2012/07/04
ديالا غنطوس – الوطن السورية
«كلهم أبنائي» مسرحية للكاتب الأميركي آرثر ميلر قدمت للمرة الأولى عام 1947 في الولايات المتحدة، والآن أعيد إحياؤها باللغة العربية بقلم الدكتور رياض عصمت لتعرض على خشبة مسرح الحمراء من فرقة «مسرح دمشق القومي»، وبإخراج تصدى له مأمون الخطيب.
تتناول المسرحية بالنقد الشديد قضية الفساد والثراء غير المشروع عن طريق الحروب عبر تجارة السلاح. كما تتناول بالنقد أيضاً قضية الفردية وتغليبها على مصلحة المجتمع. استلهم آرثر ميلر أحداث مسرحيته من قصة حقيقية عن شريكين في مشروع تجاري يتسببان في سقوط طائرات ومصرع طياريها، حيث يضطر أحدهما إلى تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن الآخر عندما قام صاحب المعمل ببيع قطع غيار محركات طائرات معطوبة للجيش الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية ما أدى إلى سقوط 21 طائرة أميركية، وبعدها بمدة قصيرة تسقط طائرة ابن صاحب المعمل ويفقد جثمانه. تتسارع الأحداث وتتشابك في سلسلة معقدة تشد انتباه المشاهد ليتم الكشف في نهاية المسرحية عن أن ابن صاحب المعمل قام بالانتحار بملء إرادته عنما قرأ الصحف وعلم بنبأ مصرع الطيارين من زملائه، وبالاتهام الموجه لوالده، ولشريكه الذي كان والد خطيبته أيضاً - فلم يحتمل فكرة أن يقوم والده بالتضحية بشباب الوطن في مقابل المال والجشع، وتخلص من حياته.
استطاع الأديب المسرحي رياض عصمت أن يضفي مزيداً من التعديلات الفكرية والجمالية على النص عبر إعداد أصبغ عليه طابع الحيوية والديناميكية من خلال جعل الحوار باللهجة المحكية، لتكون المسرحية أقرب إلى بيئتنا وإلى قلب وعقل المتفرج دون أي تكلف، مع الاحتفاظ بجميع عناصر المجتمع الأميركي الأخرى. كما أجرى عدداً آخر من التعديلات المرتبطة بعامل الزمن، حيث نقل الأحداث إلى زمن الحرب في العراق وأفغانستان، فأصبحت أقرب في مخيلتنا إلى الواقع الذي يعيشه ويعاصره كثير من شبان هذا الجيل، سواء في وطننا العربي، أم في الولايات المتحدة الأميركية.
نجح العرض في جذب الجمهور إلى حكايته بجميع تفاصيله الأدائية والتقنية، حيث لم يغفل المخرج مأمون الخطيب عن أدق وأبسط الأمور، مراعياً جمالية الديكور والملابس التي عكست ثقافة المجتمع الأميركي بدقة متناهية. بشكل خاص، كان الديكور الذي صممه وسام درويش، والأزياء التي صممها ربيع حسين، والإضاءة التي صممها بسام حميدي، موفقين للغاية.
كما برز في العرض الحرفية العالية لدى الممثلين، حيث استطاع معظم الممثلين أن يجسدوا أدوارهم ببراعة تامة، بعيداً عن أي تكلف أو تصنّع. وكان هناك تناغم بين أداء الممثلين ورسم الحركة من المخرج والأزياء والإضاءة المتوازنة والموحية. حيث جاءت حركة الممثلين شبه حرة وطليقة بنعومة على خشبة المسرح ليشعروا المتفرج بالواقعية التامة، إذ أتاح المخرج لهم الفرصة كي يعيشوا أدوارهم بصدق وحرارة.
مشكلة بعض الممثلين القلائل الوحيدة هي أنهم لم يتقنوا تماماً تجسيد الطابع الأميركي لشخصياتهم، بل ظلوا أسرى تأثيرات شخصياتهم العربية السورية، واقعين في فخ كون اللغة قد صيغت باللهجة المحكية، على حين صاغها المعد كي يجعل المسرحية الأميركية تنبض بالحياة والحيوية لتكون أكثر قرباً وتأثيراً في روح المتفرجين المحليين المعاصرين. كما أخطأ عدد منهم في اللفظ الصحيح للأسماء الأجنبية، وكان جديراً بالمخرج والدراماتورج أن يدققا ذلك مع الممثلين كافةً لتحقيق مزيد من الدقة والمصداقية والإقناع.
جاء العرض في وقت أشد ما تحتاج إليه سورية إلى هذا الطراز من المسرح، شكلاً ومضموناً، حيث ركز المخرج باحترافية بالغة على العامل السياسي ووجه رسالة مختصرة على برنامج العرض تدور حول أهمية الوطن وضرورة إعلاء شأنه فوق أي مصلحة فردية، فالوطن والأرض هما الباقيان، على حين يزول كل شيء آخر.
لعب الأدوار كل من مروان فرحات (جو كيلر)، رائفة أحمد (الأم كيت)، مؤيد الخراط (الابن كريس)، رنا كرم (الخطيبة آن)، غسان الدبس (الطبيب جيم)، هدى الخطيب (سوزي)، أسامة التيناوي (جورج)، أيهم الآغا (قارئ الطالع فرانك)، وندى العبد الله (ليديا).