2013/05/29
كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1992:مجلة الموعد
قبل اليوم الذي أكتب فيه هذه الحلقة من «شارع النجوم» أمضيت عشر سهرات رمضانية في مختلف الفنادق والمطاعم في القاهرة. وفي كل سهرة، وحسب ما أصبح عادة الآن في كل سهرة تمتد حتى السحور وأحياناً حتى مدفع الإمساك، فإن البرنامج الفني يتألف من عشرة مطربين شبان على الأقل. بعضهم وصل الى الشهرة، والبعض الآخر يأمل الوصول اليها عن طريق الليالي الرمضانية!.
وفي كل سهرة رمضانية كانت هناك ظاهرة واحدة تتكرّر في كل الأمكنة!.
يبدأ المطرب، أي مطرب، في الغناء، ومعه فرقته الموسيقية التي ترافقه بعزف صاخب لا يتمكن معه المستمع من فهم الكلام الذي يغنيه المطرب، ولا تُبيّن ما إذا كان صوته جميلاً أم لا، ويروح يغني ويغني والناس مشغولون عنه بالتحدث مع بعضهم، أو بتناول الطعام، وحتى عندما ينتهي من الأغنية فإن أحداً لا يصفق له، فيضطر هو الى طلب التصفيق، ويظل يردد عبارات أصبحت متداولة بين جميع مطربي الجيل الجديد: «صفّقوا له» أو «زقفة كبيرة قوي» أو «صفّقوا معايا» أو «حنغني مع بعض»!.
ولكن الحال كله يتغير فجأة بمجرد أن يغني المطرب، أي مطرب، أغنية ما للعندليب الراحل عبد الحليم حافظ فإن الساهرين عندئذٍ يأخذون في الاستماع اليه، والتصفيق له، والغناء معه، ولا يعودون يعملون حساباً لجمال صوته، أو حلاوة مظهره، أو نسبة الصخب في موسيقاه، وهكذا تأكد النجاح بالنسبة لجيل المطربين الشبان!.
وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور أيضاً، فإنني أعود من جديد الى أوراقي القديمة لأستلهم منها بعض الذكريات عن العندليب الأسمر الراحل وقد اقترب موعد ذكرى رحيله الذي كان في الثلاثين من شهر آذار «مارس» 1977، ولكي أقوم أيضاً بـ«مسح» الأضرار التي أصيب بها الغناء العربي منذ رحيله، وأبرز هذه الأضرار هو ظهور هذا العدد الضخم من المطربين ليس في مصر وحدها، بل وفي العديد من الأقطار العربية، وهو ما لم يكن ممكناً في وجوده، إلا للمطربين الذين يملكون حلاوة الصوت والأداء فعلاً!.
وتذكرني أوراقي القديمة بأنني سمعت بإسم عبد الحليم حافظ لأول مرة في عام 1952..
إن سيدة من قريبات الملياردير السوري الراحل أكرم العجة، التقيت بها يومئذٍ في سهرة بيروتية، قالت لي:
- هناك مطرب جديد في القاهرة اسمه عبد الحليم حافظ، سوف يلمع كثيراً، لأن عبد الوهاب سوف يحتضن موهبته..
وقلت لها بدهشة:
• ومن أين لك هذه المعلومات الفنية؟
فقالت:
- إنني عدت أمس من القاهرة، وخلال وجودي هناك أقام «عمو» أكرم العجة سهرة غنى فيها المطرب الجديد، وسمعه الموسيقار محمد عبد الوهاب لأول مرة..
وبعد أيام قليلة كنت في القاهرة، وزرت الموسيقار الكبير، وكان أول سؤال وجهته اليه هو:
• هل صحيح أنك اكتشفت مطرباً جديداً إسمه عبد الحليم حافظ؟
ورد الموسيقار:
- لأ، ما حصلش، ولكنني سمعته في سهرة أقامها صديقي أكرم العجة في قصره في «غاردن سيتي» وكان صاحب الدعوة قد قال لي إنه يريد أن يُسمعني مطرباً جديداً. فجاملته وحضرت السهرة، واستمعت اليه..
سألته:
• وما رأيك به؟
أجاب:
- هو شجي الصوت، ويتمتع بميزة سوف تفتح أمامه أبواب النجاح..
قلت:
• وما هي هذه الميزة؟
قال الموسيقار محمد عبد الوهاب:
- إن عنده ثقة كبيرة بنفسه، لقد كنت أتوقع أن يتهيّب الغناء أمامي، ولكنه احتضن عوده، وغنى أمامي وهو هادئ الأعصاب، وحتى عندما غنى إحدى أغنياتي، فإنه غناها بطريقته الخاصة وليس بطريقتي، وفضلاً عن ذلك فإنني لاحظت بأنه على قدر كبير من الذكاء والثقافة بالرغم من أنه لم يؤت من العلم إلا قليلا!.
وقلت له:
• وهل سوف تكتشفه؟
فأجاب الموسيقار:
- لا.. إنني فعلاً وقّعت معه عقداً على بطولة فيلم من إنتاجي..
قلت:
• إذن، ستبدأ التلحين له!.
فأجاب:
- إنني سأنتظر الى أن يغني ألحان غيري..
قلت له:
• ولكن لحناً منك قد يدفعه خطوات كبيرة الى الأمام.
فابتسم الموسيقار وقال لي:
- انت عارف اني ما احبش المغامرة، وأحب أن ألعب عالمضمون!.
وبعد هذا الحديث بيني وبين الموسيقار محمد عبد الوهاب بأيام قليلة، تعرفت بالصدفة بالمطرب الجديد عبد الحليم حافظ في سهرة اجتماعية ذهب اليها مع صديقه الموسيقار كمال الطويل، وكان ما زال بعد في سن الشباب أيضاً!.
وتبادلت مع عبد الحليم حديثاً قصيراً، ونقلت اليه الكلام الذي سمعته عنه من الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولأن الناس كانوا كثيرين حولنا، فإنه سألني:
• انت نازل فين؟
قلت:
- في فندق «كونتيننتال» في ميدان الأوبرا!.
والبيت الذي كنا نسهر فيه كان في شارع رمسيس، الذي كان اسمه سابقاً «شارع الملكة نازلي» فقال لي:
• ايه رأيك نتمشى مع بعض حتى الفندق بعد السهرة، ونتكلم..
ورحبت بالفكرة!.
وفعلاً، وبعدما انتهت السهرة عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ويومها لم تكن السهرات تطول الى أكثر من هذا الوقت، تمشيت مع عبد الحليم باتجاه الفندق، بعد أن رفض كمال الطويل فكرة المشي على الأقدام لأن المسافة في نظره كانت طويلة، وتركنا وذهب في سيارة زميله الموسيقار أحمد فؤاد حسن!.
وسألني عبد الحليم ونحن نتمشى:
• هل لمست من عبد الوهاب أنه جاد في الرأي الذي قاله عني..
فأجبته:
- ألم يوقّع معك عقد بطولة لفيلم من إنتاجه!
فقال:
- وهو حدّد لي أجراً قدره خمسمائة جنيه، ودفع منها مائة جنيه كعربون!.
قلت ضاحكاً:
• وهل تعتقد أن عبد الوهاب يمكن أن يغامر بدفع مائة جنيه في عملية غير مضمونة!.
فقال:
- لا، ولكن ما جعلني لا أفرح بهذا العقد هو أنه لم يحدّد لي فيه موعد البدء بإنتاجه..
فقلت:
• ربما كان يريد أن يأخذ الوقت الكافي للتنفيذ..
وأطلق عبد الحليم ضحكة ذكية، ثم قال لي:
- بالرغم من أن ظهوري في فيلم من إنتاج الموسيقار محمد عبد الوهاب هو بالنسبة لي حلم بعيد المنال، إلا أنني سأحاول أن يكون لي بداية سينمائية في فيلم آخر، فإن عبد الوهاب لا يغامر، إنه غامر من قبل بتقديم المطرب جلال حرب في بطولة فيلم، وقدّم أيضاً ابن شقيقه سعد عبد الوهاب في بطولة عدة أفلام، ولم يحقق أي منهما النجاح الذي كان يتوقعه عبد الوهاب.
- وأنا عندما التقيت الأستاذ عبد الوهاب في سهرة صديقنا أكرم العجة، لم أطلب منه أن يلحّن لي أية أغنية، كما يفعل أي مطرب جديد يلتقي به، لأنني متأكد من أنه لن يلحّن لي إلا عندما أنجح، إنه أشبه بكاتب كبير لا يحب أن تنشر مقالاته إلا في جريدة منتشرة.
قلت له:
• إذن، لا أمل لك بشيء من عبد الوهاب؟
فأجابني:
- عندما أنجح سيكون لي أمل به..
وقلت له:
• إذا نجحت، فأي حاجة ستكون لك به؟
فابتسم العندليب وقال:
- لأنني سأحتاجه أكثر وأنا ناجح!
قال عبد الحليم حافظ هذه العبارة وكنا قد وصلنا الى فندق «كونتيننتال» فتبادلنا كلمات الوداع، وأوقف هو سيارة تاكسي لتأخذه الى منزله الذي كان في حي «المنيل»!.
وصورة الشـاب الواثق من نفسه التي رسمها الموسيقار محمد عبد الوهاب لعبد الحليم حافظ وهو يحدثني عنه، رأيتها فعلاً عن قرب في هذا المطرب الأسمر النحيل الذي كان متأكداً من أنه في طريقه الى النجاح بالرغم من أنه واجه الكثير من المصاعب في بداية حياته الفنية، وكان أبرزها وأكثرها تأثيراً عليه عندما فسخ متعهد حفلات في الاسكندرية عقده معه لأنه أراد أن يغني في الحفلات المتعاقد عليها، أغنياته الخاصة، وليس أغنيات الموسيقار محمد عبد الوهاب التي كان المتعهد يريد أن يغنيها المطرب الذي ما زال مغموراً!.
وجاء الوقت الذي تحقّق فيه لعبد الحليم حافظ ما توقّعه من نجاح لنفسه، فإن أغنيته الشهيرة «صافيني مرة» التي لحّنها له الموسيقار كمال الطويل، وأغنية «على قد الشوق» التي لحّنها صديقه الثاني الموسيقار محمد الموجي، أحدثتا دوياً في عالم الغناء، وأصبحتا على ألسنة الجماهير في العالم العربي، وفي أقل من شهرين أصبح هو المطرب الأشهر في العالم العربي، وعلى طول بادر المخرج ابراهيم عمارة الى التعاقد معه على الـفور كبطل أول لفيلم «لحن الوفاء»، وكانت شريكته في البطولة النجمة المطربة شادية، وبعده على طول اشترك عبد الحليم مع النجمة الكبيرة فاتن حمامة، والنجمين عمر الشريف وأحمد رمزي في تمثيل فيلم «أيامنا الحلوة»، وهكذا، أصبح عبد الحليم حافظ نجماً، وانهالت عليه العقود السينمائية وأخذ أجره عن الفيلم الواحد يرتفع ويرتفع الى أن وصل الى الأرقام التي لم تكن تدفع إلا للنجوم الكبار!.
وبعد نجاح الفيلم الثاني «أيامنا الحلوة» كاد أن يحدث خلاف كبير بين الموسيقار محمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ.
إن شركة أفلام الموسيقار طلبت من العندليب الأسمر أن يبدأ العمل في الفيلم الذي كان قد تعاقد عليه معها وتقاضى أيضاً عربوناً عن أجره فيه..
وتردّد عبد الحليم..
وقال له مستشاروه الذين كان عددهم قد بدأ يتكاثر: ازاي تاخذ خمسة آلاف جنيه من كل الشركات عن الفيلم، وتوافق على العمل في فيلم عبد الوهاب بخمسمائة جنيه!.
وظل عبد الحليم لا يبدي أي رأي..
وظل الأخذ والرد مستمراً حول موضوع الفيلم بين شركة عبد الوهاب، ومحامي عبد الحليم، الى أن أراد عبد الوهاب حسمه، فاتصل بنفسه بعبد الحليم وقال له:
• عاوز كام يا حبيبي يكون أجرك عن الفيلم؟
فرد العندليب الأسمر الذكي، بهدوء:
- زي ما هو مكتوب في العقد، يعني خمسمائة جنيه!.
ولم يصدّق الموسيقار الكبير ما سمعه، فراح يمتدح العندليب الأسمر «اللي كلمته كلمة» وتعهد له بأن تكون أغاني الفيلم كلها من تلحينه!!
وعندما وضع عبد الحليم السماعة، فإن الأسئلة انهالت عليه من مستشاريه:
• ازاي تقبل؟ ايه اللي خلّاك تضعف؟
وهنا قال لهم بهدوء:
- افهموا يا أساتذة، أنا طبعاً من مصلحتي أن يرتبط اسمي بإسم الأستاذ عبد الوهاب، وده بيعمل لي وزن فني أكبر عند الناس، ويجعلني مميّزاً عن بقية المطربين، ولو أردت أن أغني من ألحانه، فكم سيكلفني أي لحن آخذه منه فيما لو وافق على أن يلحن لي..
فقال أحدهم:
• على الأقل لحن الأستاذ عبد الوهاب ثمنه ثلاثة آلاف جنيه..
فابتسم العندليب عندئذٍ وقال لهم:
- إذن ايه رأيكم ان الأستاذ عبد الوهاب سيلحن لي مجاناً أربعة ألحان على الأقل لأغنيها في الفيلم!.
وصفّق الجميع عندئذٍ إعجاباً بذكاء عبد الحليم حافظ وحساباته الدقيقة والناجحة!.
ومثّل العندليب لحساب شركة عبد الوهاب فيلم «بنات اليوم» من إخراج هنري بركات وبطولة ماجدة وأمال فريد، ولحّن الموسيقار الكبير للعندليب فيه خمسة من أجمل أغانيه، وكان منها: «عقبالك يوم ميلادك»، «يا قلبي يا خالي»، «كنت فين»، «أهواك»، و«ظلموه».
وذكاء عبد الحليم هو الذي جعله يبحث عن ارتباط أكبر وأطول مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، وخصوصاً بعدما أصبح رفيقاً دائماً له في سهراته وحفلاته ورحلاته، واستفاد العندليب من هذا الالتصاق بالموسيقار بأن دخل عن طريق الموسيقار الى كل المجتمعات الراقية، وكذلك استفاد الموسيقار منه بأن وجد فيه الحنجرة الشجية والمحبوبة من الجماهير التي يرسل ألحانه عن طريقها، وخصوصاً بعدما أصبح هو مُقِلّاً في الغناء..
وتمكن عبد الحليم حافظ من العثور على الإرتباط الدائم...
وكان هذا الارتباط هو شركة «صوت الفن» للصوتيات التي أسّسها مع عبد الوهاب، ومع صديق الطرفين المحامي مجدي العمروسي، وشركة «صوت الفن» للإنتاج والتوزيع السينمائي، والتي انضم اليها مع الثلاثة مدير التصوير السينمائي الحاج وحيد فريد.!.
ولكن، وبعد عدة سنوات، وقع خلاف بين العندليب والموسيقار كاد أن يوصل الشركة الى الانهيار، ذلك أن عقد تأسيس «صوت الفن» احتوى على مادة تلزم العندليب بأن يسجل أغانيه كلها على أسطوانات وأشرطة الشركة، كما تلزم الموسيقار بأن تكون ألحانه، سواء مسجلة بصوته أو بأصوات غيره، ملكاً لشركة «صوت الفن» وحدها!.
ولكن، وفي عام 1962، كان هناك لقاء القمة الذي انتظره الملايين عبر السنين بين صوت كوكب الشرق أم كلثوم وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، ولأن الموسيقار كان يهمه أن يتم هذا اللقاء، فإنه وافق على أن تسجل الأغنية على أسطوانات شركة «صوت القاهرة» التي كانت تحتكر صوت أم كلثوم، وليس على أسطوانات «صوت الفن» التي تحتكر ألحان عبد الوهاب.
وغضب عبد الحليم وتساءل في تصريحات صحفية: كيف يرضى الأستاذ الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يتحوّل الى مجرد ملحن، وأن تفرض عليه شروط من قبل أم كلثوم؟ ثم كيف نسي أن ارتباطه بشركة «صوت الفن» يمنعه من أن يسجل ألحانه في أية شركة ثانية!..
وعبد الحليم حافظ كان يومها لا يريد حماية حقوق «صوت الفن» وإنما أن يردّ أيضاً التحية بمثلها لأم كلثوم التي كانت قد أخذت تهاجمه في مجالسها الخاصة، وأمام كبار المسؤولين، وأصبحت تشترط لاشتراكها بالغناء في أية حفلة تجارية أو قومية أن لا يكون فيها عبد الحليم حافظ!.
ولكن، ما هو السبب؟!.
إن الذي كان قد حدث قبل ذلك بعامين هو أن الثلاثة الكبار: عبد الوهاب، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، كانوا قد اشتركوا في حفل أقيم في نادي الضباط بمناسبة عيد الثورة التاسع، ولكان المتفق عليه أن يقدّم عبد الوهاب استعراض «صوت الجماهير»، ثم يغني عبد الحليم حافظ، ثم تختم الحفلة بغناء أم كلثوم، وكل ذلك أمام الرئيس جمال عبد الناصر، وكبار المسؤولين..
ولكن عبد الحليم فوجئ بأن تعديلاً قد أدخل على البرنامج بحيث بات هو الأخير الذي يختم الحفل الساهر الكبير!.
وقدّم عبد الوهاب الاستعراض..
وغنت أم كلثوم..
وعندما جاء دور عبد الحليم حافظ، دخل الى المسرح، وقبل أن يبدأ الغناء ألقى كلمة قصيرة قال فيها:
- الأستاذ عبد الوهاب، والست أم كلثوم، عملوا فيّ مقلب، وخلوني أغني بعدهم، ومش عارف إذا كان حد حيسمعني بعدهم!
كان في كلمة عبد الحليم شيء من الاحتجاج، ولكن دون الاقلال من عظمة أي من العملاقين، غير أن أم كلثوم غضبت وقالت: ازاي الولد ده يقول اني تآمرت عليه!.
وانقطعت العلاقات الشخصية والفنية من ذلك اليوم بين أم كلثوم، وبين عبد الحليم حافظ، ولكن الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يقطع خيط العمل والصداقة مع العندليب، وتمكّن من إقناعه بأن لقاءات القمة بينه وبين أم كلثوم لا بد وأن تكون فوق الاتفاقات والعقود، لأنها ستكون في النهاية تراثاً تتناقله الأجيال!.
وبعد أن مرت الأزمة بسلام لم تحدث أية خلافات بين الموسيقار والعندليب، بل كان التقارب بينهما يزداد يوماً بعد يوم، وكان أجمل لقاء فني سيتم بينهما في أغنية «من غير ليه» التي أخذها عبد الحليم معه الى المستشفى في لندن، وحفظها وهو على سرير المرض، ولكن القدر حال بينه وبين تسجيلها، وكل شيء كان يتوقعه الموسيقار محمد عبد الوهاب، ما عدا أن تسمع الجماهير منه هو هذه الأغنية بعد أربعة عشر عاماً.
وأن يرحل هو بعد عامين من غنائها..
وتبقى حكايات العمالقة الثلاثة: عبد الوهاب، أم كلثوم، عبد الحليم، خالدة، على مرّ الزمان!
«محمد بديع سربيه»