2012/07/04
اسماعيل مروة – الوطن السورية
هل وصلكم هذا التصنيف الحاد؟ بل الحاد جداً؟ والذي يعدّ التخوين هيناً أمامه! فهو يتجاوز الموقف إلى الاتهام، ويتخطى الاتهام، ليصل إلى النبذ
ومن ثم يصل إلى درجة قطع الأرزاق والأعناق! هل وصلكم هذا النوع من التصنيف الذي يصل إلى درجة اعتبار الآخر حشرة وقوّاداً وتافهاً وعميلاً وما شابه؟ هل وصلكم هذا النوع من التفكير الضيق من كل أطياف المجتمع المثقف بل المثقف وحده؟ هل وصلكم هذا الأفق المحدود الضيق الذي لا يقبل أي نقاش، ومباشرة يهز رأسه رافضاً طالما أنت كذا؟ هل وصلكم هذا الإيمان اليقيني بأن الحق، والحق وحده مع المتحدث إن كان سلطة أو معارضة؟! قام العديد من المجهولين في الخارطة في بداية ما جرى في مصر ضد عادل إمام، وأنا قد أكون ممن لا يوافقونه الرأي السياسي، لكنهم قاموا بمحاولات محمومة للإساءة إليه، وقد سمعنا جميعاً من عدد من الفنانين طالبوا بعدم التعامل مع المباركيين وعادل إمام ضمناً، وسمعنا من عدد من الكتاب والإعلاميين يفعلون الأمر نفسه مع زملائهم الذين يؤيدون نظام مبارك! وبهذه الطريقة تتم إزاحة عادل إمام ويسرا وعشرات من الفنانين، ولو كان الأمر معاكساً، فإن جميع خصوم هذا التوجه ستتم إزاحتهم عن العمل! باختصار إن نجحت الحركة أم لم تنجح، فإنه سيتم الاستغناء عن نسبة كبيرة من طاقات المجتمع الإبداعية!!
وقف مبدعون أميركيون ضد بوش
صنعوا أفلاماً، وحازوا عليها أوسكارات
لا بوش انتهى، ولا هؤلاء منعوا من العمل..!
هل تميز فكرنا عبر التاريخ بالإقصاء والإبعاد؟
من حق الإنسان أن يؤمن بالشيطان ولا يوصف بالإلحاد والكفر!
من حقه ألا يكون مؤمناً بما يؤمن المجتمع دون أن يرجم!
من حقه أن يؤيد السلطة أو يعارضها ويبقى فاعلاً في الحياة
نحن فقط، دون خلق الله، إما أن نكون مسؤولين على الدوام أو نصبح متهمين وفاسدين، وطالما نحن على قيود المسؤولية فالنزاهة سمتنا، ولا يتمكن أحد من الحديث عن جدارتنا ونزاهتنا، ولكن ما إن يتخلى عنا كرسي المسؤولية حتى يتم اكتشاف مقدار هدرنا وفواتيرنا، بل استهتارنا بالعام!! وبالمقابل فإن أحدنا ما دام هو في موقع المسؤولية، فإنه يدافع عن أي ممارسة، بل عن كل الممارسات مهما كانت خاطئة ومتجاوزة، ولكن عندما يزحط قفاه لأي سبب عن الكرسي يأتيه ما كان مفتقداً من إحساس فينحاز إلى الجمهور والناس ويصبح معارضة، ولا يتملكه أدنى إحساس بالخجل!!
نحن فقط مع الواقف والتيار، ونحن فقط نستخدم تعبير مع التيار أو ضد التيار ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقبل أي نوع من التواؤم بين الشخص وآرائه التي قد تتوافق مع جانب وتتخالف معه في الوقت نفسه، نرفض ذلك ونعده تلفيقاً..!
كنت أتحاور مع صديق حبيب، وكان ينظر خلسة، ويبتسم بين لحظة وأخرى، ومن ثم وصفني وصفاً أحبه (خبيث)، وكلما تحاورنا يصمم على هذه الصفة، ومرد ذلك أنني لا أجلس لأحفظ رأياً أو تحليلاً، بل أعمد إلى قراءاتي الخاصة الممتدة على رفوف مكتبتي الورقية، وقد تتقاطع هذه القراءات مع هذا الجانب أو ذاك، لكنني فخور بهذه القراءة وأحمل وزرها ونتائجها مهما كانت، وخاصة أنني لا أؤمن بالامتداد التاريخي للأشخاص، فما من أحد يقدر على تحديد دينه ومذهبه ومنطقته قبل مئتي عام على أبعد تقدير، لذا عندما أقرأ التاريخ أتعامل معه باسم التاريخي المرحلي ولا أعيش فيه ولا لحظة واحدة، كما أعيش حاضري ولا أتعامل إلا مع ما يناسبني.
ثقافة مخيفة أظن أن الأيديولوجيات العربية المبتورة، والأحزاب المشوهة العاجزة، والسلطات هي من أوجدها وكرسها ونادى بها.. حتى النازية لم أسمع بمن نادى باجتثاثها، وها هي تعود مجدداً إلى الساحة الأوروبية، بينما يسهل علينا بأحزابنا وفكرنا أن نجتث ونقتل ونمنع..!
عندما قلت له: أحترم رأيك، لكنني أنا رجل لا أؤمن بالعنف، وكل إيماني بالمسلم، وليس في هذه الأزمة وحدها، بل في كل حياتي من الابتدائية وحتى اليوم، فأنا أتنازل عن حقي لأنني غير قادر على الصدام.. لم يقابل احترامي لرأيه إلا بوصف عجزت عن سماعه وغادرت المكتب..!
وحدنا عندما نرى الرأي قتلاً نرفضه وهو الرأي! وعندما يكون في صالحنا نعتبر القتل رأياً وندافع عن القتل!
قال صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر: يا عمار تقتلك الفئة الباغية، وبعد أربعة عشر قرناً لا نزال نبحث عن فلسفة القتل والقاتل لنقتل أتباعه من هنا أو هناك، فهل من قتله هو من أخرجه أم من قتله؟ سؤال محير لن نصل إلى نتيجة فيه، وعندما نصل سنعرف النتائج ونتوقف لبناء حضارة لا تقوم على النفي والقتل والرفض لمجرد الرفض وحباً بالقيعان.
حتى اليوم هناك من يحب كينيدي
وهناك من يشيد ببوش
وهناك من يتعاطف مع هتلر والنازية
بل هناك عودة قوية للنازية إلى الساحة السياسية والفكرية
لم يعترض أحد...
بل نحن الذين نرفض شخصاً بسبب رأيه نقبل أن تعود الفتنة برأسها، ونقبل أن نعود مئة عام بالتمام والكمال إلى الوراء لنعيش السلطنة والكمالية مجدداً.
ولا نقبل أن نعيش معاً!
مثقفونا يتحدثون بالتهديد والوعيد
يكتبون بالحقد واللؤم والسمّ
ونحن- كلنا- وقود غد غير مقدَّر إن لم نحب أوطاننا