشاق «قبضايات العجمي ونسوان الأباوات» في مسلسل سوري طويل عن الحارة وأبوابها..