2012/07/04
كهرمان.. القطة الحسناء التي خربشت فاروق دمشق – من طرزان الكواكب في الوسط الفني في دمشق (ثورة) قامت ولم (تقعد) بعد... ومبعث هذه الثورة، (قطة) جميلة تدعى (كهرمان) لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، في تصرفاتها، وضحكاتها، وحركاتها، براءة الطفولة المرحة المحببة، وفي عينيها الجاذبية التي ترفع أمامها الرايات البيضاء... وقد اشتهرت بطائفة من المنولوجات المرحة التي تلقيها فتثير عاصفة من الإعجاب والآهات والتنهدات. ويكاد إعجاب الجمهور بها، يرهقها، ويحد من نجاحها وتقدمها... ذلك لأن الإعجاب يجر خلفه مشاكل لا تحصى ولا تعد. وقد اشتهرت باسم (القطة) لأنها (تخربش) كل من تحدثه نفسه بتجاوز حدود الإعجاب المباح... ومن أجلها... أثيرت ألف معركة ومعركة بين المعجبين، وبسببها طلقت زوجات، وانهارت بيوت. وسألتها: هل أحببت في حياتك؟ فانطلقت تضحك كالطفلة وأجابت: حب إيه؟ عمري ما عرفت حاجة اسمها حب! ألم يرق في نظرك أي شخص من المعجبين؟ وإذا راق في نظري ، فهل معنى ذلك أني أحبه؟ لو سألت الذين يعرفونني حق المعرفة، لقالوا لك أنني نبذت الثروة الطائلة التي تقدر بملايين (الليرات) لسبب بسيط... ما هو؟ كان الثمن الوحيد هو اعتزال الفن، لكني لم أقو على هذه التضحية لأنني أستمد من أضواء المسرح، ومن تصفيق الجماهير، كل عناصر الحياة... ولذلك نبذت الثروة غير آسفة... أتحبين الفن إلى هذا الحد؟ وهنا اندفعت تقول في حماسة بالغة: أكثر مما تتصور... ثم استضحكت في عبث وقالت: لولا ذلك لما أمكنك أن تقابلني... لماذا؟ لأنني كنت سأصبح: (صاحبة السمو الأميرة)... وقلت لها ممازحاً: قدر ولطف! إذا كنت لا تصدق، فيمكنك أن تسأل (فاروق)! فاروق مين؟ الملك السابق... أين عرفته؟ في مدينة (كان) بإيطاليا... ثم انطلقت تضحك وهب تقول: لقد أراد، كعادته، أن يخطفني من خطيبي، ولكني قهرته وسخرت من (لحيته) وجعلته يشرب (المقالب) التي لن ينساها طول حياته... الأمير العاشق وتبدأ قصة (القطة الجميلة) ذات ليلة، في أحد ملاهي بيروت... كانت تلقي منولوجاتها كالمعتاد، وكان بين الحاضرين كبير شرقي، ما كاد يراها حتى هام بها، وأوفد إليها الجارسون يدعوها إلى الجلوس، فجاءه الجواب عاجلاً... أن (القطة الجميلة) لا تجالس أحداً في الملهى، ولا تشرب الخمر، وإنما تؤدي (نمرتها) وتنصرف... ولم يرق هذا الكلام للأمير الشاب... فانتقل إلى حجرتها الخاصة وقال لها: - إنني لا أريد أن أجالسك لأتغزل فيك أو لأغريك على قضاء السهرة معي، ولكني أريد التحدث معك في أمر يخص مستقبلك... وجلست معه، فسألها: - أتشربين الشمبانيا؟ - لا أشرب الخمر إطلاقاً... - هذا بديع... ولكن لا أظن أنك ترفضين غسل قدميك بالشمبانيا... وضحكت (القطة) إذ توهمت أنه يمزح، وإذا به يقرن قوله بالفعل، ويطلب من الجارسون أن يأتيه بدستة من زجاجات الشمبانيا، ومعها (سطل) كبير، ثم يخلع حذاءها ويصب الشمبانيا على قدميها بين دهشة الحاضرين، وحسد الفنانات... وضحكات (القطة) الصاخبة... وكانت الزجاجات لا تقل عن مائة وخمسين جنيهاً مصرياً... وفي الليلة نفسها، سألها الأمير: - هل تقبلينني زوجاً؟ فأطرقت مفكرة... ولم تجب! وعاد وهو يقول: - بشرط أن تعتزلي الفن... وودعها على أن يقوم بزيارة أسرتها ليعقد خطبته عليها... حول العالم.. وتمت الخطبة، ونظم الأمير رحلة حول العالم، أحاطها خلالها بكل مظاهر البذخ والإسراف. وفي مدينة (كان) بإيطاليا، التقى الخطيب، بالملك السابق فاروق فلم يكد يرى (القطة الجميلة) حتى فتن بها، وراح يحوم حولها محاولاً إغراءها على ترك خطيبها، وهو يعدها بأن تكون الأثيرة عنده... ولما لم يجد منها سوى ضحكات عابثة وعادت (القطة) إلى بيروت لكي تستعد للاحتفال بزواجها، وصحبها الأمير، قبل موعد الزفاف بأيام، إلى عمارة جديدة وقال لها أنها هديته إليها بمناسبة زفافها... المفاجأة... وبينما كان الخطيب يبحث تفاصيل حفلات الزواج، إذ دخل أحد أتباعه وهو يلهث ثم قال له: - هل عرفت ماذا حدث؟ - خيراً... - إن كهرمان تلقي منولوجاتها الآن في الملهى... وطار صواب الأمير، وأسرع إلى الملهى، فرآها... وعندئذ قفل راجعاً، وحزم حقائبه، وغادر بيروت إلى باريس... ولما وصل نبأ سفره إلى (كهرمان) قالت في ارتياح: - الحمد لله... دلوقت بس أقدر أعيش بسلام... واتهمها الناس بالجنون... فلو أنها صبرت أيام قلائل لظفرت بالعمارة... لكنها قالت لكل لائم أو عاتب وهي تضحك: - وهم اليومين تلاتة دول شوية؟ دول يساوو ألف عمارة... ثم تقول لزميلاتها: - زهقت! روحي كانت حتطلع من غيرته... ومن حبه... ومن التقاليد اللي عايزني أمشي عليها... وتختتم حديثها بقولها: - لأ... والمصيبة أنه مش عايزني أظهر على المسرح وأغني للناس... يعني عايزني أنتحر... لا... يفتح الله.. ونجت (كهرمان) من خطر الزواج... وعادت إلى التنقل بين ملاهي دمشق، وبيروت والعراق، غير آسفة على الثروة التي ركلتها بقدميها... الكواكب 7/5/1957