2012/07/04
رامي باره
لقد فضلت المخرجة رشا شربتجي عدم تصنيف مسلسل "أسعد الوراق" ضمن أعمال البيئة الشامية، وهذا ما أكده كاتب العمل هوزان عكو في تصريحه لبوسطة، معتبراً أن دراما (القبضايات) ومكارم الأخلاق التراثية أمر مختلف تماماً عن أجواء أسعد الوراق، الأقرب إلى الرواية التلفزيونية.
ولكن إذا نظرنا إلى أسعد الوراق من زاوية مختلفة، نجد أنه عبارة عن قصة درامية تدور معظم أحداثها في الحارات الدمشقية، ضمن فترة الاستعمار الفرنسي، وإن استثنينا (المطة) المطوّلة في اللهجة الشامية، فإن تحديد المكان والزمان على هذا النحو في أسعد الوراق، فرض، بطريقةٍ ما، على كاتب "أسعد الوراق" ومخرجته عناصر البيئة الشامية، بكل ما تحويه هذه العناصر من ديكور وأزياء ومناظر وعادات وتقاليد.
فمن هذا المنحى يمكننا القول بأن "أسعد الوراق" جعل من البيئة الشامية مجرد سياق درامي تجري من خلاله رواية العمل، وهذا ما يقودنا لتفهم الحرص الدقيق من جانب المخرجة والكاتب على عدم اعتبار "أسعد الوراق" مدرجاً تحت فئة أعمال البيئة، بعد أن صنعوا استثناءً على عادة كانت مستمرة منذ سنوات، وهي اعتبار عناصر البيئة الشامية كبطلة أساسية للعمل.
فإن كان جمهورنا قد عاش حالة اندفاع عاطفي نحو حميمية الحارات الدمشقية في أعمال البيئة الأولى، من مسلسل "أيام شامية" مروراً بالجزأين الأولين من "باب الحارة"، فإنه اليوم فقد دهشته بخشونة أصوات الرجال وهم يدقون صدروهم أو يسحبون خناجرهم على بعضهم، ولم يعد مهتماً بالماكياج والأزياء (العرائسية) كتلك التي ظهرت في مسلسل "الدبور"، وأخذ مجدداً يبحث عن القصة الدرامية الممتعة والمحكمة، مدركاً بمهنية أن البيئة مجرد وعاء يحمل بداخله القصة التلفزيونية وليس العكس، ولعل بعض صناع أعمال هذه البيئة انتبهوا لخطئهم عندما قاموا بتحويل البيئة الشامية إلى محور استعراضي في مسلسلاتهم على حساب الحبكة الأساسية في العمل، وربما هذا هو السبب عينه الذي منع ظهور "بسام الملا" على شاشة الـ mbc ليبشر المشاهدين بجزء قادم في الموسم اللاحق من مسلسل "باب الحارة".
وبغض النظر عن تفاصيل النسخة القديمة من "أسعد الوراق" التي تم اشتقاقها من رواية " الله والفقر"، فإننا نحاول في هذه المادة أن نضع قراءة بسيطة لبعض جوانب "أسعد الوراق" الذي تم إنتاجه مجدداً وعُرض خلال الموسم الرمضاني الفائت، باعتباره عمل مستقل تماماً عن نسخة السبعينيات، وهو الأمر الذي فضله كاتب المسلسل هوزان عكو في لقائه مع بوسطة.
فإن اعتبرنا أن "أسعد الوراق الجديد" لم يستقِِ من السباعية القديمة سوى القصة الأساسية والعنوان، فقد برزت الإطالة واضحة في بعض الخطوط الجديدة، ومنها خط الثائرين الذين يتزعمهم "شاكر أو أيمن رضا" في الجبل، في حين أننا لم نشعر بالتشبع الدرامي في بعض الانتقالات المفاجئة على مستوى الأحداث والشخصيات، ومنها ذلك الانقلاب المفاجئ في مصير أسعد بعد خروجه من السجن وتزويجه لأخت من كان على موعد بالارتباط معها، فكان ظهور أمل عرفة (زوجة أسعد) كبطلة في العمل أمراً مفاجئاً لم يقترن بتطور منطقي وتدريجي كافٍ لشخصيتها.
وعندما نستثني الإطالة في بعض الخطوط، والتي لا نلقي بها اللوم على المخرجة أو الكاتب، وإنما على النظام الموسمي المؤطر بعدد الحلقات الثلاثين، نجد أنفسنا أمام عمل درامي كلاسيكي، استوفى بشكله العام تقاليد النص المحكم في ترتيب ذراه وانعطافاته، ولعل هذه النقطة لها أهمية خاصة على مستوى الدراما السورية التي خرجت في كثيرٍ من الأحيان عن قواعد العمل الدرامي قبل أن تتقنه.
أما من ناحية الإخراج فقد ظهر ذكاء رشا شربتجي في اختيارها لأبطال المسلسل، فقد خالفت النظرة السائدة للأدوار التي لعبها الفنان تيم حسن في السنوات السابقة، فمن المفاجأ أن نرى الشاعر الوسيم نزار قباني أو ملك مصر الباذخ فاروق أو عبود (قبضاي) الحارة الجريء موضوعاً في دور الساذج البسيط والقبيح الذي يعيش تحت ظل شفقة جيرانه ومعارفه، ليثبت تيم مجدداً قدرته على التنوع واختياره جانباً مختزلاً في الانطباع وردات الفعل، ليظهر احتراف من لعب دور "أسعد" بنبرة الصوت، والابتسامة غير الواضحة التي حملت كثيراً من التردد وعدم الثقة، مروراً بطريقته في المشي التي أوحت بعدم التوازن وصولاً إلى تعابير العينين التي عكست بساطة أسعد ودهشته العفوية بمن حوله، دون أن يلجأ تيم إلى المبالغة وطرق المونو دراما في استعطاف المشاهد، بعكس ما فعله آخرين كثر أصبحوا نجوماً في سماء الدراما السورية بعد استغلالهم لهذا النوع من الأدوار.
وكذلك كان الأمر بالنسبة للفنانة أمل عرفة التي أجادت دور الزوجة التي صُدمت بما خبأته لها الحياة من حظ عاثر بزواجه من شخصية كشخصية أسعد، لتمنح عمقاً آخراً للذروة الدرامية التي حولتها إلى خرساء، لتُحل بعد ذلك تلك الذروة بالصرخة الأخيرة التي أطلقتها أمل عرفة في نهاية المسلسل.
حديثنا عن أمل عرفة يشمل الأداء، أما على مستوى الشكل فلم اختيار رشا لأمل موفقاً تماماً، فإن عدنا لأسعد الوراق السبعينيات، بلحظة استأذن من رشا شربتجي وهوزان عكو، نلاحظ اختلافاً واضحاً في الشكل والماكياج والزي بين الفنانة "منى واصف" زوجة أسعد وأختها الفنانة "ملك سكر". هذا الاختلاف لم يكن موجوداً بين أمل عرفة وأختها في المسلسل الجديد الفنانة "كندة حنا"، رغم أنه لو كان هذا الاختلاف موجوداً كان بالتأكيد سيُضفي عمقاً جديداً لانعطاف مهم في المسلسل، وهو ارتباط أسعد بأخت من كان يحب بطريقة الفبركة والتدبير.
ومن ناحية أخرى استطاع هوزان عكو كاتب النص أن يجمع ببراعة جميع خطوط المسلسل في المشاهد الأخيرة من الحلقة الثلاثين، مع أننا كنا ننتظر إضافة بصرية تتبع مشهد موت أسعد لكننا لم نشاهدها، لعل تلك الرغبة سببها الفضول في مشاهدة رؤية إضافية للمخرجة مختلفة عن النسخة القديمة من أسعد الوراق، مع العلم أننا بخلاف ما شاهدنا في أسعد الوراق اليوم، لم نرَ شخصية أسعد موجودة في المشهد الأخير من أسعد الوراق السابق، وهذا لا يعني انتقاداً لرغبة رشا في أن تكون النهاية متشابهة مع النهاية القديمة، فقد أحسنت رشا صناعة هذا العمل وميزته بدقة في تصوير والتقطيع والموسيقى وجمالية في الإضاءة نادراً ما شاهدناها في درامانا المحلية، مع التحفظ على بعض المشاهد التي خانت بها الفوانيس القديمة قدرة رشا على اختيار المصادر الصحيحة والنوعية المناسبة للضوء.
ولكن بالرغم من هذه العثرات الطفيفة استطاعت رشا شربتجي في النهاية أن تثبت مقدرات فذة في إخراج عملين بنفس الموسم (أسعد الوراق وتخت شرقي) وبأسلوبين مختلفين تماماً.