2012/07/04
كمال مرة - البعث
لايمكن النظر إلى الدراما باعتبارها مجرد فن ينقل الواقع المعاش على طريقة الكاميرا الوثائقية فقط، أو تقديمها على أنها عبارة عن نقل حياة يومية تتأرجح في الهواء، دون بنية اجتماعية وسياسية وفلسفية.
فالدراما بأشكالها المتنوعة تقنياً، لايمكن أن تعيش إلا ضمن حالة جدلية، متفاعلة ما بين ثلاثة أقانيم رئيسية، هي: الذات، الموضوع، والمتلقي.. لأنه من الصعوبة بمكان عزل الموضوع عن الواقع كلياً، حتى بما يسمى بدراما الفنتازيا أو الخيال أو اللاواقع.
ربما يقول قائل: إن هذه النظرية هي منطق الفلسفة الاشتراكية كفكر سياسي و أدبي، لا ترتبط بدورة رأس المال، الذي ينظر إلى الدراما كسلعة خاضعة لمتطلبات السوق، و لقانون العرض والطلب، والسينما الأمريكية تعتبر مثالاً صارخاً على ذلك التفكير الذي يخضع الفكر والأدب لقانون السلع، فيعتمد على إثارة الغرائز الجنسية والعنف وإثارة الوحوش الشريرة القابعة في النفس البشرية، والتأكيد على بطولة الفرد الذي لاينتمي إلا إلى الذات فقط، ودون هذه النزعة فليحترق العالم.
قانون ينظر إلى المستهلك الدرامي على أنه وسيلة تجلب له المال، وتزرع بداخله نزعة الدم والشهوة والفردية وعدم الانتماء، وهكذا هو الفكر الأمريكي الصهيوني، الذي يرى في بلدان العالم الثالث مكاناً لجني ملايين الدولارات بواسطة الفوضى الخلاقة، وتأمين عمل للشركات الأمنية، شركات للقتل والنهب والسلب.
نظرة العالم الرأسمالي إلى الإنسان، لاتتعدى نظرته إلى حيوان مدجن يعيش في مزرعة أمريكية، نظرة لاتعترف بحرية الإنسان ولا بالأخلاق ولا بالأدب، نظرة تجعل من القبح جمالاً، ومن القتل أدبيات فكرية لاترقى إلا إلى أخلاقيات مجتمع الغابة.
أخشى ما أخشاه أن تتحول الدراما في عالمنا العربي إلى سلعة لا أخلاقية، وغير منتمية، يسيرها رأس المال الأعمى إلا من طمعه بالربح السريع، أخشى أن يتحول الفن إلى سلعة لاتنتمي إلى مبادىء الأدب والفكر الإنساني، التي تتجلى في أن الإنسان هو أهم ما في هذا العالم، وبأن مهام الفن الأولى أن تجعل هذا العالم أجمل وأرقى، وأن تسمو بكل القيم الأخلاقية التي ترفع من شأن الإنسان، ثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً.
وفي الآونة الأخيرة لاحظنا بث بعض المسلسلات على الشاشات العربية، منها التركية (العشق الممنوع)، والعربية(مطلوب رجال) كمثالين فقط، وليسا على سبيل الحصر، هذه الدراما التي أسميها بـ (دراما الصالونات)، وهي دراما تتناول حياة عائلة أو عائلات، أسر تنتمي إلى المجتمع المخملي الرأسمالي.. إنهم أناس يسكنون في قصور وأبنية مرمرية، ويمتطون سيارات فارهة، ويعيشون حياة مترفة، ولديهم من الخدم كثيرون «كنوع من العبودية الجديدة».
تعتمد هذه الدراما في محاورها الأساسية على تحطيم كل القواعد والقيم الأخلاقية عبر حكايات غرائبية، لا تعني بشيء إنسان الطبقات الدنيا، دراما يسوق فيها كل شيء كسلعة.. المكان السياحي، والبطلات الجميلات، وبطل العمل الذي يمتلك
وجهاً وجسداً جميلين، دون أن يمتلك أيَّ قيم أخلاقية، فيسوّقون فكراً جديداً منسلخاً عن كل الروابط التي تجعل من الفن هدفاً سامياً للمعرفة والرقي والإبداع والخلق والتغيير.
مؤخراً، طلبت إحدى شركات الإنتاج الدرامي التي تستجر بعض رؤوس الأموال الخليجية، طلبت الشركة من أحد المؤلفين، مسلسلاً تلفزيونياً سورياً، يحمل في طياته متطلبات السلعة الحالية، دراما فارغة المعنى والمضمون، المهم أن تكون بطلاتها نساء جميلات، ونسخة مشابهة لـ (مهند)، دراما الأغنياء، الذين يعيشون في قصور مذهبة، ببساطة دراما صالونات!!.