2012/07/04
سامر إسماعيل - سانا
تؤدي الفنانة القديرة فيلدا سمور شخصية مركبة في عرض لممثل واحد أو ما يسمى بمسرحية المونودراما التي كتبها جوان جان مجسدةً حالة من الوجد الخالص لأنوثة امرأة شرقية تتقدم في العمر تاركةً للمخرجة سهير برهوم إنجاز عرض "ليلة الوداع" الذي افتتح عروضه الخميس الماضي على مسرح القباني بدمشق.
ويركز العرض على مونولوج المرأة الداخلي وسط ضجيج المجتمع المليء من حولها بالأبناء والآباء والأزواج حيث يبني النص علاقة شفافة مع إنسانية المرأة بعيداً عن التصنيفات القائمة على الواجبات الصارمة بالدخول إلى عمق تفاصيل أنثوية غاية في الرقة والحساسية كرد على إهمال قد يطال الإنسان في سنوات تقدمه في العمر ولاسيما المرأة/الأم.
واستطاع العرض أن يحقق حضوراً جديداً لمسرح الممثل الواحد عبر بناء مكانة جديدة للغائب المخاطب في مثل هذه النوعية من التجارب المسرحية مزاوجاً بين الحالة النفسية للشخصية وتعدد الأصوات الذي جسدته الفنانة فيلدا سمور مستعيدةً السيرة الأولى لنجاحات المسرح القومي في عروض الممثل الواحد التي قدمها كل من أسعد فضة ومها الصالح وزيناتي قدسية وكمال البني.
وقالت المخرجة سهير برهوم.. هي مشكلة أي امرأة تتقاعد بعد تقدمها في السن فمن الممكن أن ينشغل عنها أولادها بحياتهم الخاصة وان يتوفى زوجها فتجد نفسها وحيدة ومعزولة ما يشعرها أنها محاصرة من كل الظروف فالشخصية في العرض كانت منتجة مستقلة ومن الصعب عليها تقبل فكرة حاجتها لأي أحد للسؤال عنها أو لتقديم خدمة معينة لها ما يجعلها تشعر بأنها شخص ليس له لزوم في الحياة ونتيجة لقوة شخصيتها تتخذ قرارها بأن تخترق عزلتها وتأخذ خطوة للخروج من الإطار المقيدة به.
وأضافت المخرجة برهوم في حديث خاص لسانا.. في طبيعة الحال يحوي العرض عدداً من الشخصيات الإضافية مثل الزوج والأولاد والأخ والحب الأول في حياة الشخصية،فالممثلة بالدرجة الأولى تتحمل مسؤولية استحضار كل شخصية من هذه الشخصيات فهناك بعض العوامل المساعدة مثل الإكسسوارات كالكرسي المتحرك المانيكان الأقنعة فنحن في بعض الأحيان نستند عليها للمساعدة.
بدوره قال الكاتب جوان جان .. ليلة الوداع هي التجربة الثانية لي في المونودراما بعد عملي الأول "خطبة لاذعة ضد رجل جالس" عن نص للكاتب غابرييل ماركيز أما هنا في "ليلة الوداع" فهي من تأليفي الخاص لكنّ العملين يتشابهان في طرحهما لقضايا المرأة وهواجسها ولذلك توسعت وتشعبت أكثر في هذه التجربة لإظهار علاقات الشخصية الأساسية مع الزوج الحبيب الجيران الأولاد على عكس العمل الأول الذي حددت العلاقة فيه بالزوج فقط لا غير.
وعن بناء الشخصيات المساعدة للشخصية الأساسية في العرض قال جان: عندما يكون هناك نوع من التداعيات فمن الطبيعي أن تتذكر الشخصية ماضيها فالماضي دوما مرتبط بعلاقات كثيرة والشخصيات المساعدة تكون مجرد جملة أو لقطة فنحن لا نعرف أي معلومة عنها إلا عن طريق الشخصية الأساسية وبالتالي يمكن أن نتناولها بشكل سلبي أو ايجابي من وجهة نظرها فيهم وليس كما تكون حقيقتهم.
وأضاف المؤلف جان عن رؤيته للمونودراما في هذه الفترة كونها تحتل مهرجانات عربية ودولية.. من الناحية الإنتاجية إن الحاجة هي الدافع الأول لكتابة عمل مونودرامي باعتبار انه من الصعب جمع عدد كبير من الممثلين فمعظمهم مشغولون بالتلفزيون أو الدوبلاج أو السينما ما يدفع معظم الكتاب والمخرجين للتقليل من عدد الممثلين وأرى أن هذه الأعمال تلقى نجاحا وازدهارا في وقتنا الحالي.
وأوضح رئيس تحرير مجلة الحياة المسرحية أن اللجوء إلى مسرح المونودراما يأتي للتركيز وتسليط الضوء على شخصية معينة وشرحها والتعريف بها بشكل واسع على خشبة المسرح فالمونودراما هي من أصعب الفنون المسرحية وتكمن الصعوبة في أن تسيطر على انتباه الجمهور لمدة ساعة تقريبا وجذبهم لمتابعة العمل من خلال فنان واحد يلعب أكثر من شخصية.
من جانبها قالت بطلة العرض الفنانة فيلدا سمور عن الشخصية التي تلعبها في ليلة الوداع.. المشكلة أعدها إنسانية شائعة جدا ومسألة اجتماعية أيضا فهي تخص كل المجتمعات الإنسانية فالشخصية التي أجسدها في العرض هي امرأة تقدمت في العمر وأصبحت في مرحلة الشيخوخة وتعيش حالة من الوحدة بعد أن فقدت زوجها وبعد أن أخذت الحياة منها أولادها ليمضي كل منهم في طريقه منشغلا بحياته الخاصة وهذه الحالة ربما تعاني منها 90 بالمئة من ربات البيوت في مجتمعنا.
وأضافت سمور.. انه في هذه المرحلة يعيش الكبار بالسن بمفردهم في تفاصيل لا نستطيع ملامستها ما لم نكن مقربين جدا منهم لهذا قررنا كفريق عمل الإضاءة على ملامح مرحلة الشيخوخة فالإنسان بعد مسيرة حياته الطويلة يجب أن نهتم به وأن نسانده في أيامه الأخيرة كنوع من رد الجميل بعد أن قدم وتعب مع الجميع.
وقالت ممثلة المسرح القومي.. ألعب في العمل أكثر من شخصية بداية من شخصية الأم وهي الرئيسة إضافة إلى دور الابن نديم والزوج والأب.. لا أعرف حقيقة إن كنت قد وفقت بإيصال هذه الشخصية فردة فعل الجمهور هي الحكم في النهاية حيث حاولت جهدي أن أتقارب مع جميع الشخصيات غير الأساسية وأن أتلمسها قدر الإمكان إذ انه من الممكن للفنان المسرحي ألا يفصل بين حالته المزاجية والشخصية فينعكس هذا سلبا على أدائه المسرحي لكن ومع مرور الوقت استطعت أن أرسم عشرات الشخصيات التي قدمتها على مسارح سورية.
يذكر أن مسرحية "ليلة الوداع" من إنتاج وزارة الثقافة مديرية المسارح والموسيقا تصميم ديكور أسامة دويعر إشراف التنفيذ الفني محمد وحيد قزق مساعد مخرج عبد الله الناصر والعرض مستمر حتى 12 من شهر شباط الجاري على خشبة القباني والدعوة عامة.