2012/07/04
ديما ديب - الوطن السورية
أمام السينما المصرية بما لها من تاريخ طويل وريادة وشعبية، وسينما المغرب العربي بما تحققه من نجاحات عالمية بجرأتها وتجربتها وحداثتها، ينهض الواقع السينمائي السوري بطموحه على كاهل أسماء من الجيل الشباب الذي اطلع وأتقن السينما العالمية.
خلال مسيرته الفنية، حقق محمد عبد العزيز المعادلة السينمائية الصعبة في أفلامه التي يتفاعل فيها الفكري والجمالي، وبنى منهجه الخاص بالخوض في المياه العميقة للمحظورات والمحرمات والموضوعات الشائكة التقليدية: الدين والسياسة والجنس، التقت «الوطن» مع المخرج عبد العزيز وكانت لها هذه الجولة مع أعماله وآرائه في السينما والفن..
ذكرت سابقاً بأن الفن ليس رسالة والفيلم ليس نادلاً ليخدم الآخرين ماذا كنت تقصد؟
نعم مازلت عند هذا الرأي.. لا أميل بتضمين رسائل في المادة الإبداعية.. إن نقاء السينما وقوتها المتأصلة تكمن في إعادة صياغة بعض من مفاهيم المتلقي ليقوم هو ببلورتها لتثير لديه نوعاً من الأسئلة ربما قد تأخذ منحى وجوداً عن طبيعة الأشياء، الأمكنة، الشخوص، والعلاقات فيما بينها وليس بتلقينه رسالة مباشرة يمكن تلقيحه بها كقاصر والذي أعتقد أن نمط الرسائل والإرشاد يقتصر على الخبر والريبورتاج والفن التلفزيوني بالعموم أما السينما فالعملية تكمن بلا جدال في فكرة «المعرفة- المعرفة المفعمة بالبهجة» حين يتجسد التأثير كصدمة كنوع من التطهير الافتراضي ويغدو هذا الافتراض وسيلة لاستيعاب العالم بجماله وقبحه ووداعته وقسوته، لا تناهيه ومحدوديته ومن هنا ذكرت ما ذكرته.
لماذا الدراما السورية أكثر مشاهدة من السينما، وما أسباب غياب السينما السورية وكيف تتخلص من متابعة الدراما التلفزيونية؟
لا نستطيع القول: إن الدراما أكثر مشاهدة من السينما، وإنما سوق الدراما معروف بالنسبة للمنتج الذي يعلم أنه بعد انتهائه من العمل سيعود عليه بضعف ما صرفه من مال إضافة إلى أن الدراما التلفزيونية بسبب آلية عرضها وطريقة تلقيها السهلة عبر جهاز التلفزيون يوسع قاعدة انتشارها فهي فن مصنوع بالأصل للمشاهد الكسول القابع في المنزل أو المقهى بعكس السينما الذي آلية تلقيه مختلفة تماماً، كما أن مشكلة السينما ليس فقط بالبلدان العربية وإنما أيضاً بالدول الأوروبية وأما أسباب غياب السينما فكثيرة ولا مجال هنا لذكرها أما كيف أتخلص منها أنا من الذين يهربون للصمت أعزل نفسي قدر الإمكان، القراءة هي مسكن حيوي لهذه العدوى المميتة وهي ملجئي الدائم والغريب. اليوم كنت أتساءل من أين تنبع كل هذه الثرثرة الجوفاء والكلام الفارغ والناس مأخوذون، هذا التوق للثرثرة التي لا تهدأ والأحداث والقصص المفبركة الإرشادية ذات البعد الفولكلوري المجاني، كابوس لن يغادرنا قريباً للأسف.
ما الفرق بين المخرج السينمائي والمخرج التلفزيوني؟
مثل الفرق بين الشاعر والميكانيكي.
هل السينما قادرة على مواكبة ما حدث في العالم العربي في المرحلة الراهنة؟
العدو الأول للأنظمة العربية هي الصورة، والأحداث التي اندلعت في البلدان العربية حولت هؤلاء المشاركين إلى جيش من السينمائيين بكاميرات محمولة تجاوزوا بأسلوبيتهم لرصد الحدث كل ما يمكن اختباره من أشكال فنية جديدة.. ولكن حتى اللحظة المنتجون والجهات الإنتاجية بالعالم العربي مقصرة إلى حد كبير في مواكبة التغييرات التي حصلت في منطقتنا.. أما بالنسبة لسورية فللأسف هناك توجس عميق من الكاميرا وكل أشكال الصورة التي من الممكن أن تلامس روح المرحلة بكل أبعادها من تاريخنا المعاصر.. إننا نخسر بشكل فادح هذه اللحظة الغنية والعميقة ببعدها الدرامي والفني والاجتماعي والسياسي الذي تشهده سورية بسبب الهاجس الأمني الذي ذكرته والذي يضع الجميع بسلة واحدة وللأسف مرة ثانية كان الهاجس الأمني متقدماً على الثقافي في كل المراحل ولهذا شاهدنا ونشهد هذا القحط المعرفي في بلد كان قدم الأبجدية الأولى كواحدة من فلتاته الإبداعية.
كيف ترى الرقابة على الأفلام في سورية؟
لا توجد أفلام حتى تراقب بالأصل.. في نهاية المطاف موضوع الرقابة ليس جديراً بالنقاش إنما هو أشبه بكلام يلفظه رجل ولد كفيفاً عندما يتحدثون إليه عن قوس قزح.. أعتقد أن أحد المظاهر الأكثر إثارة للأسى هو فرض نوع من الرقابة المسبقة على النتاج الفني.
تحدثت عن التآخي في فيلم «دمشق مع حبي» ماذا تود أن تضيف؟
لا أوافقك بأن الفيلم تحدث عن التآخي.. بل كان مقاربة لفكرة المواطنة التي لم نعمل عليها أبداً في تاريخنا القصير منذ الاستقلال وحتى الآن وهاهو المجتمع اليوم بكل تلاوينه يدفع ثمنا باهظاً جراء تلك اللحظة البديهية. من حقك كفرد بالمواطنة الكاملة.. في مجتمع كان شبه أخرس.. ولكن العزاء اليوم رغم كل الأخطار المحدقة أننا كأفراد وجماعات نحاول اكتشاف صوتنا واستعادته بأفدح الجهد.
كيف تقارن السينما السورية بالمصرية؟
لا توجد هناك سينما سورية هناك بعض الأفلام الجيدة التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، السينما المصرية على الأغلب ذات طابع تجاري ورغم أننا لا نملك سينما بمفهوم السينما إلا أن الأفلام السورية كنوع يتوقف عندها أكثر ولكن بالسنوات الأخيرة استطاعت السينما المصرية أن تقدم بعضاً من الأفلام اللافتة، إلا أن الطابع الطاغي عليها هي أفلام تجارية وبسيطة.
كيف تنظر إلى أفلامك، ولماذا؟
أفلامي الثلاثة الماضية على الرغم من الاحتفاء النقدي والجماهيري بها فشخصياً ولا واحد من الأفلام السابقة هي السينما التي أود تحقيقها.. في بلد يندر فيه الإنتاج السينمائي يصعب إلى حد المحال أن تحقق ما يمثلك.. لهذا كل ما حققته هو مجرد بروفا باهتة عن السينما التي أريد إنجازها إن سنحت الفرصة يوماً ما بذلك..
ما سبب اعتذارك عن حضور العديد من المهرجانات في الفترة الأخيرة؟
دعيت لعدة مهرجانات منها لندن وطوكيو والجزائر وإيطاليا.. أرسلت الفيلم واعتذرت عن الحضور.. لا أعلم.. أنا مزاجي جداً وفي هذه الفترة بالذات هناك علاقة بدمشق يصعب علي تفسيرها ومغادرتها بالوقت الحالي.
فيلمك الذي انتهيت من تصويره مؤخراً، ما سبب كل هذا التكتم على حكاية الفيلم وشخوصه أمام وسائل الإعلام؟ هل تعطي لمحة خاصة لـ«الوطن» عن فيلمك الجديد وبعض أسراره؟
في هذه المرحلة بالذات لا أستطيع التطرق لهذه التجربة حتى أنتهي من عمليات المونتاج. يمكن القول إنه فيلم جدلي وإشكالي وعندما يجهز سنقدمه للجمهور السوري من دون بروباغاندا.